نشرتْ منظمة غير ربحية وغير حكومية نالت جائزة نوبل لجهودها في التوعية نحو التخلص من الأسلحة النووية، وهي منظمة «الدعم النرويجي الشعبي» (Norwegian People’s Aid) إصدارها الأخير في 29 مارس 2023 حول حالة امتلاك دول العالم للأسلحة والرؤوس النووية من حيث الأعداد والنوعية.
وجاء هذا التقرير الجديد المنشور بالتعاون مع «اتحاد علماء أمريكا» (Federation of American Scientists) تحت عنوان: «مراقبة حظر الأسلحة النووية لعام 2022» (Nuclear Weapons Ban Monitor). وقد توصل التقرير إلى عدة استنتاجات مهمة جداً لما لها من مدلولات على ضعف قدرة وفاعلية النظام الدولي، المتمثل في معاهدات واتفاقيات الأمم المتحدة على الحد من التسلح النووي في دول العالم ومنع انتشاره.
أما الاستنتاج الأول فهو ارتفاع أعداد الرؤوس النووية الجاهزة للاستخدام في الدول النووية التسع المعروفة بامتلاكها للسلاح الذري، وهي الولايات المتحدة الأمريكية، وروسيا، والصين، وبريطانيا، وفرنسا، والهند، وباكستان، والكيان الصهيوني، وكوريا الشمالية، حيث زاد من 9440 رأسا نوويا في عام 2021 إلى 9576 رأساً نووياً، أي ارتفع عددياً 136 رأساً نووياً. وقد عزت الدراسة السبب في هذا الارتفاع الكبير هو الغزو الروسي لأوكرانيا وتهديدات الرئيس الروسي بوتين باستخدام الأسلحة النووية إذا تَهَدد وجودها بالخطر، إضافة إلى إعلان بوتين في 18 مارس 2023 اتفاقه مع بيلاروسيا (Belarus) لوضع وتدشين أسلحة نووية تكتيكية في بيلاروسيا.
والاستنتاج الثاني فهو يصب في «نوعية» السلاح وليس «العدد»، أي القوة التدميرية الشاملة لهذه الأسلحة والرؤوس النووية والتي تساوي مجموعها أكبر وأشد من قوة 135 ألف قنبلة ذرية كالتي ألقتها الولايات المتحدة الأمريكية أثناء الحرب العالمية الثانية في السادس من شهر أغسطس عام 1945 على مدينة هيروشيما اليابانية.
وأما الاستنتاج الثالث فيفيد إلى أن هذه الزيادة في أعداد الأسلحة النووية بمختلف أنواعها وشدتها وقدرتها التخريبية والتدميرية مستمرة منذ عام 2017، وهذه الزيادة ليست عددية فقط، أي ليست زيادة في أعداد الأسلحة النووية وإنما زيادة وارتفاع شديد ومهول في نوعية هذه الأسلحة وقدرتها وقوتها على التدمير الشامل للبشر والشجر والحجر لمساحات واسعة من الكرة الأرضية. ولكن في المقابل فإن المخزون الكلي من الأسلحة النووية، والتي تشمل الأسلحة النووية البالية خارج الخدمة فهو في الانخفاض بشكلٍ مستمر من 12705 إلى قرابة 12512 في يناير 2023. وهذا الانخفاض العددي لا يمثل بعداً إيجابياً، أو مؤشراً مبشراً ومشجعاً على خفض التسلح النووي، أو التقليل من انتشاره حول العالم، وإنما هو بسبب التخلص الطبيعي من الرؤوس النووية القديمة التي انتهت صلاحيتها ومدتها وأصبحت من الجيل القديم التي لا جدوى ولا فائدة كلياً من امتلاكها وحيازتها، وبخاصة في أمريكا وروسيا، بل وإن امتلاكها يُشكل عبئاً مالياً، وتقنياً، وأمنياً كبيراً. وبالرغم من ذلك، فهناك اعتقاد بأن دولاً أخرى تزيد من عدد أسلحتها النووية ومخزونها النووي مثل الصين، وباكستان، والهند، وكوريا الشمالية، والكيان الصهيوني، كما يقوم البعض من هذه الدول علنياً باختبار وتطوير برنامجها النووي العسكري عبر إجراء تجارب صاروخية باليستية بعيدة المدى وتحمل رؤوساً نووية، مثل الصين وكوريا الشمالية وغيرهما.
وفي تقديري واستناداً إلى الاستنتاجات التي تمخضت عن هذا التقرير أستطيع أن أؤكد الفشل الذريع للأمم المتحدة متمثلة في آلية وأداة المعاهدات النووية واتفاقيات حظر السلاح النووي ومنع انتشاره في منع دول جديدة من امتلاك السلاح النووي، غير الدول النووية الخمس الكبرى، أو المعروفة بالنادي النووي، وهي الولايات المتحدة الأمريكية، وفرنسا، وروسيا، وبريطانيا، والصين، إضافة إلى فشل معاهدات الأمم المتحدة النووية في منع الدول من تحديث وزيادة امتلاكها للأسلحة من الجيل الجديد من ناحية وتطوير أسلحة حديثة ومتقدمة جداً أشد فتكاً وتنكيلاً بالبشرية وكوكبنا من ناحية أخرى، مثل التحول من تقنية الانشطار النووي إلى تقنية الاندماج النووي.
فهناك عدة معاهدات تحت مظلة الأمم المتحدة تهدف نظرياً وعلى الورق إلى منع ونزع الأسلحة النووية، من أَقْدمُها معاهدة عام 1968، وهي «معاهدة حظر الأسلحة النووية» (Non-Proliferation of Nuclear Weapons (NPT)). وهذه المعاهدة في حد ذاتها متحيزة للدول النووية الكبرى الخمس، ولا غرابة في ذلك فهي التي قامت بصياغة بنودها لكي تكون متوافقة مع مصالحها، ولذلك فإن هذه المعاهدة تجعل السلاح النووي فقط بيد أعضاء النادي النووي، فلا يسمح لأعضاء جدد من الدخول في هذا النادي النخبوي الخاص، فهي بذلك تسمح لها فقط بامتلاك الأسلحة النووية التي كانت بحوزتها وقامت باختبارها قبل أن تدخل المعاهدة حيز التنفيذ، أي أن هذه المعاهدة تعترف بامتلاك هذه الدول لأسلحة الدمار الشامل الذرية، وتقول لهم لا تثريب عليكم، ورُفع عنكم التكليف، وعفا الله عما سلف، ولكنها في الوقت نفسه تضع بنوداً وقيوداً مغلظة وتعجيزية للدول الأخرى جمعاء. وبالرغم من هذه المرونة والخصوصية في التعامل مع دول النادي النووي، إلا أنها لم تلتزم بكامل بنودها، وبالتحديد أهم مادة في المعاهدة وهي المادة السادسة المتعلقة بالتفاوض حول منع ونشر الأسلحة النووية.
ولذلك قامت الأمم المتحدة بصياغة معاهدة أخرى لا تختلف كثيراً عن المعاهدة السابقة في كثير من موادها، وهي معاهدة «حظر الأسلحة النووية» لعام 2017(Prohibition of Nuclear Weapons (TPNW)). وهذه المعاهدة التي دخلت حيز التنفيذ في عام 2021، صادقت عليها 68 دولة ووقعت عليها 27 حتى الأول من أبريل 2023، وعُقد الاجتماع الأول للدول الأطراف في فيينا في الفترة 21 إلى 23 يونيو 2022. وهذه المعاهدة كسابقتها سيكون مصيرها الفشل، فالدول المعنية بالأسلحة النووية والتي تمتلكها ولديها خيوط اللعبة الدولية وتمتلك القرار الدولي، وهي تسع دول نووية معروفة، رفضت التوقيع على هذه الاتفاقية وهي مستمرة في تحديثها، وتطويرها، وإنتاجها للسلاح النووي، وأما الدول المصادقة، أو الموقعة فليست لها علاقة بالسلاح النووي، ولا ناقة لها ولا جمل بأسلحة الدمار الشامل النووية!
فسباق التسلح النووي والتقليدي لن ينتهي مهما وضعنا من معاهدات، فالدول النووية الرئيسة المعنية لا تهتم بهذه المعاهدات، فلا تتعهد بموادها، ولا تلتزم بتنفيذها، وفي الوقت نفسه فإن الإنفاق العسكري سيزيد مهما ادعت الدول، فلا تجميد ولا تخفيض لميزانية الدفاع والتسلح، وآخرها زيادة الولايات المتحدة الأمريكية للميزانية العسكرية لعام 2024 حسب ما أعلنه البيت الأبيض في مطلع شهر مارس 2023. فالميزانية الدفاعية ستكون 886 بليون دولار وهي أعلى من السنة الماضية بـ 28 بليون دولار، منها 842 بليونا لوزارة الدفاع و44 بليونا للبرامج الدفاعية في الوكالات الحكومية المعنية الأخرى، كما أن رئيس وزراء بريطانيا تعهد في الأول من أبريل 2023 بأنه سيزيد دعم الجيش بمبلغ 6 بلايين دولار خلال السنتين القادمتين.
ولذلك أصبحتُ لا أؤمن بجدوى وفاعلية معاهدات الأمم المتحدة بشكلٍ عام، فهي توسع نفوذ وقوة الدول المتقدمة والنووية وتوفر لها الغطاء الشرعي الدولي، وفي الوقت نفسه تضيق الخناق على الدول النامية والفقيرة وتحد من تطورها ونموها.
bncftpw@batelco.com.bh
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك