مبدئيًّا لا يوجد علاقة بين المحتوى –أيًا كان– وبين الاستدامة، إذ إنه عندما يكون المحتوى مستداما فهذا يعني ببساطة إنه ثابت ومستمر على نفس المنوال، بمعنى آخر إنه يمكن أن يكون جامدًا، إلا إننا عندما نربط الاستدامة بكتابة المحتوى فإننا نقصد أنه يجب أن يكون لدينا منهجية واضحة ومستمرة ومتطورة لكتابة المحتوى، سواء كنا نتحدث عن المحتوى الأدبي، أو التسويقي، أو الإداري والمؤسسي، أو الإعلامي، أو أي نوع من المحتويات التي نمارسها بطريقة أو بأخرى، وهنا يأتي دور التفكير الإبداعي في كتابة المحتوى.
في دورة تدريبية نفذناها خلال السنة الماضية في دولة شقيقة، كان موضوع الدورة هو موضوع عنوان المقال، لذلك حصل هذا اللبس الذي بدأنا فيه مقالنا، إلا إننا خلال أيام الدورة تمكنا من فك خيوط اللبس وتبسيطه، وظهر ذلك واضحًا من نتائج ومخرجات الدورة.
عمومًا، نعني بالمحتوى ببساطة، أنها رسالة نريد أن نقوم بتوصيلها إلى جمهور مستهدف، وهذه الرسالة قد تكون رسالة فكرية قيمية، أو توعوية، أو حتى تسويقية إعلانية، فالرسالة إذن هي الإنتاج الفكري الإنساني المحتوي على المعلومات والأفكار والخبرات التي تخزن في مختلف وسائط العقل البشري، والوسائط الرقمية والورقية والإعلامية والتطبيقات البرمجية وقواعد البيانات، بالإضافة إلى كل ما يخزن في مختلف الوسائط الورقية والإلكترونية والإعلامية مثل الوسائط المتعددة والبرمجيات الإنتاجية، وألعاب فيديو وغيرها من الإنتاج الإبداعي للفكر الإنساني بما في ذلك المواد الخام المعلوماتية والإحصاءات.
فالمحتوى –إذن– هو المادة الخام الموجودة التي قمنا بتحويلها إلى منتج، هذا المنتج هو عبارة عن مادة يمكن أن تنشر في واحدة أو عدة وسائل مختلفة، مثل: المحتوى المرئي، كالتلفزيون والفيديو وما إلى ذلك إذ يظهر صانع المحتوى ويلقي بما لديه من محتوى، المحتوى الصوتي: نوع من أنواع المحتوى ويعتمد على صوت مقدم البرنامج، مثل الراديو البودكاست، والنوع الآخر: هو النصي ككتابة كتاب أو مقال أو يمكن أن ينشر في مدون أو تويتر أو الفيس بوك.
بنية صناعة المحتوى
المحتوى كصناعة، شأنها شأن أي مادة صناعية فهي تتكون من هيكل تنظيمي وفني متعدد، وعناصر يجب الاهتمام بها، وإن كانت تلك المكونات تقلصت اليوم بسبب استخدام التقنية الرقمية، إلا أن العمل في صناعة المحتوى لا بد وأن يحتاج العامل في هذه الصناعة إلى المكونات التالية:
1- المواد الخام (مادة المحتوى): وهي الأفكار والمعلومات، وكل المخزون الإبداعي الذي يجب أن يمتلكه صانع المحتوى، لذلك فإنه يجب قبل أن نبدأ في أي عمل لصنع محتوى يجب أن نعرف ماذا نملك من معرفة في هذا الموضوع؟
2- وحدات الإنتاج: ونقصد بها كل الإطار التنظيمي والمؤسسي لعمل المحتوى، وكذلك كل الأجهزة والأدوات والقوة العاملة المبدعة لتحويل تلك الأفكار إلى مادة أخرى يتمتع بها الجمهور المستهدف.
3- أدوات وأساليب الإنتاج: وتشمل العمليات الرقمية والتحويل، بالإضافة إلى تطوير البرمجيات، والحواسيب وشبكات المعلومات الرقمية، وأجهزة الوسائط الإعلامية المتعددة.
4- العنصر البشري: وهو الإنسان المبدع المتدرب الذي لا يمكن العمل من غيره حتى وإن تمكنا من امتلاك الذكاء الاصطناعي.
5- السوق والجمهور: نحن نعمل محتوى من أجل العرض، سواء لزيادة المتابعين في القناة أو العملاء الذي سوف يشترون المنتج أو ما إلى ذلك، فإن لم يكن لدينا سوق وجمهور وعملاء، فما الداعي لصناعة محتوى؟
6- رأس المال: وكأي صناعة فإنه لا بد من رأس وأصول مالية حتى يتمكن صناع المحتوى من العمل، فكل تلك الأجهزة والأدوات والعنصر البشري، وحتى الاستديو أو المكان الذي نعمل فيه فإنه يحتاج إلى رأس مال حتى نتمكن من الاستمرارية والاستدامة.
كل هذه الأمور التي تحدثنا عنها هي أمور نظرية كان لا بد من التطرق إليها قبل البدء في الموضوع الأهم، وهي حسب وجهة نظري: كيف نكتب محتوى؟ وكيف أصبح كاتب محتوى؟
على ماذا نركز حينما نريد أن نعمل محتوى؟
وجدنا أن هناك ثلاثة أمور مهمة وهي التي تسهم بصورة كبيرة في تميز محتوى عن الآخر، وهي:
1- الأفكار: حينما نريد أن نعمل محتوى فإنه يجب أن تكون لدينا فكرة ورسالة نريد أن نروجها، سواء كانت تلك الفكرة – كما أشرنا– قيمة أخلاقية، أو معلومة توعوية، أو فكرية، أو إعلان تسويقي، المهم أنه يجب أن تكون هناك فكرة ورسالة، فالهدف ليس الخروج على وسائل التواصل فقط لمجرد «أني أريد أن يشاهدني الجمهور»، لذلك يجب أن تكون لدينا فكرة منطقية صحيحة.
2- المشاعر والعواطف: في أي حديث أو حوار أو إعلان تسويقي يجب التركيز على الجوانب العاطفية للإنسان أولاً، وتحريك كل تلك المشاعر والعواطف يحتاج إلى طاقة كبيرة، وفن وإبداع من جانب صانع المحتوى إذ يجب أن يركز على النقاط العاطفية في الحوار والمحادثة.
3- السلوك: حسنُ، أنت – كصانع محتوى– أخذت بيد جمهورك المستهدف، وقدمت له فكرة معقولة، وقمت بتحريك عاطفته، وهو الآن مستعد للتحرك ماذا تريد منه؟ بمعنى ما التغذية الراجعة التي تريد أن يقوم بها هذا الجمهور؟ ما السلوك الذي تريد أن يقوم به؟ هل تريد أن يضغط على زر الإعجاب، أم تريد أن يعيد إرسال المحتوى، أو تريده أن يقوم بشراء تلك السلعة التي تبيعها؟
إن تمكن صانع المحتوى أن يركز في محتواه على هذه الأمور، فإنه حتمًا سيتميز عن غيره ويقدم محتوى مقبولا عند الكثير من الناس.
كيف نصنع محتوى ناجحا؟
المحتوى – كأي صناعة– لا بد وأن يكون لها أدوات تسهم بصورة أو بأخرى في إنجاح تلك الصناعة، فعلى صانع المحتوى أن يمتلك تلك الأدوات أو أن يستعين بشخص أو عدة أشخاص يمكن أن يساعدونه في ذلك، من تلك الأدوات:
1- اللغة السليمة: سواء كنا نريد أن نقدم محتوى باللغة العربية أو بأي لغة أخرى فإن على صانع المحتوى أن يعرف تلك اللغة، وأبجدياتها وتركيبها، فليس من المعقول أن يخرج على قناة اليوتيوب – مثلاً – ويقدم محتواه باللغة العربية وهو لا يعرف كيف يركب الجملة، كذلك هو الحال بالنسبة إلى اللغات الأخرى.
2- التخطيط: والتخطيط في كل الأمور مطلوب، فليس من المعقول أن نعمل محتوى من غير أن نعرف ماذا نقول، وكيف نتحدث أو نكتب، ومن هو الجمهور، وأي سوق نقصد، لذلك فإنه يمكن تلخيص التخطيط في الإجابة عن هذه الأسئلة العشرة التالية:
{ ما نوع المحتوى الذي نريد أن نقدمه؛ هل هو تسويقي، أم معرفي فكري، أو توعوي لأي علم؟
{ ما قالب المحتوى؛ هل هو فيديو، أو مادة كتابية، أو رسومات أو أي شيء آخر؟
{ ما هدف المحتوى؛ هل هو لبيع منتج أو خدمة، أم لمجرد الظهور في وسائل التواصل أم ماذا؟
{ ما اللغة المستخدمة لعرض المحتوى؛ هل هي اللغة العربية، أو لغة أخرى؟
{ من الجمهور المستهدف؛ وموضوع الجمهور موضوع كبير جدًا تدخل فيه الكثير من القضايا التي لا نريد التحدث عنها الآن، إلا أنه يجب أن نبحث عن الجمهور الافتراضي للمحتوى، هل هم رجال، نساء، عوائل، أطفال، فلكل فئة طريقة للتحدث معهم؟
{ ما اللهجة المستخدمة؛ في بعض الأحيان نضطر إلى استخدام بعض اللهجات المحلية، وذلك من منطلق معرفتنا بالجمهور المستهدف.
{ نبرة الصوت؛ وهذه أمور من الأمور الفنية المهمة جدًا والتي قد لا يتقنها الكثير من صناع المحتوى، فهو يتحدث دائمًا بنفس النبرة أو مستوى الصوت، سواء طوال فيلم الفيديو، أو حتى عندما يتحدث مع الأطفال أو الرجال؟
{ هل درست أمثلة مشابهة لما تريد أن تقدم؛ وهذا أمر مهم، فماذا يوجد في السوق الذي تريد أن تقدم محتواك إليه، فهل هناك نماذج قمت بدراستها أو التفكير فيها، وهنا يمكن أن نأتي بمبدأ مهم جدًا وهو (كن متشابهًا وكن مختلفًا)، بمعنى أدرس المتشابهة بالصنعة التي تقوم بها بقدر الإمكان ولكن في نفس الوقت حاول بقدر الإمكان أن تكون مختلفا عنهم، بهدف التميز.
{ ما المصادر التي تعتمد عليها في معلوماتك؛ فليس من المعقول أن تتحدث عن أمر معين وكل المعلومات التي تقولها أو تكتبها تكون من محض الخيال.
{ أين سيتم نشر المحتوى؛ وهذا هو السوق الذي تقصد، والجمهور الذي تستهدف، فهل ستنشر المادة في قناتك في اليوتيوب أو سيتم نشر المعلومات في مدونتك، أو ربما مصدر آخر.
3- القراءة واستقصاء المعلومات: كل صانع محتوى يجب أن يكون قارئًا من الدرجة الأولى، فليس من المعقول أن تخرج على الجمهور وأنت لا تعرف عن ماذا تتحدث؟
4- الخيال والتفكير الإبداعي: والتفكير الإبداعي ليس بالأمر الصعب وإنما قد يحتاج صانع المحتوى إلى بعض الأدوات التي تساعده في التفكير.
5- وضع المخطط على ورق: وهذه المسودات، اعملها بالطريقة التي تحبذها.
6- وأخيرًا، ابدأ بالتنفيذ: اكتب المحتوى نصًا، ثم قم بعمل بروفات وتجارب، ومن ثم نفذ.
عمومًا، العملية ليست من الصعب بمكان إلا أنها تحتاج في نهاية الأمر إلى تمرين وتمارين.
zkhunji@hotmail.com
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك