بقلم: عاطف الصبيحي
في المقال السابق سُقنا الآية الأولى من سورة الطلاق كشاهد على تعاليم الله سبحانه وتعالى للنبي الكريم عليه الصلاة والسلام، ولمن تبعه إلى يوم الدين، في حالة من الحالات الاجتماعية التي تحدث في الحياة بين الأزواج، والأزواج هم عماد الحياة الاجتماعية، وهم لبنة الاستقرار الاجتماعي، وهم محور السلم الأهلي والأمن المجتمعي، قبل الدولة وأجهزتها، فهم من يحتضنون الوليد في حِجرهم مدة تكوينه ونموّه وتشكيله، حين لم يكن للقانون عليه سلطان، فالسلطان كله للتربية والتنشئة، واليوم سننظر في الموضوع من زاوية أخرى، مع نص آخر من لدن الحكيم الخبير.
حتى حين ترتفع المكانة الاجتماعية للرجل، وحتى لو وصل إلى رأس الهرم في السلطة، وهي أعلى مراتب الدنيا على الإطلاق، مع ذلك ظل كتاب الله متخذا نفس المنهج في نسبة البيت إلى المرأة، يقول الله سبحانه وتعالى: «وراودته التي هو في بيتها عن نفسه».. لعل الجميع يعلم أن هذا النص القرآني بحق امرأة العزيز، عزيز مصر، وصاحب الكلمة الطولى والأولى في مصر، لكن لم يقل «وراودته التي هو في بيته»، فهي لم ترتكب الفاحشة، لكنها همت بها، فقد شغفها حباً ذلك النبي الذي أودع الله فيه من حُسن الخلق والخُلق ما عجزت عن مقاومته، لكن هو لم تراوده نفسه بدليل «لولا» الذي هو حرف امتناع لوجود ولهذا كلام وتفصيل هذا ليس أوانه ولا مكانه.
يقول الحق عز وجل في سورة الأحزاب «وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى» ولا يخفى على أحد أن الخطاب موجه لنساء النبي بالآية 33،32 من سورة الأحزاب، وهذا النص بأكمله: «يا نساء النبي لستنّ كأحد من النساء، إن اتقيتنّ فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض، وقلن قولا معروفا، وقرن في بيوتكنّ ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطِعن الله ورسوله إنما يريد الله ليُذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا». هنا الخطاب كما قلنا لنساء النبي، ومع ذلك نسب البيت إليهن ولم ينسب إلى النبي عليه السلام لذا لم يقل «من بيته»، فهنا النبي صلى الله عليه وسلم يمثل الزعامة الدنيوية، وهو الرسول الذي يمثل الزعامة الدينية، ومع كل هذا نُسب البيت إلى زوجاته.
الحالة الوحيدة التي رفع الله نسبة البيت فيها عن المرأة هي في الآية 15 من سورة النساء فقط «واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة شهداء منكم فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت، حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا». هنا سُحبت منهن نسبة البيت، وفقدن التكريم الرباني لهن، وذلك لسبب موجب وكبير، فقال سبحانه: «فأمسكوهن في البيوت» ولم ينسب البيوت إلى الرجال حتى في هذه الحالة، فترك البيت بدون نسبة إلى طرف من الأطراف، لكنه يقيناً لم يعد في هذا الوضع من موجبات تكريم للمرأة، فنُزع منها حقها في البيت، وذلك جزاءً وفاقاً.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك