العدد : ١٧٠٤٦ - السبت ٢٣ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢١ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٦ - السبت ٢٣ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢١ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

الأمة.. بين الهدم والتعمير!

بقلم: عبدالرحمن علي البنفلاح

الأحد ٠٩ أبريل ٢٠٢٣ - 02:00

لماذا‭ ‬خلق‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الحياة‭ ‬الدنيا،‭ ‬وهو‭ ‬سبحانه‭ ‬يعلم‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬الممكن‭ ‬أن‭ ‬يفسد‭ ‬في‭ ‬الأرض،‭ ‬ويسفك‭ ‬الدماء،‭ ‬أو‭ ‬بمعنى‭ ‬أصح‭ ‬بيده‭ ‬التدمير،‭ ‬وبيده‭ ‬التعمير،‭ ‬وهذا‭ ‬السؤال‭ ‬قد‭ ‬يشعرنا‭ ‬بالحرج‭ ‬حين‭ ‬نطرحه‭ ‬على‭ ‬أنفسنا‭ ‬فما‭ ‬بالكم‭ ‬حين‭ ‬علا‭ ‬به‭ ‬صوتنا،‭ ‬لأن‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬لا‭ ‬يُسْأل‭ ‬عما‭ ‬يفعل‭ ‬وهم‭ ‬يُسْألون،‭ ‬يقول‭ ‬تعالى‭: (‬وقفوهم‭ ‬إنهم‭ ‬مسؤولون‭) ‬الصافات‭ / ‬22‭. ‬ولقد‭ ‬سأل‭ ‬الملائكة‭ ‬ربهم‭ ‬حين‭ ‬قال‭ ‬لهم‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭: (‬وإذ‭ ‬قال‭ ‬ربك‭ ‬للملائكة‭ ‬إني‭ ‬جاعلٌ‭ ‬في‭ ‬الأرض‭ ‬خليفة‭ ‬قالوا‭ ‬أتجعل‭ ‬فيها‭ ‬من‭ ‬يفسد‭ ‬فيها‭ ‬ويسفك‭ ‬الدماء‭ ‬ونحن‭ ‬نسبح‭ ‬بحمدك‭ ‬ونقدس‭ ‬لك‭ ‬قال‭ ‬إني‭ ‬أعلم‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬تعلمون‭) ‬البقرة‭ / ‬30‭.‬

لم‭ ‬يحرم‭ ‬الحق‭ ‬سبحانه‭ ‬عليهم‭ ‬السؤال،‭ ‬ولم‭ ‬يستنكر‭ ‬عليهم‭ ‬أن‭ ‬يسألوا‭ ‬ما‭ ‬ليس‭ ‬لهم‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬علم،‭ ‬بل‭ ‬على‭ ‬العكس‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬أراد‭ ‬أن‭ ‬يجيب‭ ‬عن‭ ‬أسئلة‭ ‬يتحرج‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الناس‭ ‬في‭ ‬التعرض‭ ‬لها،‭ ‬فجعلها‭ ‬تأتي‭ ‬على‭ ‬ألسنة‭ ‬الملائكة‭.‬

ومن‭ ‬الأسئلة‭ ‬التي‭ ‬انشغل‭ ‬بها‭ ‬المسلمون‭ ‬سؤال‭: ‬نزول‭ ‬العذاب‭ ‬بأمة‭ ‬وفيها‭ ‬أناس‭ ‬صالحون‭ ‬أجاب‭ ‬عنه‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ (‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭) ‬في‭ ‬رؤيا‭ ‬رآها،‭ ‬عن‭ ‬أم‭ ‬المؤمنين‭ ‬زينب‭ ‬قالت‭: ‬‮«‬استيقظ‭ ‬النبي‭ (‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬سلم‭) ‬من‭ ‬النوم‭ ‬محمرًا‭ ‬وجهه‭ ‬يقول‭: ‬لا‭ ‬إله‭ ‬إلا‭ ‬الله،‭ ‬ويل‭ ‬للعرب‭ ‬من‭ ‬شرٍ‭ ‬قد‭ ‬اقترب‭ ‬فتح‭ ‬اليوم‭ ‬من‭ ‬ردم‭ ‬يأجوج‭ ‬ومأجوج‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬وعقد‭ ‬سفيان‭: ‬تسعين‭ ‬أو‭ ‬مئة‭ ‬قيل‭: ‬أنهلك‭ ‬وفينا‭ ‬الصالحون؟‭ ‬قال‭: ‬نعم‭ ‬إذا‭ ‬كثر‭ ‬الخبث‮»‬‭ ‬رواه‭ ‬الإمام‭ ‬البخاري‭ ‬في‭ ‬صحيحه‭.‬

وها‭ ‬نحن‭ ‬نعيش‭ ‬ما‭ ‬حذرنا‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ (‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭) ‬منه،‭ ‬ولقد‭ ‬سبق‭ ‬للقرآن‭ ‬أن‭ ‬حذرنا‭ ‬منه‭ ‬في‭ ‬قوله‭ ‬تعالى‭: (‬ظهر‭ ‬الفساد‭ ‬في‭ ‬البر‭ ‬والبحر‭ ‬بما‭ ‬كسبت‭ ‬أيدي‭ ‬الناس‭ ‬ليذيقهم‭ ‬بعض‭ ‬الذي‭ ‬عملوا‭ ‬لعلهم‭ ‬يرجعون‭) ‬الروم‭ / ‬41‭. ‬

ومعنى‭ ‬‮«‬ظهر‭ ‬الفساد‮»‬‭ ‬أي‭ ‬أن‭ ‬العصاة‭ ‬قد‭ ‬تجرؤوا‭ ‬على‭ ‬أوامر‭ ‬الله‭ ‬تعالى،‭ ‬ولم‭ ‬يجدوا‭ ‬من‭ ‬يستنكر‭ ‬عليهم‭ ‬فضلًا‭ ‬عمن‭ ‬يردعهم،‭ ‬وكما‭ ‬أن‭ ‬الدال‭ ‬على‭ ‬الخير،‭ ‬وهم‭ ‬في‭ ‬الأجر‭ ‬سواء،‭ ‬فكذلك‭ ‬الدال‭ ‬على‭ ‬الشر،‭ ‬المعين‭ ‬عليه‭ ‬يناله‭ ‬من‭ ‬العقوبة‭ ‬مثل‭ ‬ما‭ ‬ينال‭ ‬الفاعل‭ ‬الذي‭ ‬عصى‭. ‬والأمة‭ ‬بيدها،‭ ‬وبإرادتها‭ ‬البناء‭ ‬والتعمير،‭ ‬وأيضًا‭ ‬هي‭ ‬قادرة‭ ‬بإرادتها‭ ‬على‭ ‬الهدم‭ ‬والتدمير،‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬أكدته‭ ‬الآية‭ ‬الكريمة‭ ‬41‭ ‬من‭ ‬سورة‭ ‬الروم‭. ‬

ومن‭ ‬مقتضى‭ ‬العدل‭ ‬الإلهي‭ ‬أن‭ ‬الحق‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭ ‬لن‭ ‬يعاقب‭ ‬الناس‭ ‬على‭ ‬جرم‭ ‬لم‭ ‬يرتكبوه،‭ ‬أو‭ ‬فعل‭ ‬سيئ‭ ‬نهوا‭ ‬عنه،‭ ‬فخالفوا‭ ‬أوامر‭ ‬الله‭ ‬ونواهيه،‭ ‬قال‭ ‬صلوات‭ ‬ربي‭ ‬وسلامه‭ ‬عليه‭: ‬‮«‬كل‭ ‬أمتي‭ ‬معافى‭ ‬إلا‭ ‬المجاهرين،‭ ‬وإن‭ ‬من‭ ‬المجاهرة‭ ‬أن‭ ‬يعمل‭ ‬الرجل‭ ‬بالليل‭ ‬عملًا،‭ ‬ثم‭ ‬يصبح‭ ‬وقد‭ ‬ستره‭ ‬الله‭ ‬عليه،‭ ‬فيقول‭: ‬يا‭ ‬فلان،‭ ‬قد‭ ‬عملت‭ ‬البارحة‭ ‬كذا‭ ‬وكذا،‭ ‬وقد‭ ‬بات‭ ‬يستره‭ ‬ربه،‭ ‬ويصبح‭ ‬يكشف‭ ‬ستر‭ ‬الله‭ ‬عنه‮»‬‭ ‬رواه‭ ‬الإمام‭ ‬البخاري‭ ‬في‭ ‬صحيحه‭.‬

إذًا،‭ ‬فمن‭ ‬رحمة‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬أنه‭ ‬سبحانه‭ ‬لا‭ ‬يكشف‭ ‬ستر‭ ‬العصاة‭ ‬إذا‭ ‬لم‭ ‬يفضحوا‭ ‬سترهم‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬يبادروا‭ ‬هم‭ ‬بكشفه،‭ ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬رجاء‭ ‬قبول‭ ‬توبة‭ ‬التائب‭ ‬بدليل‭ ‬قوله‭ ‬تعالى‭: (‬ظهر‭ ‬الفساد‭ ‬في‭ ‬البر‭ ‬والبحر‭ ‬بما‭ ‬كسبت‭ ‬أيدي‭ ‬الناس‭ ‬ليذيقهم‭ ‬بعض‭ ‬الذي‭ ‬عملوا‭ ‬لعلهم‭ ‬يرجعون‭) ‬الروم‭ / ‬41‭. ‬والوعيد‭ ‬بإذاقة‭ ‬العصاة‭ ‬بعض‭ ‬العذاب،‭ ‬فيه‭ ‬رجاء‭ ‬قبول‭ ‬التوبة،‭ ‬ولو‭ ‬أنزل‭ ‬بهم‭ ‬العذاب‭ ‬كله‭ ‬لما‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬رجاء‭ ‬في‭ ‬قبول‭ ‬التائبين‭ ‬إذا‭ ‬تابوا،‭ ‬وأنابوا‭ ‬وهذا‭ ‬من‭ ‬لطف‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬بعباده،‭ ‬ورحمته‭ ‬بهم،‭ ‬وكم‭ ‬هي‭ ‬رحمة‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬الواسعة‭ ‬حين‭ ‬يقول‭ ‬سبحانه‭: (‬قل‭ ‬يا‭ ‬عبادي‭ ‬الذين‭ ‬أسرفوا‭ ‬على‭ ‬أنفسهم‭ ‬لا‭ ‬تقنطوا‭ ‬من‭ ‬رحمة‭ ‬الله‭ ‬إن‭ ‬الله‭ ‬يغفر‭ ‬الذنوب‭ ‬جميعًا‭ ‬إنه‭ ‬هو‭ ‬الغفور‭ ‬الرحيم‭) ‬الزمر‭ / ‬53‭.‬

وخَتْم‭ ‬الآية‭ ‬الجليلة‭ ‬بقوله‭ ‬تعالى‭: (‬إنه‭ ‬هو‭ ‬الغفور‭ ‬الرحيم‭) ‬آية‭ ‬كريمة‭ ‬مضمخة‭ ‬بالرجاء،‭ ‬بل‭ ‬وبعظيم‭ ‬الرجاء،‭ ‬وفيها‭ ‬تأكيد‭ ‬لهذا‭ ‬الرجاء‭ ‬في‭ ‬المغفرة،‭ ‬وقبول‭ ‬التوبة،‭ ‬وأن‭ ‬على‭ ‬المؤمن‭ ‬ألا‭ ‬يبالغ‭ ‬في‭ ‬اليأس‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬القنوط‭ ‬من‭ ‬رحمة‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭.‬

إذًا،‭ ‬فكما‭ ‬أن‭ ‬الهدم‭ ‬والتدمير‭ ‬بيد‭ ‬العبد‭ ‬وإرادته،‭ ‬وأنه‭ ‬لن‭ ‬يحاسب‭ ‬على‭ ‬فعل‭ ‬خارج‭ ‬إرادته،‭ ‬فكذلك‭ ‬البناء‭ ‬والتعمير‭ ‬بيده‭ ‬وبإرادته،‭ ‬ولن‭ ‬ينفعه‭ ‬أن‭ ‬يلقي‭ ‬باللوم‭ ‬على‭ ‬الشيطان‭ ‬يوم‭ ‬القيامة،‭ ‬لأن‭ ‬الشيطان‭ ‬وباعترافه‭ ‬ليس‭ ‬له‭ ‬سلطان‭ ‬على‭ ‬أحدٍ‭ ‬من‭ ‬العباد،‭ ‬قال‭ ‬تعالى‭: (‬وقال‭ ‬الشيطان‭ ‬لما‭ ‬قضي‭ ‬الأمر‭ ‬إن‭ ‬الله‭ ‬وعدكم‭ ‬وعد‭ ‬الحق‭ ‬ووعدتكم‭ ‬فأخلفتكم‭ ‬وما‭ ‬كان‭ ‬لي‭ ‬عليكم‭ ‬من‭ ‬سلطان‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬دعوتكم‭ ‬فاستجبتم‭ ‬لي‭ ‬فلا‭ ‬تلوموني‭ ‬ولوموا‭ ‬أنفسكم‭ ‬ما‭ ‬أنا‭ ‬بمصرخكم‭ ‬وما‭ ‬أنتم‭ ‬بمصرخي‭ ‬إني‭ ‬كفرت‭ ‬بما‭ ‬أشركتمون‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬إن‭ ‬الظالمين‭ ‬لهم‭ ‬عذاب‭ ‬أليم‭) ‬إبراهيم‭ / ‬22‭. ‬

إذًا،‭ ‬فالأمة‭ ‬بيدها،‭ ‬وبإرادتها‭ ‬البناء‭ ‬والتعمير،‭ ‬وكذلك‭ ‬بيدها‭ ‬وبإرادتها‭ ‬الهدم‭ ‬والتدمير،‭ ‬وعليها‭ ‬أن‭ ‬تختار‭ ‬بينهما،‭ ‬وعلى‭ ‬هذا‭ ‬الاختيار‭ ‬يتوقف‭ ‬مصيرها،‭ ‬وتنهض‭ ‬حضارتها‭ ‬أو‭ ‬تنهار‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا