في 20 فبراير تحتفل دول العالم باليوم العالمي للعدالة الاجتماعية. يوفر ذلك فرصة لتعزيز الحوار ضمن الدول والشباب والشركاء من منظمات المجتمع المدني لتقوية العقد الاجتماعي الذي تأثر سلبا بسبب تزايد التفاوتات في الدخل والصراعات وضعف المؤسسات العاملة في مجال حقوق العمال وحقوق الإنسان. تسعى الأمم المتحدة إلى بناء تحالف من أجل العدالة الاجتماعية وإطلاق استثمارات في الوظائف اللائقة.
يتجه العالم بشكل عام نحو تزايد الفقر واتساع التفاوت في الدخل ضمن الدولة الواحدة وعلى مستوى العالم ما يستدعي التصدي لها عالميا ومحليا في كل دولة. على المستوى العالمي بلغ مدى التفاوت في الدخل إلى حد أن دخل 1% من الأثرياء يملكون 50% من الثروات. أعدت الأمم المتحدة تقريرا بعنوان «خطتنا المشتركة» لمعالجة الشرخ في العالم وتدعو إلى تعدد الأطراف المشاركة وإلى شمولية الحلول وترابطها والعودة إلى التضامن العالمي. وعلى المستوى المحلي تدعو إلى تجديد العقد الاجتماعي بين الشعوب والحكومات والأخذ بنهج شامل لحقوق الإنسان ومفهوم العدالة والمساواة.
تجديد العقد الاجتماعي لا بد أن ينطلق من مساهمة العدالة الاجتماعية في تحسين أداء المجتمعات والاقتصادات والحد من الفقر والممارسات الناتجة من غياب المساواة وتخفيف التوترات الاجتماعية. وأن يقوم تجديد العقد الاجتماعي بدور مهم في رسم مسارات أكثر شمولية واستدامة للتنمية الاجتماعية والاقتصادية لتكون أساسا في تحقيق أهداف التنمية المستدامة في إطار خطة التنمية المستدامة 2030، لا سيما في وقت لم يزل فيه تحقيق هذه الأهداف بعيد المنال. هذا التصدي لا بد أن يبدأ من مفهوم واضح ومتفق عليه مجتمعيا حول معنى العدالة الاجتماعية ومبادئها وقيمها. وأن تلتزم الدول تجاه المجتمع وتجاه المنظمات العالمية بهذه المفاهيم والقيم والمبادئ.
نشأ مفهوم العدالة الاجتماعية في أوائل القرن التاسع عشر، وتوسع لاحقا ليشمل جميع أوجه عدم المساواة المختلفة والتمييز على أسس عرقية أو دينية أو طبقية أو عائلية. يقوم مفهوم العدالة الاجتماعية على تحقيق الإنصاف لجميع أفراد المجتمع بحصولهم على فرص عادلة اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً. عرّفت الأمم المتحدة العدالة الاجتماعية أنها «التوزيع العادل والرحيم لثمار النمو الاقتصادي». عمليا هذا يعني أن يشعر المواطن بتأثير التنمية والنمو الاقتصادي على مستواه المعيشي وعلى حياته وحقوقه في مختلف المجالات الاجتماعية والسياسية والثقافية. على مستوى الجماعات فإن العدالة الاجتماعية تهدف إلى تحقيق علاقات عادلة بين فئات المجتمع وطبقاته. تقع مسؤولية تحقيق العدالة الاجتماعية على الحكومات والمنظمات غير الحكومية والأفراد.
ترتكز العدالة الاجتماعية على مبادئ أولها الإنصاف وهو أهم هذه المبادئ. يختلف الإنصاف عن المساواة في أنه يأخذ بعين الاعتبار تباين الحاجات وكيفية تحقيقها للوصول إلى نتائج متساوية أو الحصول على نفس الفرص. أما المساواة فهي الحصول على نفس النصيب بغض النظر عن اختلاف الحاجة. (مثل الخضوع لنفس النسب من الضرائب بين الفقراء والأغنياء قد يعتبر مساواة ولكنه مناف للإنصاف والعدالة، وكذلك الحال بالنسبة إلى (ذوي الاحتياجات الخاصة). المبدأ الثاني «حق الوصول» إلى الموارد الاجتماعية الأساسية مثل التعليم والخدمات الصحية والبيئة والمعلومات. فحق الوصول إلى الموارد الأساسية يجب أن يكون متاحا للجميع. أي امتياز لفئة على أخرى سيؤثر في فرص العمل والأجور والبطالة والفقر. من السياسات المؤثرة في العدالة تطبيق التعليم المجاني إلى مستوى الجامعات، وسياسات التنمية التي تضمن وصول الجميع إلى بيئة مناسبة. المبدأ الثالث «المشاركة» في صنع القرارات الاقتصادية والسياسية وفي حل مشاكل الفئات المهمشة أو المحرومة والحق في إيصال صوتهم والتعبير عن أنفسهم. المبدأ الرابع احترام «حقوق الإنسان» شرط أساسي لتحقيق العدالة الاجتماعية وأن ينظر إليها على أنها ملازمة لجميع الأفراد بغض النظر عن فئاتهم أو انتماءاتهم وأن يقدم هذا الحق على أي اعتبارات أخرى. المبدأ الخامس التنوع واحترام التعددية والاختلاف حيث يوفر ذلك فرصا أكبر للتبادل الثقافي والمعرفي والأمن والسلم الأهلي.
الإشكالية في هذه المبادئ تكمن في تعريفها وتفسيرها وما يقيدها من شروط. كثير من دول العالم الثالث وحكوماتها تعطي لنفسها الحق المطلق في تعريف وتحديد هذه المبادئ بعيدا عن روح هذه المفاهيم والغاية منها، ودون إعطاء فرصة لتوافق مجتمعي حول معنى كل من هذه المبادئ وتبعات تعريف تطوير هذه المفاهيم لتناسب ظرف سياسي معين وليس تحقيق متطلبات الحقوق المدنية والسياسية والحرية الفكرية الضرورية لتنمية القدرات الابتكارية. فمثلا تأخذ الحكومات على عاتقها تحديد معايير وتأطير المشاركة مثلا وتروج لهذا التفسير على أنه مشاركة فاعلة حتى لو رأى المجتمع عكس ذلك. وكذلك الحال مع حقوق الإنسان والحريات العامة. النتيجة إن مساهمة المجتمع المدني هامشية لا يشارك بفاعلية في وضع التعريفات والأهداف والمشاركة في العمل عليها.
في جميع الدول لا بد أن تخضع ممارسة هذه الحقوق وفق قيود وضوابط. في الدول المتقدمة يضع المجتمع هذه القيود من خلال مجالس تشريعية حديثة تلتزم بمبادئ الديمقراطية والتمثيل السليم والعادل وتتناسب مع رؤية المجتمعات وأهدافها وظروفها من دون أن تنفرد جهة بفرض رؤيتها. ما يحدث في كثير من الدول العربية أن يتم وضع القيود على ممارسة هذه المبادئ وفق رؤية السلطة التنفيذية التي عادة ما تكون هي السلطة الأقوى في هذه الدول. تبعات ذلك أن تنحرف المبادئ عن غاياتها وترتفع معدلات التفاوت في الدخل ويتفشى الفساد وتتعثر كثير من خطط التنمية. يؤدي ذلك إلى تراجع معدلات النمو الحقيقي ومستويات المعيشة وتزداد مستويات الفقر والحرمان وعدم الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي وتتراجع العدالة الاجتماعية.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك