أصبح الاهتمام بالسياحة أحد الاتجاهات الرئيسية لدول مجلس التعاون الخليجي، في مسعاها لتنويع مصادر الدخل، وتبنت كل منها خططا وبرامج للنهوض بهذا القطاع، وخاصة أنه يُنشط العديد من الصناعات والحرف، فيما تتنوع العديد من عناصره ومقوماته، سواء السياحة الثقافية، أو الرياضية أو العلاجية أو الترفيهية أو سياحة المؤتمرات والمعارض، وفضلاً عما تجلبه السياحة للدول المضيفة من عوائد مالية، فإنها توفر الكثير من الأموال التي ينفقها مواطنوها في الخارج، إذ إن الداخل يصبح أكثر جذبًا لهم.
وبشكل ملحوظ، تصاعد الاهتمام الخليجي بصناعة السياحة في السنوات الأخيرة، حتى صار جزءًا من رؤاهم المستقبلية، وله استراتيجيته الخاصة به، كما يقع في صلب الاستراتيجية العامة للتنمية المستدامة، خاصة أنه مع نهوضه، بمقدوره استيعاب جزء كبير من عمالة الشباب، الذين يشكلون النسبة الأعلى في التركيب العمري لسكان دول مجلس التعاون الخليجي.
من جانبها، وضعت «السعودية»، النهوض بالسياحة في رؤيتها 2030، في إطار سعيها لتنويع مصادر الدخل، حيث تطمح لاستقبال 100 مليون زائر سنويًا بنهاية العقد الحالي، ومن ثمّ، أقامت على مشارف مناطقها الآثارية أماكن جاذبة للاستضافة. وفيما تستقبل سنويًا ملايين المسلمين بغرض الحج والعمرة، فقد نشطت في مجال السياحة الترفيهية. وأثناء جائحة كورونا، شهدت السياحة طفرة حين قرر السعوديون قضاء عطلاتهم داخل البلاد، بدلاً من السفر إلى الخارج، وقد عزز من ذلك تخفيف القيود الاجتماعية، كقيادة المرأة للسيارة، والسماح بالفعاليات في المناسبات كالحفلات الموسيقية والترفيهية.
ودعما لهذا التوجه، أقامت «المملكة»، العديد من المشاريع السياحية، منها منتجعات في أكثر من 20 جزيرة بالبحر الأحمر، ومشروع «نيوم»، الذي تعده المشروع السياحي الأكثر طموحًا في العالم، ومشروع بوابة الدرعية في العاصمة الرياض، ويمول هذه المشاريع صندوق الاستثمارات العامة، فيما يتولى الجانب المؤسسي «وزارة السياحة»، و«الهيئة السعودية للسياحة»، و«صندوق التنمية السياحية».
وفي الإمارات، تسهم السياحة بـ11.9% من الناتج المحلي الإجمالي، وتستهدف الدولة زيادة هذه النسبة إلى نحو 17% بحلول 2031، وتستهدف الاستراتيجية الوطنية للسياحة، جذب استثمارات سياحية جديدة بقيمة 100 مليار درهم، بعد أن توافر لقطاع السياحة بنية تحتية قوية. وتصل القدرات الاستيعابية لبعض مطارات الإمارات إلى 84 مليون مسافر سنويًا، مع وجود ست ناقلات وطنية تنقل السياح داخليًا وخارجيًا.
وباعتباره مساهمًا رئيسيًا، في تنويع الاقتصاد الوطني، ورافدًا مهمًا، في تعزيز تنافسية الإمارات على المستوى العالمي، أطلقت الدولة مشاريع ومبادرات تستهدف دعم نمو قطاع السياحة، واستقطاب السائحين من أنحاء العالم، وخلق فرص استثمارية جديدة في مجالاته، وجذب مزيد من الشركات السياحية العالمية لأسواق الدولة، وتعد نسبة الإشغال الفندقي بين الأعلى عالميًا وبلغت 77.8%، كما حلت الإمارات ضمن الـ10 الكبار عالميًا في عدد من مؤشرات التنافسية العالمية المرتبطة بالسياحة، وتستهدف استراتيجيتها للسياحة 2031، مضاعفة عدد السائحين إلى 40 مليون سائح، وإنفاقهم 450 مليار درهم في 2031.
ونتيجة لهذه الجهود، شهد قطاع السياحة الإماراتي عام 2022، انتعاشا قويا، بعد نجاح الحملة الترويجية أجمل شتاء في العالم، فاستقبلت فنادق أبوظبي أكثر من 36 مليون نزيل في الـ11 شهرا الأولى، بزيادة بنسبة 25% عن مثيلاتها في السنة السابقة، فيما ارتفعت الإيرادات الفندقية في هذه الفترة بأكثر من 27%، وارتفع أيضًا متوسط الإشغال الفندقي في دبي إلى 72.6%، بينما كان 65.8% في عام 2021.
وبالمثل، تسعى سلطنة عُمان، إلى رفع نسبة مساهمة قطاع السياحة في الناتج المحلي الإجمالي إلى 5.9% بحلول 2040، بدلاً من 3% حاليًا، فيما تسعى إلى تطوير هذا القطاع ليصبح قطاعًا اقتصاديًا واجتماعيًا مستدامًا، مستفيدة من إرثها الثقافي، وما يتمتع به شعبها من روح ضيافة تقليدية. وطبقًا لـ وزارة التراث والسياحة العمانية، فإنه بينما يوجد في هذا القطاع نحو 142 ألف فرصة عمل، فإن ما يشغله العمانيون منها لا يزيد على 15 ألف فرصة، فيما يعد هذا القطاع مجالاً جيدًا لتشغيل العمالة من الشباب، فضلاً عن دوره في تنشيط المؤسسات الصغيرة والمتوسطة.
وفي الوقت الحالي، تتجه السلطنة إلى تنشيط السياحة الترفيهية بعدد من المشروعات، مثل مشروع الشرق في المدينة الزرقاء، ومشروع منتجع النخيل، ومشروع ولاية قربات، إضافة إلى السياحة البحرية. ولتنشيط السياحة الثقافية تطرح السلطنة مناقصات لإنشاء مراكز للزوار مكتملة الخدمات في المواقع المسجلة في قائمة التراث العالمي.
أما قطر، فإنها بعد زخم المونديال تخطط لاستقطاب 6 ملايين زائر سنويًا، وهو ما كشفت عنه هيئة قطر للسياحة، بحزمة من الخطط والبرامج في إطار استراتيجية ترمي إلى تعزيز مكانة البلد كوجهة سياحية عالمية، مستهدفة أن يبلغ إسهام القطاع في الناتج المحلي الإجمالي 12% في عام 2030، بدلاً من 7% حاليًا، فضلاً عن استهداف مضاعفة عدد الزوار ثلاث مرات، وزيادة الإنفاق الداخلي للزائر من 3 إلى 4 مرات.
وفي واقع الأمر، وضع المونديال، قطر على خريطة السياحة العالمية، حيث كان بمثابة أكبر حملة ترويجية للسياحة، بعد ما تابعه الملايين حول العالم. وبعد التطور الكبير الذي شهدته البنية التحتية للقطاع قبل الحدث، فإنه من المتوقع أن تقود السياحة خطط تنويع الاقتصاد القطري خلال السنوات القادمة. وبنهاية عام 2022، بلغ عدد الغرف الفندقية 45 ألف غرفة. وللترويج للسياحة أعفت قطر مواطني أكثر من 90 دولة من تأشيرة الدخول، ومن أبرز البرامج التي أطلقتها حاليًا؛ موسم الرحلات البحرية في 15 يناير 2023، مع توقعات وصول أكثر من 100 زيارة مؤكدة لبواخر سياحية، واستقبال نحو 300 ألف زائر، وحجوزات تتجاوز 300 ليلة فندقية، وجاء اختيار الدوحة عاصمة للسياحة العربية 2023 يعزز موقعها كوجهة للسياحة في الوطن العربي.
وفيما تمكنت مملكة البحرين، من تحقيق أهداف النسخة الأولى من استراتيجية السياحة 2016 – 2019، حيث بلغت نسبة مساهمة القطاع السياحي في الناتج المحلي الإجمالي 6.8% في 2019، بعد أن كانت 4.6% في عام 2015، فإنها تسعى إلى رفع هذه النسبة إلى 11.4% عام 2026. وعليه، تسعى إلى جذب 18 سوقا جديدة، يدعمها طيران الخليج بوجهات جديدة، وتحقيق نمو في سياحة الاجتماعات والمؤتمرات والمعارض.
وخلال التسعة أشهر الأولى من عام 2022، استقبل الاقتصاد البحريني استثمارات مباشرة في قطاع السياحة بقيمة 291 مليون دولار، فيما تطمح المملكة إلى استقبال 14 مليون سائح بحلول 2026 بدلاً من 11.1 مليون سائح في 2022، كما تسعى إلى تعزيز مكانتها كمركز سياحي عالمي. وتشمل ركائز الاستراتيجية عددا من العناصر، كالعمل على الوجهات والأنشطة البحرية، وسياحة الأعمال، والسياحة الرياضية، والترفيهية، والعلاجية، والمواقع التراثية، والإعلام والأفلام السينمائية.
وفي الكويت، كشفت أزمة كورونا، عن محدودية خيارات الترفيه داخليًا، وعليه، تقوم شركة المشروعات السياحية الكويتية، المملوكة للهيئة العامة للاستثمار صندوق الثروة السيادي، بتطوير مشروعين سياحيين في جزيرة فيلكا، وموقع المدينة الترفيهية في منطقة الدوحة غرب العاصمة، بتكلفة إجمالية قد تصل إلى 1.64 مليار دولار. وتبلغ مساحة مشروع جزيرة فيلكا، كيلومترين مربعين، والمدينة الترفيهية 2.6كم مربع، فيما يشكو كثير من الكويتيين أن بلادهم بوجه عام قد خلت بشكل كبير من تجديد أو تطوير المرافق السياحية، ومن ثم محدودية خيارات الترفيه، فيما يلجأ كثير منهم في العطلات وموسم الصيف إلى السفر الخارجي؛ بحثًا عن الأماكن الترفيهية، وأصبحت وجهات كدبي والبحرين والسعودية وقطر وجهات تقليدية لهم.
ومع الاهتمام الكبير لكل دول مجلس التعاون الخليجي بالقطاع السياحي، فإن مما يدعم تنميته بقوة؛ تحقيق التكامل السياحي في المنظومة الخليجية، كمجال واسع للتعاون المشترك، استفادةً من التواصل الجغرافي والسكاني والثقافي بينها، وطول شواطئها وتعددها، وتنوع الإمكانات والمقومات السياحية في كل منها، ولتكون المنظومة وجهة واحدة للقادمين من خارجها.
ولا تعد فكرة التكامل السياحي، بين دول مجلس التعاون، فكرة جديدة، حيث تعمل عليها اللجنة الوزارية للسياحة بين دول المجلس، والتي كان اجتماعها السادس في نوفمبر 2022. وفي عام 2006 استضافت المنامة، ملتقى السياحة والاستثمار الخليجي، وسط دعوات للتنسيق بين القطاعين العام والخاص بدول المجلس في مجال الاستثمار السياحي. وفي هذا الملتقى دعا رئيس غرفة تجارة وصناعة البحرين، إلى إنشاء شركة مساهمة عامة خليجية تعنى بالشأن السياحي في دول الخليج، وتوجيه الاستثمار السياحي إلى التكامل، كما دعا إلى تشجيع السياحة البينية، عبر إقامة مركز خليجي للترويج السياحي، فيما انبثق عن اتحاد غرف دول مجلس التعاون لجنة السياحة الخليجية.
وبالفعل، انعكس اهتمام الأمانة العامة، للمجلس بفكرة التكامل السياحي الخليجي على إنشائها إدارة للسياحة، جعلت على رأس اهتماماتها التأشيرة السياحية الخليجية الموحدة، التي تعزز كثيرًا إسهامات السياحة في كل بلد. وتشير الإحصاءات إلى أن دول مجلس التعاون قد استقبلت ما يقرب من 21 مليون سائح في عام 2021 بنسبة 4.7% من إجمالي السياح عالميًّا، وأن قطاع السياحة على المستوى الخليجي يشغل ما يقرب من 9.8% من إجمالي الوظائف، وأنه أسهم في الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 6.6%.
وكان الاجتماع السادس لوزراء السياحة لدول المجلس في نوفمبر2022، قد ناقش النسخة النهائية للاستراتيجية الخليجية للسياحة (2023–2030)، فيما أوصى باعتماد الدليل الإرشادي للسياحة بدول المجلس، وهو الدليل الذي قامت وزارة السياحة البحرينية، بإعداده. ومثّل هذا الاجتماع نقطة انطلاق جديدة نحو شراكة استراتيجية بعيدة المدى، تعزز من تضافر جهود دول المجلس لقيادة القطاع إلى مصاف العالمية.
وفي دورته الـ 43، بالرياض، اعتمد المجلس الأعلى، لمجلس التعاون الخليجي، الاستراتيجية الخليجية للسياحة 2023–2030. وفي مارس 2023، ناقشت لجنة الاستراتيجية في اجتماعها الأول الخطة التنفيذية لهذه الاستراتيجية، وخطة عمل لاختيار وتنفيذ المبادرات. وتشمل ركائز هذه الاستراتيجية: (الترويج للسياحة الخليجية، جذب الاستثمارات، تفعيل دور القطاع الخاص، تطوير العروض والبرامج)، فيما شهد آخر عام 2022، إطلاق منصة إحصاءات السياحة الخليجية لمواكبة التحول الرقمي للقطاع، كما تعد مصدرا مهما للمعلومات لزوار دول المنطقة، وتتضمن الاستراتيجية اختيار مدينة كل عام لتصبح عاصمة للسياحة الخليجية.
وفيما يتمتع مواطنو دول مجلس التعاون بالمساواة في المعاملة من حيث الإقامة والتنقل بين الدول الأعضاء، الذي يتم بالبطاقة الذكية الموحدة التي أصدرتها جميع الدول، فإنه في إطار مساعي السعودية إلى تشجيع قطاع السياحة، غدت تسمح لجميع المقيمين في دول الخليج بالحصول على تأشيرة الزيارة بغرض السياحة إلكترونيًا. وخلال عام 2020، كان مقدرًا أن يتم تطبيق التأشيرة السياحية الموحدة، لكن تفشي جائحة كورونا، وإجراءات غلق الحدود وقيود السفر حالت دون ذلك.
وتحقيقا لهذه الغاية، اتجهت السعودية، والإمارات، لإصدار تأشيرة مشتركة تهدف إلى تمكين زوار إحداهما من زيارة الأخرى والعكس، من خلال مجلس التنسيق السعودي الإماراتي، في 2019. فيما تم أيضًا الاتفاق بين وزارتي السياحة في كل من السعودية، والبحرين، أن تكون البلدان وجهة سياحية واحدة، وكانت الأخيرة قد أطلقت في عام 2022، الإقامة الذهبية لتعزيز تنافسيتها، ودعم مسارات التطوير في مختلف القطاعات الإنتاجية والاستثمارية والخدمية واستقطاب الكفاءات، حيث فتحت الخدمة للمستفيدين الحصول على إقامة دائمة لهم وعائلتهم.
وفي إطار التكامل بين البحرين، والإمارات، ناقشت وزيرة السياحة البحرينية مع نظيرها الإماراتي، الترويج لمركز البحرين العالمي للمعارض، الذي تم تدشينه مؤخرًا، ويعد الأكبر من نوعه في الشرق الأوسط، فضلا عن إطلاق حزم سياحية مشتركة في إطار التكامل السياحي بين البلدين، والترويج المشترك للمقاصد السياحية في كل منهما لدى المشاركة في المحافل السياحية الإقليمية والدولية.
على العموم، مع بدء تنفيذ الاستراتيجية الخليجية للسياحة، وقوة الدفع الذي تلقاه من قادة دول المجلس، تأخذ مسيرة التكامل السياحي زخما جديدا، سواء لجهة الاستثمار في هذا القطاع، أو السياحة الخليجية البينية، أو السياحة القادمة من خارج المجلس، لتصبح السياحة -كما هو مرجو منها- واحدة من أهم أعمدة الاقتصاد الخليجي وتحقيق استدامة النمو.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك