وأنا أبحث عن كتاب مميز يغطي الأبعاد الاجتماعية والصحية والاقتصادية للصيام بأسلوب عصري، لأعرضه لقراء صحيفتنا في شهر رمضان المبارك، اتصلت بأخي وزميلي السابق في كلية الشريعة بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة فضيلة العالم الشيخ الجليل الأستاذ الدكتور عبدالكريم بن صنيتان العمري، طالبا العون والمشورة، وفيما إذا كان قد كتب في هذا الموضوع وهو الذي نشر عشرات الكتب في مجالات الشريعة المتعددة، وهو من العلماء المتميزين باعتدالهم ووسطيتهم، وثرائهم الفكري، وروحهم التربوية العالية. فلبى طلبي بتزويدي بنسخة إلكترونية من كتابه الموسوم «من أسرار الصيام وحكمه» الصادر عن دار المآثر للنشر والتوزيع بالمدينة المنورة عام 1427 للهجرة.
وبعد قراءة متأنية للكتاب وجدت في مضامينه ما أبحث عنه وأكثر، لا بل إني أعتقد بأن من الضروري أن يطلع عليه شبابنا على وجه الخصوص ليعرفوا حقيقة الصيام وفضائله وأبعاده المتعددة، وليدركوا أن الصيام ليس فريضة دينية فحسب، بل إنه أيضا مدرسة تربوية وقيمة اجتماعية عليا، وأسلوب وقائي وعلاجي للروح والنفس والبدن، وآلية ديناميكية لتفعيل الاقتصاد، على مستوى الأفراد والدولة، وهو رحمة من الله جل في علاه للأمة الإسلامية. نسأل الله أن يجعل هذا الكتاب القيم في ميزان حسنات مؤلفه القدير.
ولأهمية هذا الكتاب فسنقوم بعون الله وتوفيقه باستعراض وتحليل فصوله، وإبراز الأبعاد الاجتماعية والصحية والاقتصادية للصيام.
يحتوي الكتاب على مائة وعشرين صفحة، موزعة على مقدمة وأربعة عشر فصلا. أوضح المؤلف في مقدمة الكتاب أن الصيام يضخ للمسلمين جرعات تعليمية نافعة، ودروسا تثقيفية جامعة، تفي بحاجات النفس البشرية وتلبي متطلباتها العديدة، بما يزرع السعادة والسرور في نفس الصائمين ويقوم سلوكهم من كل انحراف، وهو مصدر مهم لتنقية النفس البشرية مما علق بها من شكوك وانحراف وجشع وغيرها من ممارسات سلوكية مرفوضة، خلال أشهر السنة التي سبقت شهر رمضان، فهو فرصة ثمينة لكبح الشهوات وتجاوز الذنوب والأخطاء والتوبة والاستغفار والعودة إلى الطريق السوي الذي فطرنا الله عليه، وهو بمثابة محطة تربوية وروحية ليحاسب المقصر نفسه، ويعلن توبته، ويسعى إلى إصلاح حاله، ويرشد انطلاقته في الحياة.
وجاء الفصل الأول المعنون بـ«استقبال شهر الصيام»، ليبين كيف يستقبل المسلمون شهر رمضان المبارك كضيف عزيز، ووافد كريم، تضيء أوقاته بالطاعات والتقرب إلى الله، وصفاء القلوب، ومحو أدرانها، وذكر الأهل والأصحاب والأقرباء، والبر والإحسان ومساعدة الفقراء والمحتاجين، وذلك نمط مؤثر من أنماط توزيع الثروة بين المسلمين، فضلا عن تحمل المشقة والصعاب، والصبر، والإكثار من طلب الرحمة والمغفرة. وفي استقبال هذا الشهر الفضيل كان رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم يبشر أصحابه بالقول «أتاكم رمضان سيد الشهور، فمرحبا به وأهلا، جاء شهر الصيام والبركات، فأكرم به من زائر هو آت». ويوضح نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم أهمية هذا الشهر بالقول: «لو يعلم العباد ما في رمضان، لتمنت أمتي أن يكون رمضان السنة كلها». كما قال عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم: «إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب النار، وصفدت الشياطين». اللهم ارزقنا الجد والاجتهاد في هذا الشهر المبارك واعف عنا واغفر لنا وارض عنا واجعلنا ممن يفوز بثواب الشهر الكريم.
وحمل الفصل الثاني عنوان «الصيام والتيسير»، موضحا أن من أبرز سمات الشريعة الإسلامية وسائر تكاليفها وعبادتها مراعاة اليسر وعدم الحرج ورفع المشقة، والبعد عن العسر والضيق، فقد قال تعالى في سورة المائدة: (ما يريد الله أن يجعل عليكم من حرج) (آية:6). وقال تعالى في سورة البقرة: (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) (آية: 185). لذا لم يوجب الله تعالى على المسلمين الصيام إلا لشهر واحد، رحمة بالعباد وتخفيفا عليهم، ووضع لهم العديد من الرخص، كالمرض، والسفر، والحيض عند النساء، والمرأة الحامل والمرضع التي لا تقوى على الصيام أو تخاف على رضيعها، فقد جاز لها الإفطار، كما لا يحاسب الله جل في علاه الذي يأكل أو يشرب في شهر رمضان وهو ناس أنه صائم ولا قضاء عليه، وجوانب عديدة أخرى تظهر سماحة ديننا الإسلامي ويسره. وللموضوع بقية في مقال قادم إن شاء الله.
{ أكاديمي وخبير اقتصادي
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك