بقلم: د. أحمد علي سليمان
إن قلة العمل والإنتاج الواضحة في بعض المجتمعات الإسلامية خلال شهر رمضان، لا ترجع بتاتا إلى الصيام، الذي من المفترض أن يسمو بالروح والنفس، ويرتفع بصحة الإنسان؛ حيث ينشأ عن الصيام راحة في عمل أجهزة الجسم الداخلية فيزيد نشاطها، ويحسن أداؤها بعد الانتهاء من الصوم، ولعل هذا ما حدا بعلماء الغرب بعد دراسات علمية أن يطالبوا مواطنيهم بالصيام على الطريقة الإسلامية من أربعة إلى ستة أسابيع في العام، ذلك لأنه من شأنه أن ينقي الجسم من السموم والشوائب والشوارد الحرة، ويجدد خلاياه ومن ثم يحافظ على الصحة العامة للإنسان، أما قلة العمل والتكاسل في شهر رمضان فترجع إلى خضوع الناس لتأثير وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي والسهر طوال الليل لمتابعة المسلسلات والأفلام والبرامج وغيرها، والانهماك في ملذات الطعام والشراب، فيصابون بالتخمة والكسل والتراخي وتعب الجسم.. على عكس مقاصد الصيام!!
إن خدمة الناس وقضاء مصالحهم (تطوّعاً) متعة وشعور طيب لا يستشعره إلا أصحاب النفوس الطيبة التي تتعب ليستريح الآخرون، وتسهر لينام المتعبون، وتجتهد ليفرح المكروبون، فما بالنا إذا كانت هذه المصالح والخدمات تقتضيها واجبات الوظيفة أو المهنة التي يأخذ عليها الموظف أجراً؟! وماذا لو كان ذلك في شهر الصيام الذي تعظم فيه الأجور وتتضاعف الحسنات؟!
إن من يعمل بمهنة يأخذ على عمله فيها أجرا، وبالتالي فإن عليه أن يلتزم بواجبات هذه المهنة من: مراقبة الله، ومراعاة وقت العمل، والإبداع فيه والتعامل مع حوائج الناس بكل أريحية وإقبال، وإذا كان في رمضان فمن باب أولى أن يؤدي ذلك من دون كسل أو تقاعس، أو حتى العبس في وجوه من حوله بحجّة أنه صائم.. بل الواجب على المسلم -إذا كان صائما حقا- أن يكون واسع الصدر، بسام المحيا، بشوش الوجه، إذ التعامل مع الجمهور من الأمور التي تشق على ذوي النفوس الضعيفة، لما يقتضيه من صبر وأناة وأمانة ونحو ذلك، لذا فإن القائم على هذه المهام بالوجه الذي ينبغي لا سيما في رمضان - إذا كان (صائما) حقا، أن يفرح بما قدّم ويستشعر لذّة الصيام، لأنه يراقب الله في تعامله مع الناس، وأمثال هؤلاء يكافئهم الله في الدنيا والآخرة. فضلا عما قد تصيبه من كلمة طيبة أو دعوة صادقة ممن يقوم بخدمتهم لقاء تخفيف معاناتهم أو إرشادهم إلى ما ينفعهم. بخلاف من يشق عليهم تكاسلا أو إهمالا أو عبوسا، ويدّعي أنه صائم، والصيام منه ومن تقصيره براء.
إن الشرائع عبر التاريخ الإنساني لم تعرف شعيرة ألصق بالضمير الإنساني من الصيام، لأن المقومات الذاتية لهذه الشعيرة قد جعلتها سرية وإن أدّيت في العلن، فالصوم ليس فعل شيء، بل ترك شيء أو أشياء، وكل إنسان يستطيع أن يثبت أنك مفطر، ولكن لا أحد يستطيع أن يثبت أنك صائم، كما أن الإنسان يستطيع أن يدخل في مكان مغلق ويأكل ملء بطنه ويشرب ملء فيه، ويخرج على الناس قائلا ما أشدّ الصيام في هذا اليوم!!. ولكنها المراقبة لله عزّ وجلّ.. وتلك المراقبة أيضا يجب أن تكون الدافع لإخلاصه وطاعته لله في كل شيء، ومراعاة مصالح العباد والبلاد، وليس في الصيام وحسب.. اللهم وفقنا لكل خير ووفق الخير ليكون معنا وفي حياتنا وفي قلوبنا على الدوام.
عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك