بقلم/ أ. د. أمين المليجي
نواصل حديثنا حول موضوع البشرية والقدسية وخاصة عن الرسل حتى نؤكد أننا بشر نصيب ونخطئ، وقد تكلمنا في المقالات السابقة عن بشرية الرسل وقدسيتهم في مواقف مختلفة، فقد تكلمنا عن مواقف سيدنا موسى عليه السلام التي أظهرت بشريته وقدسيته، واليوم نتكلم عن مواقف لسيدنا إبراهيم عليه السلام تثبت بشريته وقدسيته،
فلو نظرنا إلى موقف سيدنا إبراهيم من وجود إله وأن الأصنام التي يعبدها قومه ليست إلا مادة صماء لا تسمع ولا تعقل، قبل أن يوحى إليه ليكون رسولا، لوجدنا أن هذا ما يعتري البشر الحائرين بين الشك واليقين، فهم دائمو التفكر في وجود الله ويبحثون عن أدلة لوجوده،
وهذا ما فعله سيدنا إبراهيم عليه السلام، فقد رأى نور الكوكب في السماء، ولكنه أفل وغاب فعرف أنه ليس بإله، ورأى القمر بنوره فظن أنه الإله الذى يبحث عنه، ولكن رجع على عقبيه مرة أخرى بعد أن اختفي نور القمر، وعرف أنه ليس بإله، ثم نظر إلى الشمس بنورها وحرارتها القوية، فظن أنها الإله، ولكن غابت الشمس وانطفأ نورها وذهبت حرارتها، فعلم أنها ليست الإله الذى يبحث عنه، وقد حكى القرآن هذا الموقف، ليكون الأمر عبرة لنا، يقول تعالى في سورة الأنعام (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً ۖ إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ (74) وَكَذَٰلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ (75) فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَىٰ كَوْكَبًا ۖ قَالَ هَٰذَا رَبِّي ۖ فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ (76) فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَٰذَا رَبِّي ۖ فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ (77) فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَٰذَا رَبِّي هَٰذَا أَكْبَرُ ۖ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ (78) إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا ۖ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (79)).
والبشر دائما في حيرة من أمرهم حول وجود الله، فنرى الملحدين، ونرى من لا دين له، ونرى من تحول عن دينه إلى دين آخر، وستظل هذه الحيرة حتى يرث الله الأرض ومن عليها، ولذلك ساق لنا الحق موقف التثبت من وجوده، ليس بسؤال بشر عادي ولكن بسؤال رسول من رسله الكرام، فنرى سيدنا إبراهيم مرة أخرى تنتابه الحيرة حتى بعد أن أرسل إليه، فقد سأل الله ليريه كيف يحيي الموتى، وهذا سؤال للتثبت من وجود الله وقدرته سبحانه، وعندما يأتي هذا السؤال على لسان نبي ورسول من أولي العزم من الرسل، فهذا يعنى الكثير، أي أن الله قد فتح باب السؤال والتجول في ملكوته لمعرفته وللتيقن بوجوده،
فقد قال الحق واصفا هذا الموقف من سيدنا إبراهيم، (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى ۖ قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن ۖ قَالَ بَلَى وَلَٰكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي ۖ قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا ۚ وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (البقرة-260)، وأنا هنا لست بصدد تفسير للآية، فالتفسير له أهله، فمن أراد أن يعرف التفسير أو التأويل للآية فليرجع إلى كتب التفسير، ولكن بصدد التفكر والتدبر حتى أجد العبرة والعظة من هذه المواقف التي حكاها الحق في كتابه الكريم، ومنها نزداد تثبتا بوجوده سبحانه، وهذا لا عيب فيه أبدا، كم من الناس هداهم الله إليه بالنظر والتفكر في موقف أو شيء شاهده بعينه، فغير مجرى تفكيره إلى الأحسن والأفضل، لأن مسألة الإيمان مسألة ليست بالسهلة، ومهما ظننت أنه يمكنك أن تهدي أحدا فلن تستطيع، حتى يشاء الله له الهداية، وسنتناول هذا الأمر في مقالة أخرى بإذن الله تعالى.
مسألة الإحياء بعد الممات حيرت البشر من قديم الأزل وحتى يومنا هذا، فمنهم من قال إن الدهر هو من يميتنا ويحيينا، يقول تعالى في سورة الجاثية: (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَىٰ عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ ۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (23) وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ ۚ وَمَا لَهُم بِذَٰلِكَ مِنْ عِلْمٍ ۖ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ (24) وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ مَّا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلَّا أَن قَالُوا ائْتُوا بِآبَائِنَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (25) قُلِ اللَّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (26) وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ (27)). ونواصل الحديث في المقالة القادمة بمشيئة الله.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك