(17) بنان: كما في قوله تعالى: (بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ) القيامة (4).
قال الأصفهاني: البنان: الأصابع، قيل سميت بذلك لأن بها صلاح الأحوال التي يمكن للإنسان يُبنَّ بها، يريد، أي يقيم بها، ويقال: أبنَّ بالمكان يُبنَّ (أو أقام)، ولذلك خُصَّ في قوله (بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ) القيامة (4) وقوله تعالى (فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ) الأنفال (12) خصه لأجل أنهم بها تقاتل وتدافع، والبنة: الرائحة التي تَبنَّ بما تعلق به (مفردات ألفاظ القرآن (ص 147)).
ومما أوردته المعارف العلمية الحديثة ما يدلك على أن الأصابع من أدق ما في تركيب الإنسان (ظاهريا)، حيث اكتشف أن البصمات التي تكون عليها علامة على شخصية صاحبها بذاته تميزه عن غيره من البشر السابقين والمعاصرين (واللاحقين) وقد اعتمد عليها في تحقيق الشخصية في علم الأدلة الجنائية، وهي من الإشارات (العلمية) القرآنية التي تخاطب البشر المحدثين بما وصلوا إليه من تقدم علمي بمدى الدقة التي تبلغها قدرة الله في بعث الإنسان بعد موته وإعادته بكامل تركيبه وأخص دقائقه.
ودقة الأصابع ليست في شكلها وحسب، ولكن في أداء وظائفها كذلك فلولا الهيئة التشريحية ليد الإنسان بتركيب عظامها وما يحركها لما تمكن الإنسان دون الحيوان من الأداء الدقيق الذي كانت به الكتابة والصناعة والفنون بأنواعها. وهذا المحور الفريد بين مخ الإنسان ويده هو الأساس الذي قامت عليه حضارة الإنسان، فتبارك الله أحسن الخالقين (معجم الطب، قاموس القرآن الكريم، مؤسسة الكويت للتقدم العلمي – الكويت (ط 2) (ص 53) (2005م).
(18) التراقي: كما في قوله تعالى (كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ) القيامة (26)، والتراقي جمع ترقوة وهي عظم وصل ما بين ثغرة النحر والعانق (مفردات ألفاظ القرآن – الراغب الأصفهاني (مرجع سابق) (ص 166)).
والتراقي جمع ترقوة، وهي العظمة الطويلة الموضوعة وضعا أفقيا تقريبا في الجزء الأمامي العلوي للصدر يمينا ويسارا وطرف الترقوة الوحشي (الخارجي) يتمفصل مع النتوء الإخرومي لعظم لوح الكتف، أما الطرف الإنسي (الداخلي) فيمكن حسه دائما ورؤيته غالبا، ويتمفصل مع عظم القصِّ ومع غضروف الضلع الأول، والترقوة محدبة من الأمام في ثلثيها الإنسيين مقعرة للخلف في ثلثها الوحشي، واتصال الثلث الوحشي بالثلثين الإنسيين هو أضعف مناطق الترقوة وأكثرها عرضة للكسر في الإصابات والصدمات (معجم الطب، قاموس القرآن الكريم (المرجع السابق) (ص 57)).
(19) خمط: كما في قوله تعالى: (وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ) سبأ (16).
قال الأصفهاني: (الخمْط: شجر لا شوك له، قيل: هو شجر الأراك، والخمطة: الخمرُ إذا حمضت.) (انتهى).
والخمط: أي نوع من النباتات التي تنتج ثمارا مرة لا يمكن أكلها، وذلك لشدة مرارتها أو أشجار ذوات شوك ليس له ثمار يُنتفع بها.
وقد جاء في تفسير الخمط في الآية وجوه كثيرة ويتضح من الآية الكريمة أن الخمط من النباتات التي لا ينتفع بثمارها، ولقد حرم الله سبأ (بكفرهم) نعمة الجنات وثمارها لما أعرضوا عن شكر الله، وبدلت هذه الجنات صحراء ليس بها سوى أشجار تنتج ثمارا مرة وقليل من السدر المثمر. (معجم النبات – مرجع سابق) (ص56).
من هنا نفهم أن البطر وعدم الشكر وسوء استخدام النعم من أهم عوامل زوالها.
(20) دابة الأرض: كما في قوله تعالى (فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ) سبأ (14).
ودابة الأرض هي الأرضة التي تعرف باسم النمل الأبيض، ولو أنها ليست من النمل وتجمع على أرَضَ.
والأرضة حشرات صغار الحجم تعيش في حياة اجتماعية، وتكون مستعمرات كمستعمرات النحل والنمل، تتألف من ملكة وملك وعاملات وجنود، وتقوم العاملات ببناء الأعشاش، وجلب الغذاء لسائر أفراد المستعمرة، أما الجنود فتتولى الدفاع عن المستعمرة مستعملة فكوكها القوية ومواد كيماوية سامة تفرزها ثم تطلعها عند الحاجة إليها، والعاملات في معظم الأحيان عُمي وعُقّم ولها جلد رقيق أبيض أو أصفر ومن ثم كانت تسمية الأرضة بالنمل الأبيض.
ومن أعجب الأمور أن الأرضة لا تحيا إلا على السليلوز، وهو المادة الرئيسة في الخشب وهو مادة كربوهيدراتية شديدة التعقيد، ولكن الحيوانات بعامة عاجزة عن الإفادة من السليلوز لأنها غير مزودة بالإنزيمات المحللة للسليلوز والتي تحوله إلى جلوكوز. والأرضة في بطنها أعداد هائلة من البكتيريا المحللة للسليلوز والحيوانات الأولية المحللة للسليلوز أيضا، والأرضة تقرض الخشب وتطريه ليكون صالحا لأن تفعل فيه الكائنات الدقيقة في بطنها (معجم الحيوان – قاموس القرآن (مرجع سابق) (ص 128)).
وهذه الدوبية هاجمت عصا سيدنا سليمان التي كان متكأ عليها حتى أكلتها وسقط على الأرض.
(21) زوج: كما في قوله تعالى (وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) الذاريات (49)
هذه الآية من الآيات التي جهل العلمانيون (بفتح العين) معناها وقصروها على أحد معانيها وهو الذكر والأنثى واتخذوا منها مادة لإثارة الشبه عند من لا يعلمون من المسلمين ويقولون لهم (من كل شيء زوجين) ليس كل شيء ذكر وأنثى.
قال الراغب الأصفهاني: (يقال لكل واحد من القرينين من الذكر والأنثى في الحيوانات المتزاوجة زوج، ولكل قرينين فيها وفي غيرها زوج، كالخف والنعل، ولكل ما يقترن بآخر مماثله أو مضادا زوج، قال تعالى: (فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى) القيامة (39) قال: (وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ) البقرة (35)، وزوْجَة لغة رديئة وجمعها زوجات قال الشاعر:
فبكا بناتي َشجوهن وزوجتي والأقربون ثم إلىّ تصدعوا
وقال تعالى: (احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ) الصافات (22) أي أقرانهم المقتدين بهم في أفعالهم، (لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ) الحجر(88) أي: أشباها وأقرانا، وقوله: (سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ) يس (36)، (وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْن) الذاريات (49)، فتبينه على أن الأشياء كلها مركبة من جوهر وعَرَض، ومادة وصورة، وأن لا شيء يتعرى من تركيب يقتضي كونه مصنوعا، وأنه لا بد له من صانع تنبيها أنه تعالى هو الفرد، وقوله: (خَلَقْنَا زَوْجَيْن) الذاريات (49)، فبين أن كل ما في العالم زوج من حيث أن له ضداً، أو مثلا ما أو تركيبا ما بل لا ينفك بوجه من تركيب، وقوله تعالى (أَزْوَاجًا مِنْ نَبَاتٍ شَتَّى) طه (53)، أي: أنواعا متشابهة وكذلك قوله (مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ) لقمان (10)، (ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ) الأنعام (143)، أي: أصناف، وقوله (وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً) الواقعة (7) أي: قرناء ثلاثا... (وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ) الدخان (54) أي: قرناهم بهن. (انتهى) (مفردات ألفاظ القرآن، (ص 384)).
هكذا تُرد الشبهة على الجهلاء، وهذا لا يمنع أن من النبات أزواجا ذكرا وأنثى، ومن البكتيريا أزواجا، ومن الحيوان أزواجا، ومن الفطريات أزواجا، وفي الجزيء الوراثي أزواجا، والصبغيات (الكروموسومات) أزواجا. هذا والله أعلم والحمد لله رب العالمين.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك