بقلم: عاطف الصبيحي
ما يزيد على ألف آية قرآنية تحض على الأخلاق الكريمة، وبعض الباحثين حددها بـ 1054 آية، هذه الباقة العطرة من الآيات ما جاءت إلا لتخلق لنا حياة مفعمة بالحياة، حياة إنسانية سامية، حياة نورانية، لا تدع مكسوراً إلا جبرته، ولا محروماً إلا طيبت نفسه، ولا فقيراً إلا سدت حاجته، ولا ضالاً إلا هدته إلى سواء السبيل، إلى صراط الله المستقيم، وعندما تفوق آيات الأخلاق آيات العبادة عدداً فإن ذلك دليل لا مراء فيه على أهمية الإنسان عند رب الإنسان، فبهذه الآيات خطّ له سبيل الأمن والطمأنينة، ولكن الإنسان أبى ذلك في كثير من الأحيان، فكان ما كان من شقاء وضنك.
واستكمالاً للمقالات الثلاثة السابقة نلقي الضوء في هذا المقال الأخير على طائفة من الآيات لنغطي بها مجالا آخر أو أكثر من مجالات الحياة، ففي حقل الدعوة قال سبحانه وتعالى: (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة) وبالتزامن والتكامل مع قوله تعالى: (ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك) ففي هذا التوجيه نلمح الحرص على أهمية الاجتماع وعدم الفرقة، فأرشدنا الله لما يعزز هذا الاجتماع، لما فيه من قوة ومنعة.
وحتى تكون الصورة ناصعة والخارطة جلية أرشدنا الله تعالى إلى كيفية الحديث مع الناس (وقولوا للناس حسنا) بدءاً من التحية التي أمرنا الله بالرد بأحسن منها أو ردها (وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها) والتحية هي بوابة الحديث والقول مع الناس، لم يتركها الكتاب الكريم من دون توجيه حسن، يؤلف القلوب ويرطبها، وما يتلوها من أقوال ينبغي أن تكون على منوالها، وكذلك قوله تعالى (وقولوا قولاً سديداً) لما يترتب على القول السديد من خير على الإنسان، فالقول السديد عاقبته حميدة، وفوز حري بنا أن نسعى إليه، كما في قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً يُصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً).
ومن جانب آخر أراه متكاملا مع القول الحسن والقول السديد يرشدنا ربنا سبحانه وتعالى إلى التعاون ويكرر هذا الأمر في مواقع عدة بالكتاب الكريم، ويحدد مواطن التعاون بشكل عام وللإنسان أن يجتهد ضمن هذا الإطار العام الذي أقره الكتاب الكريم، حيث يقول الله سبحانه وتعالى: (وتعانوا على البر والتقوى) حث على التعاون في جانب مفتوح وفيه باب الاجتهاد واسع، فأبواب البر كثيرة ومتشعبة، وهنا موطن التعاون، والأمر الآخر هو التحذير والنهي عن التعاون على خلاف البر والتقوى، حيث يقول الله سبحانه وتعالى (ولا تعانوا على الإثم والعدوان) أمر ونهي بهما تكتمل الصورة وتزهو، وتزهو معها حياة الناس.
يعسر على الإنسان في حيز مقال كهذا أن يفي الموضوع حقه، فذلك يحتاج إلى مزيد من التفصيل ومزيد من الشواهد القرآنية، ولكن حسبنا الإشارة إلى جوانب الإرشاد الأخلاقي القرآني الرباني السماوي النوراني لجعل الحياة حياة تليق بالتكريم الإلهي للإنسان، وكل ما أوردناه من نفحات قرآنية في المجال الأخلاقي، كلها في النتيجة النهائية تحقق لنا الحياة الطيبة، هذه الحياة التي وصفها الله سبحانه وتعالى بقوله في كلمات جامعة مانعة تشمل كل ما ذكرناه في المقالات الأربعة (من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون).
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك