بقلم: عاطف الصبيحي
سنمر بعجالة على أصل الأصول، ونتجول بين آياته وننتقي منها من يفيد فكرتنا، الفكرة الأخلاقية المؤصلة بشكل لا يقبل التأويل، ولا لمزيد من الفهم والبحث، بل كل ما تحتاجه التطبيق، وإنزالها إلى الواقع المعاش، لتصبح علامة فارقة في ثقافتنا الأخلاقية، ونسيجا أخلاقيا جامعا لمن آمن بالله ربا وبمحمد نبيا، وبالقرآن كتابا علويا مقدسا، وعنوان يدل علينا في حِلنا وترحالنا.
ونعتذر سلفاً عن تدوين أرقام الآيات أو السور التي وردت فيها الآية، حيث طبيعة الموضوع تقتضي الإشارة إلى القيمة الأخلاقية موضع الشاهد، فمن الأوامر الواردة في الكتاب الكريم وبأكثر من موضع هو الأمر الملخص بكلمة «اعدلوا» ولأهمية هذه القيمة على الفرد والمجتمع نلحظ التشديد القرآني عليها، ففيها يكمن السلم الأهلي، ومعها تغيب كثير من السلبيات، ومن خلالها تسكن النفوس وتطمئن.
ومن معالم شخصيتنا التي أرادها الله لنا هي الواردة في الأمر الإلهي (ولا تعتدوا) وبين هذه القيمة العظيمة مع قيمة العدل آنفة الذكر تكامل وتعاضد، ما يجعل الشخصية المسلمة ذات طابع خاص متميز بين الناس، وزيادة في التنفير من الاعتداء جعل الله تعالى من نفسه العلية طرفاً في الموضوع، حين أعلن سبحانه وتعالى بأنه لا يحب المعتدين، هذه الآية (إنه لا يحب المعتدين) جديرة بالوقوف عليها وجدانياً وتأملها، وطرح التساؤل التالي على النفس: من يطيق كراهية الله له، لأنه معتدٍ أثيم؟!
والتكامل والترابط بين القيم يتجلى أكثر حينما نسمع قول الله تعالى: (ولا تعثوا في الأرض مفسدين) فلا يخفى على أحد تلك العلاقة العضوية بين العدل وعدم الاعتداء وعدم الإفساد في الأرض، فتلك بمجموعها تزيد شخصية المسلم تمايزا وتفردا.
ويستمر القرآن الكريم في تشكيل الشخصية المسلمة على أحسن حال وأكمل وجه، حين يوجه النفوس إلى قيمة كفيلة بنشر السلام والأمن والطمأنينة بين الناس، وتلك القيمة منصوص عليها بقوله تعالى: (ولا تلبسوا الحق بالباطل) فالحياة مع هذه القيمة الرفيعة تصبح موطن الراحة، ولا ننسى التكامل بين هذه القيمة والقيم الثلاث التي سبقتها.
والريشة القرآنية ماضية برسم ملامح الشخصية المسلمة كما يريدها ربنا أن تكون، فيأتي التوجيه الرباني الصارم في أحلك اللحظات وأصعبها ليأمرنا بقيمة ذات شأن رفيع: (وإذا جنحوا للسلم فاجنح لها) اجنح بلا إبطاء ولا تردد، لأن الغاية ليس القتال وما كانت يوماً كذلك، ويأتي التوجيه الرباني مكملاً لهذا الجنوح، وبصيغة الجمع (وادخلوا في السلم كافة)، فدواعي القتال جلية في سورة الممتحنة وهي: القتال في الدين والإخراج من الديار، والمظاهرة على المسلمين، فتلك هي موجبات القتال، لدفع الضرر، فانتفاء هذه الموجبات انتفاء للقتال بالضرورة.
هذه الطائفة من القيم هي غيض من فيض، سنعرض لبعض القيم الأخرى في المقال القادم، لتكتمل الصورة النقية البهية التي رسمها الكتاب الكريم للمسلم، وهي صورة أزلية لأن ملامحها نابعة من أصل الأصول الذي لا يتغير ولا يتحول، ولا يجري عليه تبديل أو نسخ.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك