بعد أسابيع من الاحتجاجات الشعبية في إسرائيل، تم تعليق خطة التعديلات القضائية، بعد اجتماع «نتنياهو»، مع قادة الأحزاب اليمينية المشاركة في ائتلافه الحاكم؛ خاصة أن تلك التعديلات -التي وصفها «دانيال شابيرو»، من «المجلس الأطلسي»، بأنها «تجاوز غير مسبوق من قبل رئيس الوزراء» - تعمل على الحد من الاستقلال السياسي للمحكمة العليا في البلاد. وعليه، فإن مستقبل سلطته السياسية وبقاء حكومته الائتلافية بات «موضع شك»، في ظل محاصرتها محليًا، وتراجع سمعتها دوليًا، حتى لدى مسؤولي البيت الأبيض أنفسهم.
وفي إدراك لذلك، لاحظ المراقبون الغربيون كيف أثارت الأزمة السياسية في إسرائيل، استياء الرئيس الأمريكي «جو بايدن»، على الرغم من أن انتقاداته لم تتبعها أية إجراءات ملموسة للاستفادة من قوة نفوذ «واشنطن»، للضغط على الحكومة الإسرائيلية لمراجعة مواقفها تجاه الإصلاحات الداخلية، ووقف الانتهاكات الصارخة والجرائم التي ترتكبها إسرائيل بحق الفلسطينيين في الأراضي المحتلة، ومن ثمّ، أكدوا أن هذا الأمر يثبت أن الضغط الغربي على إسرائيل أصبح أقل تأثيرا، مما هو مفترض على أرض الواقع.
ومع إيقاف الحكومة لأجندتها التشريعية، وتصاعد الاضطرابات الداخلية، ووسط تعرض الائتلاف الحاكم الهش لخطر الانهيار، إذا لم يحقق اليمينيون المتطرفون رغباتهم وتعديلاتهم القضائية؛ تساءل المراقبون عما إذا كان بإمكان الحكومة الإسرائيلية الحالية التمسك بالسلطة، وهل من الممكن أن يحدث فراغ سياسي بسبب رحيل «نتنياهو»، عن المشهد السياسي الإسرائيلي بأسره.
وفي حين أن رئيس الوزراء، الذي تولى المنصب لست ولايات، قد وصفه «تريسي ويلكينسون»، و«لورا كينج»، في صحيفة «لوس أنجلوس تايمز»، بـ«أسطورة القائد السياسي القادر على التشبث بالسلطة»؛ فقد بدا أيضًا أن زعيم حزب الليكود قد «بالغ في استعراض قوته» هذه المرة، من خلال انحيازه لصالح القوميين المتطرفين لتشكيل حكومة ائتلافية، ثم محاولة تنفيذ إصلاحات شاملة للقضاء ضد رغبة المطالب الشعبية، وهو ما تسبب بالتالي في خلق «أسوأ أزمة محلية في تاريخ إسرائيل».
وبعد أسابيع من الاحتجاجات الشعبية، والإضرابات التي ذكرت شبكة «سي بي إس نيوز»، أنها تهدد بشل اقتصاد البلاد «المتذبذب» بالفعل، وانتقادات مباشرة من الرئيس الإسرائيلي «إسحاق هرتسوغ»، الذي أصدر -من بين آخرين- تحذيرات من وقوع «حرب أهلية» محتملة؛ كتب «توم بيتمان»، و«ديفيد جريتن»، من شبكة «بي بي سي»، أن «نتنياهو»، رضخ للضغط في النهاية، «وأوقف تغييراته القضائية مؤقتًا، بقصد استئنافها بعد عطلة عيد الفصح اليهودي.
علاوة على ذلك، أشار «شابيرو»، إلى أن المعارضة داخل الحكومة قد بدأت تنمو مع تصاعد الاضطرابات الشعبية، موضحا أن إقالة رئيس الوزراء لوزير الدفاع «يوآف غالانت»، كانت بمثابة «نقطة تحول»، في مقاومة خطط «نتنياهو» الإصلاحية، من حيث إنها «أخافت» عددا كافيا من أعضاء الحكومة من العواقب التصعيدية، ورغم ذلك ضغط الكثيرون بشدة عليه للتراجع مؤقتا. وكتب «آرون ميلر»، و«دانيال كيرتزر»، في مجلة «فورين بوليسي»، أنه «من الصعب تقييم حجم الخطأ الاستراتيجي»، الذي ارتكبه نتنياهو، بإقالة غالانت، وهو الأمر الذي عزز الانطباع بأنه قد «وضع سياساته الشخصية فوق أمن بلاده».
في غضون ذلك، أشارت «بيثان ماكيرنان»، في صحيفة «الجارديان»، إلى أن تعنت رئيس الوزراء يعكس أيضًا «فشلًا» في فهم حجم الغضب الشعبي من مشروعه الإصلاحي، فضلاً عن كشف «نقاط ضعفه» في السيطرة على مهندسي تحدي استقلال القضاء داخل حكومة الائتلاف، وهما وزير العدل، «ياريف ليفين»، ورئيس لجنة الدستور والقانون والقضاء في الكنيست «سيمشا روثمان»، وكلاهما أشارت «ماكيرنان»، إلى «كراهيتهما الأيديولوجية طويلة الأمد» للمحكمة العليا واستقلالها.
وبينما أصر «ميلر»، و«كيرتزر»، على أن مسيرة «نتنياهو»، السياسية «لم تنته بأي حال من الأحوال»، وأن التحالف الذي يقوده «لا يُظهر أي علامات على انهيار وشيك»؛ أكد «شابيرو»، أنه الآن «يواجه معضلة» حول كيفية تقدمه سياسيًا، بالنظر إلى أن أجندته التشريعية «لا يمكن أن تمضي قدمًا» في ظل المقاومة الكبيرة محليًا ودوليًا. وفي حالة عدم قدرته على تمرير تلك الأجندة؛ رأى «ويلكنسون»، و«كينغ»، أن «حكومته يمكن أن تُحل بسهولة»، وبما أنه «من غير الواضح من الذي سيملأ الفراغ»، الذي قد يخلفه رحيل هذا الائتلاف، فإنه حتمًا قد تشتعل «اضطرابات جديدة» في البلاد.
من ناحية أخرى، تم تسليط الضوء على طبيعة المواقف المهمة للقوميين المتطرفين، باعتبارها «مؤثرة»، على «التطورات المستقبلية»، لا سيما أن مستقبل «نتنياهو»، السياسي يكمن في كيفية استجابة أمثال وزير الأمن القومي «إيتمار بن غفير». وكتب «ويلكنسون»، و«كينغ»، أن أعضاء الائتلاف «من غير المرجح أن يمنحوه مساحة كبيرة للمناورة»؛ لتهدئة خصومه المحليين، خاصة وأن «بن غفير»، قد حث «نتنياهو»، على عدم الاستسلام لـ«الفوضى»، وتمرير التغييرات القضائية، رغم الإرادة الشعبية المناهضة لها.
بالإضافة إلى ذلك، هناك أيضًا احتمال أن تحاول هذه الشخصيات اليمينية توسيع سلطاتها ونفوذها. وأشار «بيتمان»، و«جريتن»، إلى أنه في مقابل الموافقة على التوقف المؤقت لجدول الأعمال التشريعي للائتلاف، حصل «بن غفير»، على «وعد» من رئيس الوزراء «للمضي قدمًا في خططه الخاصة بـإنشاء حرس وطني ليكون تحت سلطته الشخصية وممولا من الدولة.
وفي نهاية المطاف، خلص كل من «ويلكنسون»، و«كينج»، إلى أن السياسيين اليمينيين في إسرائيل هم من قدموا في نهاية عام 2022 لنتنياهو «شريان حياة»، لتجديد حياته السياسية، وتشكيل حكومة متطرفة في الوقت الراهن. وأضاف «شابيرو»، أنه إذا لم يسمح شركاؤه في الائتلاف له بالتخلي عن أجندته التي أوصلت البلاد إلى هذه الأزمة، فإن «احتمال نشوب حرب أهلية في إسرائيل»، تزداد بشكل كبير.
وبما أن التشجيع المحتمل للقوميين المتطرفين في الائتلاف سيكون مدعومًا بسلطة نتنياهو «الضعيفة»، على الحكومة والجيش والمجتمع المدني؛ فقد أوضح «ميلر»، و«كيرتزر»، أن رئيس الوزراء المحاصر لا يحمل الآن «أدنى ثقة»، لدى جموع غفيرة من الناخبين الإسرائيليين، الذين «لا يزالون يخططون لمواصلة الضغط على الحكومة». وبينما تمنح مشاركة جنود الاحتياط العسكريين في الاحتجاجات المؤيدة للديمقراطية «شرعية هائلة» لها؛ من المشكوك فيه ما إذا كان جيش الدفاع الإسرائيلي سيقبل «وزيرًا أكثر امتثالًا»، لقيادة نتنياهو من «الرجل العسكري المحنك»، «غالانت».
وبالإضافة إلى تذبذب ائتلافه وسلطته، أشار المعلقون إلى أن هذه الأزمة ألحقت مزيدًا من الضرر بصورة إسرائيل الدولية. وكتب كل من «ويلكنسون»، و«كينج»، أنه في حين أن «تلميع مكانة نتنياهو كرجل دولة كان فترة طويلة مكونًا رئيسيًا لصورته التي صممها بعناية»، فإن «محاولاته المطلقة»، لضمان دعم حلفائه الغربيين بدت وكأنها «بلا جدوى» في هذا الصدد. وتم استقبال زياراته الأخيرة للعواصم الأوروبية بمظاهرات حاشدة، وإدانات لاذعة من قادة لطالما كانوا في السابق «يكرهون انتقاد إسرائيل».
وبالنسبة إلى الولايات المتحدة، أوضح «جوش ليدرمان»، من شبكة «إن بي سي نيوز»، أن «واشنطن»، «قد تضطر في النهاية إلى إعادة النظر في دورها كأهم حليف لإسرائيل». ومع ذلك، فإنه بينما علق «بايدن»، مؤخرًا بأنه «قلق للغاية»، بشأن التغييرات المناهضة للديمقراطية التي خططت لها الحكومة الإسرائيلية، وأصر على أن بلاده «لا يمكنها الاستمرار في هذا الطريق»، لاحظ كل من «ويلكنسون»، و«كينغ»، أن المسؤولين في «البيت الأبيض»، امتنعوا عن إصدار «إدانة شديدة» للحكومة، وبدلاً من ذلك تبنوا «دبلوماسية هادئة من وراء الكواليس».
وعلى الرغم من أن «بيتمان»، و«جريتن»، أوضحا أن الحكومة الإسرائيلية قد «تعرضت» مؤخرًا لوابل من التحذيرات الأمريكية من أن سلوكها الحالي «يهدد» سمعة البلاد؛ فقد رد «نتنياهو»، على تلك الإدانة الدولية بأنه «لن يتأثر بالضغوط الخارجية»، ولا حتى ممن أسماهم «بأفضل أصدقائه»، وهو الرد الذي وصفه «دانيال إسترين»، من «الإذاعة الوطنية العامة الأمريكية»، بأنه يعني «عدم تدخل الغير في شؤون بلاده الداخلية». وأضافت «كاتي روجرز»، في صحيفة «نيويورك تايمز»، أن هذه الردود تحدد مدى تأثير «بايدن»، على رئيس الوزراء، وقدرة «الولايات المتحدة»، الحالية على ممارسة نفوذها في المنطقة.
ومع اتهام «واشنطن»، مرة أخرى بالتقاعس عن محاسبة إسرائيل على أعمالها الأخيرة، والتي كانت ستلقى بلا شك سيلا من الانتقادات إذا قام بها أحد خصومها؛ أشار «كيرتزر»، إلى أن «إدارة بايدن»، يجب أن تدعم مخاوفها بشأن تراجع ديمقراطية إسرائيل «بالأفعال»، مضيفًا أنه حان الوقت لإرسال «إشارة» لنتنياهو حول سلوك حكومته. وفي حين أكد «شابيرو»، إعادة النظر في التعاون في بعض البرامج الثنائية ودعم الولايات المتحدة لقرارات الأمم المتحدة التي تنتقد السلوك الإسرائيلي، فقد رفض أي تخفيض في مستوى المساعدة الأمنية الأمريكية.
ووفقًا لما ذكرته «روجرز»، فإن ما يزيد الأمر سوءا، جراء عدم وجود ردود أفعال من «واشنطن»، أن «الأزمة في إسرائيل»، لا تمثل «تحديًا للسياسة الخارجية» للبيت الأبيض فحسب، بل تمثل أيضًا «تحديًا داخليًا» لها. وبينما كتب 90 ديمقراطيًا من الكونجرس إلى الرئيس لحثه على استخدام «جميع الأدوات الدبلوماسية المتاحة» لمنع «إلحاق المزيد من الضرر» بالمؤسسات الديمقراطية الإسرائيلية؛ أشار «ليدرمان»، إلى أن «التحرك لتقليل الدعم لإسرائيل «من جانب البيت الأبيض»، سيؤدي إلى رد فعل عنيف من جميع الجمهوريين تقريبًا، والعديد من الديمقراطيين»، فضلاً عن ردود الجماعات اليهودية المؤيدة لإسرائيل في واشنطن.
وعند تقييم الآثار الأوسع نطاقًا لمحاولة تمرير «نتنياهو»، إصلاحاته السياسية المناهضة للديمقراطية، والاحتجاجات الشعبية ضدها، وفقدان الدعم الدولي لبلاده؛ كتب «ديفيد ماكوفسكي»، من «معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى»، إن معارضي رئيس الوزراء يعتقدون أن «كيان الدولة على وشك الانهيار». وأوضح «جوناثان بانيكوف»، من «مجلس أتلانتيك كاونسل»، أن الاحتجاجات «تعكس حالة عدم اليقين بشأن هوية البلاد المستقبلية». ومع الاستمرار في توضيح أن رفض المدنيين للخدمة العسكرية -رغم التركيز الأساسي التاريخي لإسرائيل على قضايا الأمن القومي- يعكس قوة الشعور المناهضة لإجراءات الحكومة؛ رأى «بانيكوف»، أنه إذا تبين أن توقف «نتنياهو»، عن أجندته التشريعية، هو «مناورة تكتيكية»، فسوف «يعاود الإسرائيليون الاحتجاج في الوقت المناسب إذا لزم الأمر».
وبينما استشهد «ميلر»، و«كيرتزر»، بمطالبة رئيس الوزراء وحث الكثيرين على عدم «استبعاده»، وافتراض أن فترة ولايته السادسة على رأس المشهد السياسي باتت «تقترب من نهايتها»، فقد أكدا أنه قبل كل شيء «أكثر تصميمًا من أي سياسي إسرائيلي على البقاء في السلطة»، وقد «أظهر بالفعل أنه سيذهب إلى أبعد الحدود التي لن يفعلها آخرون غيره».
على العموم، فإن محاولات «نتنياهو»، وائتلافه اليميني المتطرف لدفع الإصلاحات السياسية قدمًا قد ألقت الضوء على الانقسامات الكامنة داخل المجتمع الإسرائيلي. ومع نبذ كثير من أعضاء الحكومة الإسرائيلية وائتلافها الحاكم دوليًا، وعدم وجود حلفاء سياسيين محليين لهؤلاء المتطرفين والعنصريين؛ فإن المسار الواضح الوحيد لنتنياهو الذي يجب أن يسلكه على المدى القصير، هو مواصلة حالة التشويش واللغط خلال الأزمة الراهنة التي بدأها بنفسه.
ومع ذلك، وبغض النظر عما إذا كان قادرًا على الاحتفاظ بالسلطة، وتجنب الإدانة بتهم الفساد القائمة، فإن «الثقة به أضحت محل شك بالفعل في كلتا الحالتين»، حتى بين الإسرائيليين الذين كانوا يدعمون سياساته سابقًا.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك