بقلم: ا. د. امين عبد اللطيف المليجي
نواصل حديثنا حول موضوع البشرية والقدسية وخاصة عن الرسل حتى نؤكد أننا بشر نصيب ونخطئ، فقد تكلمنا في المقالة الماضية عن مسألة إحياء الموتى، وما طلبه سيدنا ابراهيم عليه السلام من الله بسؤاله عن كيفية إحياء الموتى، وقد سمع الله لسؤاله، وأعطاه إجابة عملية عن هذا الأمر، حتى يطمئن قلبه.
وكما ذكرت في المقالة الماضية فإن مسألة إحياء الموتى شغلت الناس قديما وحديثا وستظل كذلك الى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وقد حكى لنا القرآن الكريم موقف أحد عتاة الكفر قيل انه أمية بن خلف مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وورد هذا الموقف في سورة يس: «وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَن يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (78) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ» (79).
من المواقف التي سجلها الحق سبحانه موقف سيدنا نوح عليه السلام مع ابنه الذي كفر وكان من المغرقين، هذه الحالة من الحالات المهمة التي تؤكد أن الهداية بيد الله سبحانه، لأن سيدنا نوح وهو الرسول الذي أرسله الله لهداية الناس لم يستطع أن يهدي ابنه الى الإيمان، وسجل الحق هذا الموقف عندما جاء الطوفان ثم حمل سيدنا نوح كل من آمن في السفينة وكانت تجري في موج كالجبال، يقول تعالى في سورة هود «وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلَا تَكُن مَّعَ الْكَافِرِينَ» (42).
ولكن الابن أصر على الكفر فقال كما حكى القرآن «قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَن رَّحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ (43)، ولكن عاطفة الأبوة والبشرية ظهرت جلية من سيدنا نوح، ونسي أنه رسول الله جاء بأمر الله ليبلغهم وليس عليه هداهم، حتى أقرب المقربين لم يستطع هدايته، فقد اعتقد أن الله ربما يعطيه معاملة خاصة ويستثني ابنه فيغفر له، ولكن الله ليس عنده محاباة أو واسطة حتى مع الرسل أنفسهم في مسألة الإيمان، فطلب سيدنا نوح من ربه أن يرحم ابنه، فقال الحق مسجلا ذلك الموقف: «وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ (45) قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (46).
موقف آخر لنبي الله سيدنا سليمان يجسد البشرية وخاصة حب ملذات الدنيا وخيراتها قيل الخيل والمال، وكما نعرف فإن سيدنا سليمان سأل الله ملكا لا ينبغي لأحد من بعده، فأعطاه الله ملكا عظيما، فقد حكى القرآن موقف سليمان عندما أعجبه خيله ونسي ذكر الله، كما قال المفسرون الصلاة حتى غابت الشمس، يقول تعالى في سورة ص: إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ (31) فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَن ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ (32) رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ (33)».
كل البشر تلهيهم الدنيا بملذاتها وشهواتها، فمثلا نتكاسل عن الصلاة أثناء البيع والشراء أو أثناء العمل.. كل ذلك يحدث وهذه طبيعة البشر ولن تتغير، فنحن أهل أغيار، ولن يتوقف الإنسان عن حب الدنيا وشهواتها حتى يرث الله الأرض ومن عليها، وكلنا ينتظر رحمة الله يوم الحساب، لأن أعمالنا لو وزنت لامتلأ الميزان وفاض من الذنوب، ولكن العاقل من يرحم نفسه ويستغفر ويتوب، وسيجد الله توابا رحيما.
وقد أكد رسول الله صلى الله عليه وسلم أننا لن ندخل الجنة بأعمالنا، ولكن برحمة الله، ومن رحمة الله أن يتقبل العمل سواء كان صلاة أو زكاة أو حجا أو صياما أو تصدقا أو غيرها من أعمال الخير والبر، وقد تعجب الصحابة رضوان الله عليهم من قول النبي، حتى قال بعضهم لرسول الله، حتى أنت يا رسول الله، أي أن يقينه بأن رسول الله لا يعمل إلا خيرا، وقد غفر الله ما تقدم من ذنبه وما تأخر، ولكن الرسول قال: «ألا أن يتغمدني الله برحمته».
نسأل الله العفو العافية وأن يتغمدنا برحمته. ونواصل حديثنا في المقالة القادمة بمشيئة الله تعالى.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك