في عمل استشاري إداري لمؤسسة في دولة شقيقة منذ فترة، بهدف تطوير العمل المؤسسي في تلك المؤسسة، وبعد فترة زمنية من العمل معهم، وجدنا أنه يحدث بين فترة وأخرى نوع من الجفاء بين بعض المسؤولين وبعض الموظفين بسبب أو بآخر، وقمنا بهدوء بالتحري في الموضوع، وذلك من خلال بعض جلسات الكوتشنج مع المسؤولين والموظفين، وخلال تلك الفترة اكتشفنا أنه بالفعل يوجد خلل بين تلك الفئتين. نقلنا ملاحظاتنا إلى الإدارة العليا فتبين أنهم على علم بذلك، ولكن لم يتمكنوا من فعل أي شيء، وذلك بسبب الأعمال اليومية المتراكمة بالإضافة إلى عدم الاهتمام وخاصة أن العمل يسير وفق أنظمة معينة، فبيئة العمل لم تكن من تلك الأولويات، إلا أنهم أشاروا أنه إن كان بالإمكان تقديم الحلول لإذابة الجليد الذي بين المسؤولين والموظفين فإن ذلك سيكون أفضل للجميع.
فقمت بإعداد محاضرة حول سلوكيات المسؤول الإداري وسلوكيات الموظف نفسه، وذلك حتى تتعادل كفتي المعادلة، فبيئة العمل تتشكل من مسؤول إداري وموظف، فقدمت المحاضرة، من دون ذكر أسماء طبعًا، ولكني ذكرت أمثلة قام بها فلان وفلان، فشعر الجميع أنه هو المقصود بتلك الأمثلة وبهذا الموضوع، وبعد انتهاء المحاضرة وخلال الأيام التالية، بدأنا بالتعاون مع الجميع في وضع الحلول لإذابة الجليد بين الموظف والمسؤول.
واليوم دعونا نتحدث عن جزء من المحاضرة، وهو الجزء الذي يخص سلوكيات المسؤول الإداري، والتي من خلالها لو استطاع أن يسلكها في حياته اليومية في بيئة العمل فإنه سيصبح من أفضل المسؤولين ويصبح أعظم مسؤول في أعين الموظفين. والسلوكيات هي:
فكر بإيجابية؛ وحاول فهم قوة السيكولوجية الإيجابية، وانظر إلى كل حالة على أنها تشكل فرصة للتعلم. علمًا أن التفكير الإيجابي يساعد المسؤول والموظف على التعامل مع الضغوط، كما يمكنه تحسين الصحة. ولا يعني التفكير الإيجابي أن تتجاهل مواقف الحياة المزعجة، بل المقصود بالتفكير الإيجابي أن تتعامل مع المواقف المزعجة بطريقة أكثر إيجابية وإنتاجية، وتعتقد أن الأفضل سيحدث وليس الأسوأ.
ويبدأ التفكير الإيجابي دائمًا بالحديث مع النفس. والحديث مع النفس هو تدفق ليس له نهاية للأفكار الخفية التي تجري في الرأس. وقد تكون تلك الأفكار التلقائية إيجابية أو سلبية، ويكون بعض الحديث مع النفس نتاجًا للعقل والمنطق، وقد يأتي حديث آخر إلى النفس نتيجة مفاهيم خاطئة تشكلت لديك بسبب نقص المعلومات، أو توقعات ناتجة عن أفكار مسبقة عما قد يحدث، فإن كانت معظم الأفكار التي تدور في رأسك سلبية، فسوف تكون نظرتك إلى الحياة متشائمة على الأرجح، أما إذا كانت معظم الأفكار التي تدور في رأسك إيجابية، فإنك على الأرجح شخص متفائل، أي إنك شخص يمارس التفكير الإيجابي.
كن صادقًا مع موظفيك؛ وقل لهم الحقيقة حتى لو كانت مؤلمة. فمن المهم أن يتحلى المسؤول بأخلاقيات العمل الراقية، فالصدق – مثلاً – ينمي الثقة بالآخرين ويساهم بإيجابية التفاعل والتعاون بين المسؤول والموظف.
فيسهم الصدق الذي يتحلى به المسؤولون والإدارة، على وثوق الموظفين بهم، وزيادة قدرتهم على الإنجاز الفعّال من أجل الوصول إلى الأهداف المهنية المشتركة. ليس ذلك فحسب وإنما يسهم التعامل الصادق من قبل المؤسسة كاملة مع العملاء والمؤسسات الأخرى، إلى وضع مستوى عال من الأهمية لهذه المؤسسة، من حيث البعد عن الغش والخداع، فهذا يجعلها أكثر ثقة وأكثر جودة، ما يؤدي إلى تحقيق أفضل الأهداف المهنية.
لا تضغط على الموظف؛ وقاوم إغراء السيطرة على كل صغيرة. كلنا نعلم أن الموظف يتعرض للكثير من الضغوط، فبالإضافة إلى ضغوط العمل فهناك ضغوط الحياة بمختلف أنواعها وربما تتولد هذه الضغوط نتيجة فقدان الدافعية أو ربما أمور كثيرة قد لا نشعر بها نحن، ولكن هذا الموظف يعاني منها ويحملها على كاهله كالجبال ويرجو أن يأتي أحد من زملائه ليساعده في تفتيت ذلك الجبل عن كاهله، وربما كل تلك الضغوط تؤثر سلبًا في أداء عمله، وهذا يعني أن يكون الموظف في أضعف حالة، وربما هذا الوضع يغري بعض المسؤولين أن يفرض صلاحياته وقدراته على هذا الموظف، وهذا كثيرًا ما يحدث.
هناك نجد أنه يجب أن يتحول المسؤول من مسؤول إداري إلى مسؤول قائد، هذا يعني ببساطة ألا تغريه قوته وصلاحياته ودرجته بالضغط على هذا الموظف وإنما يجب أن يتعامل معه بطريقة مغايرة، بحيث يستقطبه ولا ينفره، وخاصة إن كان هذا الموظف من الموظفين المبدعين والمجتهدين.
تواصل مع جميع الموظفين؛ فالكثير من المشكلات في المؤسسات ناجمة عن ضعف التواصل. قد يقول قائل إنه من الصعب اتباع سياسة الباب المفتوح مع جميع الموظفين وفي كل وقت، وربما نحن نؤيد ذلك، ولكن وجدنا أنه من أنسب هذه السياسات أن يجتمع المسؤول بصورة يومية مع الموظفين حتى ولو مدة ساعة، يسمع لهم ويسمعون له، ويفضل أن يتم هذا الاجتماع في الصباح الباكر. هذا التواصل اليومي يذيب الكثير من الجليد، ويطور العمل، ويسهم في اكتشاف نقاط الضعف في العمل والأفراد والنظام والكثير من الأمور.
ألهم موظفيك وادعوهم لأن يكون لديهم نفس مستوى الحماس الذي لديك؛ وجدنا أن من الأمور التي تغضب المسؤول وتجعله في مزاج مختلف عن بقية الموظفين أنه يجدهم لا يسيرون وفق حماسه ونشاطه هو، وهذا أمر محتمل، ولكن هذا لا يعني أن الموظف ليس لديه رغبة في العمل، وإنما ربما دافعية والحس للعمل يختلف، لذلك فإن على المسؤول القائد أن يلهم هؤلاء الذين يعملون معه من حماسه وقدراته ومهاراته، وهذا يمكن أن ينتشر كما ينتشر الفيروس وذلك من خلال الاجتماع الأسبوعي والحوارات والمناقشات، والإصغاء.
أجمع فريق العمل على تحقيق هدف واحد على المدى البعيد؛ بعض الأحيان – وجدناها في بعض المؤسسات – أن الخطط والاستراتيجيات تضعها الإدارة العليا ولا يكون للإدارة التنفيذية أو الموظفين أي نصيب في وضع الخطط والاستراتيجيات غير التنفيذ وحتى من غير السؤال، وهذا أمر غير مرغوب، وهذا يعني أن الموظف لا يعرف ما الذي يدور حوله، وبمعنى آخر فإنه يصبح كمًا مهملاً، أما إن شارك حتى ولو بقدر صغير في هذا المشروع فإنه يشعر أنه جزء من تلك المؤسسة، لذلك يسهم في تحقيق أهدافها.
ساعد موظفيك في أن يوازنوا ما بين عملهم وحياتهم الشخصية، فذلك سيحسن من أدائهم؛ من المهم أن يعرف المسؤول القائد عجلة توازن الحياة حتى يوازن هو حياته وبالتالي يساعد الموظفين في توازن حياتهم.
أثن على الموظفين لديك في العمل؛ فالثناء سيعزز من الثقة لديهم، وهذا أمر طبيعي، فالجميع يحب الثناء والمدح، والثناء يمكن أن يكون برسالة شكر أو كلمة أو حفلة إفطار صغيرة، ولكن ليس في الخطأ وإنما الخطأ يحتاج إلى معاملة أخرى. ولكن بقدر الإمكان أشد بإنجازات الموظفين لديك حتى ولو كانت بسيطة.
شجع الموظفين العاملين لديك على تحقيق التطور؛ فذلك سيعزز من إنتاجيتهم، فأنت كمسؤول قائد لا تريد أن يقبع الموظف – أيًا كان مستواه – في الظل، وإنما حاول أن تشجعهم على التفكير والابتكار، ويمكن ذلك من خلال الدورات التدريبية وورش العمل وما إلى ذلك.
لا تخص موظفًا بعينة بالاهتمام دون باقي الموظفين؛ وهذه من الأمور الكارثية والخطيرة في العمل، فإن حدث ذلك فإن الموظف الآخر سيشعر بالغبن والظلم، وهذا من الطبيعي أن يؤثر في مستوى العمل، وربما يؤدي إلى الإحباط والاكتئاب، وهذا ليس من صالح العمل أو المؤسسة.
أرشد الموظفين إلى كيفية إنجاز العمل ولا تتبع أسلوب الأمر؛ لكل مسؤول ولكل إنسان أسلوب في أداء الأعمال، فإن كان الموظفون لا يعرفون ماذا تريد فاجلس معهم واشرح لهم ولا تترفع عليهم، وإنما أرشدهم فإنهم لا يستطيعون أن يعرفوا نواياك أو أن يقرؤوا أفكارك، فلا تغضب من أخطائهم إن لم يتمكنوا من استيعاب ما تريد وخاصة إن لم تشرح لهم أو تتحدث معهم.
ساعد الموظفين من خلال استخدام الأدوات الصحيحة على بناء العادات الجيدة ما سيخلق بيئة صحية وسعادة وإنتاجية أكبر؛ وخاصة العادات الاجتماعية التي تسهم في بناء العلاقات الجيدة بين الموظفين، ولكن من المهم ألا ننسى الأداء الوظيفي، ودائمًا كمسؤول دع الموظف يشعر أن المؤسسة هي بيته وأنه يحتاج أن يأتي يوميًا هنا حتى يعيش ويتنفس وليس لمجرد أداء عمل، وبعدها سوف يذهب إلى البيت، وربما إن وجد عملا أفضل من هذا فإنه سوف يغادر ببساطة.
هذه بعض الأمور التي عرضناها في المحاضرة، والغريب في الموضوع أنه كان لها مفعول كبير وتأثير إيجابي في تلك المؤسسة، إذ إنها تحولت بعد فترة من الزمن إلى المؤسسات التي تعتز أنها من أفضل بيئات العمل في تلك الدولة، وهذا أمر جميل، وإنجاز نفتخر به.
Zkhunji@hotmail.com
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك