العدد : ١٧٠٤٦ - السبت ٢٣ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢١ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٦ - السبت ٢٣ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢١ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

صفحات من أوراق جدي الصفراء .. الأصمعي وسارق الرمان

بقلم: د. زكريا الخنجي

الأحد ١٦ أبريل ٢٠٢٣ - 02:00

في‭ ‬صندوق‭ ‬جدي‭ ‬المعدني‭ ‬هناك‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأوراق‭ ‬الصفراء،‭ ‬وكثير‭ ‬منها‭ ‬مكتوب‭ ‬فيها‭ ‬قصص‭ ‬ظريفة‭ ‬ومفيدة،‭ ‬ومن‭ ‬تلك‭ ‬الحكايات‭ ‬قصة‭ ‬الأصمعي‭ ‬وسارق‭ ‬الرمان،‭ ‬ترى‭ ‬ماذا‭ ‬تقول‭ ‬الحكاية؟‭ ‬ولكن‭ ‬قبل‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬هو‭ ‬الأصمعي؟

الأصمعي‭ ‬هو‭ ‬عبدالملك‭ ‬بن‭ ‬قريب‭ ‬بن‭ ‬عبد‭ ‬الملك‭ ‬بن‭ ‬علي‭ ‬بن‭ ‬أصمع‮ ‬الباهلي‭ ‬البصري،‭ ‬يُقدر‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬مواليد‭ ‬البصرة‭ ‬في‭ ‬حوالي‭ ‬عام‭ ‬123‭ ‬هجرية‭ (‬741‭ ‬ميلادية‭) ‬وتوفي‭ ‬حوالي‭ ‬216‭ ‬هجرية‭ (‬831‭ ‬ميلادية‭)‬،‭ ‬وهو‭ ‬من‭ ‬راوية‭ ‬العرب،‭ ‬وأحد‭ ‬أئمة‭ ‬العلم‭ ‬باللغة‭ ‬والشعر‭ ‬والبلدان‭. ‬وهو‭ ‬من‭ ‬مواليد‭ ‬البصرة‭ ‬وتوفي‭ ‬فيها،‭ ‬وكان‭ ‬كثير‭ ‬التطواف‭ ‬في‭ ‬البوادي،‭ ‬يقتبس‭ ‬علومها‭ ‬ويتلقى‭ ‬أخبارها،‭ ‬ويتحف‭ ‬بها‭ ‬الخلفاء،‭ ‬فيكافأ‭ ‬عليها‭ ‬بالعطايا‭ ‬الوافرة‭. ‬أخباره‭ ‬كثيرة‭ ‬جدًا،‭ ‬ويقال‭ ‬إن‭ ‬الرشيد‭ ‬كان‭ ‬يطلق‭ ‬عليه‭ (‬شيطان‭ ‬الشعر‭). ‬قال الأخفش‭: ‬‮«‬ما‭ ‬رأينا‭ ‬أحدًا‭ ‬أعلم‭ ‬بالشعر‭ ‬من‭ ‬الأصمعي‮»‬،‭ ‬وبالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬الأصمعي‭ ‬رائدًا‭ ‬في‭ ‬العلوم‭ ‬الطبيعية‭ ‬وعلم‭ ‬الحيوان،‭ ‬وخاصة‭ ‬تصنيف‭ ‬الحيوان‭ ‬وتشريحها،‭ ‬وذلك‭ ‬بسبب‭ ‬معرفته‭ ‬بالمفردات‭ ‬العربية‭ ‬والبحث‭ ‬عن‭ ‬المصطلحات‭ ‬الأصلية‭ ‬التي‭ ‬يستخدمها‭ ‬العرب‭ ‬للحيوانات‭.‬

والآن‭ ‬لنعد‭ ‬إلى‭ ‬أوراق‭ ‬جدي‭ ‬الصفراء‭ ‬وحكاية‭ ‬الأصمعي‭ ‬وسارق‭ ‬الرمان‭.‬

تقول‭ ‬الحكاية‭ ‬إن‭ ‬الأصمعي‭ ‬شاهد‭ ‬ذات‭ ‬يوم‭ ‬وهو‭ ‬يسير‭ ‬في‭ ‬شوارع‭ ‬البصرة‭ ‬جارية‭ ‬تحمل‭ ‬رمانًا‭ ‬فوق‭ ‬رأسها‭ ‬في‭ ‬وعاء‭. ‬فتسلل‭ ‬إليها‭ ‬رجل‭ ‬فأخذ‭ ‬رمانة‭ ‬منها‭ ‬خلسة،‭ ‬وهي‭ ‬لا‭ ‬تشعر،‭ ‬فقام‭ ‬الأصمعي‭ ‬فتبعه‭ ‬حتى‭ ‬مر‭ ‬الرجل‭ ‬بمسكين‭ ‬فأعطاه‭ ‬الرمانة‭.‬

فتعجب‭ ‬الأصمعي‭ ‬من‭ ‬فعل‭ ‬الرجل،‭ ‬فمسكه‭ ‬وقال‭ ‬له‭: ‬عجبا‭ ‬لك‭ ‬سرقتها،‭ ‬فظننتك‭ ‬جائعًا،‭ ‬أما‭ ‬أن‭ ‬تسرقها‭ ‬وتتصدق‭ ‬بها‭ ‬على‭ ‬مسكين،‭ ‬فهذا‭ ‬أعجب‭.‬

فقال‭ ‬السارق‭: ‬لا‭ ‬يا‭ ‬هذا،‭ ‬أنا‭ ‬أتاجر‭ ‬مع‭ ‬ربي‭.‬

فرد‭ ‬الأصمعي‭ ‬مستنكرًا‭: ‬تتاجر‭ ‬مع‭ ‬ربك،‭ ‬كيف‭ ‬ذلك؟‭ ‬

فقال‭ ‬الرجل‭: ‬سرقتها‭ ‬فكتبت‭ ‬عليّ‭ ‬سيئة‭ ‬واحدة،‭ ‬وتصدقت‭ ‬بها‭ ‬فكتبت‭ ‬لي‭ ‬عشر‭ ‬حسنات،‭ ‬فبقي‭ ‬لي‭ ‬عند‭ ‬ربي‭ ‬تسع‭ ‬حسنات،‭ ‬فإذن‭ ‬أنا‭ ‬أتاجر‭ ‬مع‭ ‬ربي‭.‬

فقال‭ ‬له‭ ‬الاصمعي‭: ‬سرقتها‭ ‬فكتبت‭ ‬عليك‭ ‬سيئة،‭ ‬وتصدقت‭ ‬بها،‭ ‬فلن‭ ‬يقبلها‭ ‬الله‭ ‬منك،‭ ‬لأن‭ ‬الله‭ ‬طيب‭ ‬لا‭ ‬يقبل‭ ‬إلا‭ ‬طيبًا،‭ ‬فأنت‭ ‬كمن‭ ‬يغسل‭ ‬الثوب‭ ‬النجس‭ ‬بالبول‭.‬

ثم‭ ‬وجدت‭ ‬هذه‭ ‬الملاحظة‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬الحكاية،‭ ‬تقول‭ ‬الملاحظة‭:‬

‮«‬سبحان‭ ‬الله‭ ‬كم‭ ‬في‭ ‬زماننا‭ ‬من‭ ‬أمثال‭ ‬هذا‭ ‬الرجل،‭ ‬يسرق‭ ‬ويكذب‭ ‬ويغش‭ ‬ثم‭ ‬يفتي‭ ‬لنفسه‭ ‬أو‭ ‬لغيره‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬علم،‭ ‬ويجادل‭ ‬بالباطل،‭ ‬وهو‭ ‬يظن‭ ‬أنه‭ ‬على‭ ‬الحق،‭ ‬ويبرر،‭ ‬ويدافع‭ ‬ليحلل‭ ‬لنفسه‭ ‬الحرام‭ ‬أو‭ ‬يوهمها‭ ‬أنه‭ ‬على‭ ‬صواب‭ ‬من‭ ‬أمره‮»‬‭.‬

فذهبت‭ ‬أفكر‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الملاحظة‭ ‬الأخيرة‭ ‬كثيرًا،‭ ‬هل‭ ‬فعلاً‭ ‬نحن‭ ‬نعيش‭ ‬ويعيش‭ ‬حولنا‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬البشر‭ ‬ممن‭ ‬يجادلون‭ ‬بالباطل‭ ‬ليحوله‭ ‬إلى‭ ‬الحق؟‭ ‬أو‭ ‬الذين‭ ‬يحللون‭ ‬المواقف‭ ‬لتتوافق‭ ‬مع‭ ‬رغباتهم‭ ‬ومتطلباتهم؟‭ ‬دعونا‭ ‬نتصفح‭ ‬الأحاديث‭ ‬والأحداث‭ ‬اليومية‭ ‬التي‭ ‬نسمعها‭ ‬ونشاهدها‭.‬

تفسير‭ ‬الدين‭ ‬بما‭ ‬يريد‭: ‬وجدنا‭ ‬أن‭ ‬كثيرا‭ ‬من‭ ‬الناس‭ ‬يقوم‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬يخطر‭ ‬على‭ ‬نفسه،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬يحاول‭ ‬أن‭ ‬يبحث‭ ‬عن‭ ‬بعض‭ ‬الآيات‭ ‬أو‭ ‬يستقطع‭ ‬جزئيات‭ ‬من‭ ‬آيات‭ ‬أو‭ ‬أحادث‭ ‬نبوية‭ ‬لتبرير‭ ‬ما‭ ‬يفعل،‭ ‬وكأنه‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬الفئة‭ ‬التي‭ ‬تستقطع‭ ‬جزءا‭ ‬من‭ ‬الآية‭ ‬التي‭ ‬يقول‭ ‬فيها‭ ‬عز‭ ‬وجل‭: (‬يا‭ ‬أيها‭ ‬الذين‭ ‬آمنوا‭ ‬لا‭ ‬تقربوا‭ ‬الصلاة‭)‬،‭ ‬فيتجاهل‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يلحق‭ ‬بها‭ ‬من‭ ‬تكملة‭. ‬والغريب‭ ‬في‭ ‬الموضوع‭ ‬إن‭ ‬البعض‭ ‬من‭ ‬هؤلاء‭ ‬لا‭ ‬يعرف‭ ‬في‭ ‬الدين‭ ‬أي‭ ‬شيء،‭ ‬وإنما‭ ‬هي‭ ‬جزئيات‭ ‬من‭ ‬بعض‭ ‬الآيات‭ ‬والأحاديث‭ ‬التي‭ ‬تعضد‭ ‬ما‭ ‬يريد‭ ‬أن‭ ‬يفعل،‭ ‬فيفسر‭ ‬سلوكياته‭ ‬وحياته‭ ‬وفقًا‭ ‬لذلك‭. ‬

والبعض‭ ‬من‭ ‬هؤلاء‭ ‬يجادل‭ ‬في‭ ‬الآيات‭ ‬والأحاديث‭ ‬النبوية‭ ‬الشريفة‭ ‬بطريقته‭ ‬الخاصة،‭ ‬ويجادل‭ ‬الناس‭ ‬بحسب‭ ‬ما‭ ‬يرتاح‭ ‬إليه‭ ‬هو،‭ ‬فمثلاً‭: ‬ذات‭ ‬مرة‭ ‬أثيرت‭ ‬قضية‭ ‬الصلاة‭ ‬في‭ ‬جماعة‭ ‬بين‭ ‬وسط‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الشباب،‭ ‬فقام‭ ‬أحدهم‭ ‬وأنكر‭ ‬ذلك‭ ‬وأتى‭ ‬بقصة‭ ‬حصلت‭ ‬أيام‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم،‭ ‬ولكنه‭ ‬تجاهل‭ ‬أن‭ ‬الموضوع‭ ‬يختلف‭ ‬تمامًا‭ ‬عن‭ ‬الموضوع‭ ‬الذي‭ ‬يتحدث‭ ‬فيه‭.‬

في‭ ‬الجمعيات‭ ‬الأهلية‭ ‬والتآمر‭ ‬على‭ ‬الناس‭: ‬عندما‭ ‬تبدأ‭ ‬فئة‭ ‬من‭ ‬الناس‭ ‬في‭ ‬إنشاء‭ ‬جمعية‭ ‬أهلية،‭ ‬فإنهم‭ ‬يتسارعون،‭ ‬لإنشائها‭ ‬ويعطونها‭ ‬من‭ ‬وقتهم‭ ‬الكثير،‭ ‬وبعد‭ ‬أن‭ ‬تستقر‭ ‬الجمعية‭ ‬نوعًا‭ ‬ما‭ ‬يأتي‭ ‬من‭ ‬الصفوف‭ ‬الخلفية‭ ‬بعض‭ ‬الأفراد‭ ‬ليحاولوا‭ ‬أن‭ ‬يطيحوا‭ ‬بالأفراد‭ ‬الموجودين‭ ‬في‭ ‬الصفوف‭ ‬الأمامية،‭ ‬مبررين‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬الأفراد‭ ‬في‭ ‬الصفوف‭ ‬الأمامية‭ ‬غير‭ ‬جديرين‭ ‬بالمسؤولية،‭ ‬فتبدأ‭ ‬المؤامرات‭ ‬وتحاك،‭ ‬وكل‭ ‬ذلك‭ ‬يُبرر‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تطوير‭ ‬الجمعية‭ ‬وتحديثها‭ ‬وما‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬أمور،‭ ‬ربما‭ ‬تكون‭ ‬بعيدة‭ ‬عن‭ ‬أرض‭ ‬الواقع،‭ ‬ولن‭ ‬ترتاح‭ ‬تلك‭ ‬المجموعة‭ ‬إلا‭ ‬بالتخلص‭ ‬من‭ ‬الرئيس‭ ‬أو‭ ‬نائبه‭ ‬أو‭ ‬غير‭ ‬ذلك،‭ ‬المهم‭ ‬أنهم‭ ‬يتآمرون‭ ‬على‭ ‬موضوع‭ ‬غير‭ ‬جدي‭.‬

الجدال‭ ‬الإلكتروني‭: ‬كثرت‭ ‬في‭ ‬الآونة‭ ‬الأخيرة‭ ‬القروبات‭ ‬والمجموعات‭ ‬الموجودة‭ ‬على‭ ‬الواتساب،‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬والعديد‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬المجموعات‭ ‬هدفها‭ ‬الرئيسي‭ ‬الجدل‭ ‬والنقاش،‭ ‬فيتناقشون‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬القضايا‭ ‬التي‭ ‬يعرفونها‭ ‬والتي‭ ‬لا‭ ‬يعرفونها،‭ ‬فتارة‭ ‬يتحدثون‭ ‬في‭ ‬الأدوية‭ ‬والأوبئة،‭ ‬وتارة‭ ‬يتحدثون‭ ‬في‭ ‬السياسة‭ ‬والتشريعات،‭ ‬وتارة‭ ‬يتحدثون‭ ‬في‭ ‬الدين‭ ‬والتشريع،‭ ‬وهكذا‭ ‬فيهم‭ ‬يتجادلون‭ ‬ليس‭ ‬للبحث‭ ‬عن‭ ‬الحقيقة‭ ‬وإنما‭ ‬للتحدث‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬التحدث‭ ‬والتحلطم،‭ ‬فما‭ ‬أن‭ ‬يُطرح‭ ‬موضوع‭ ‬حتى‭ ‬تجد‭ ‬الأفراد‭ ‬يطرحون‭ ‬أفكارهم،‭ ‬فهذا‭ ‬يقول‭ ‬‮«‬إني‭ ‬أعتقد‮»‬‭ ‬وذلك‭ ‬يقول‭ ‬‮«‬لا،‭ ‬أعتقد‭ ‬أن‭ ‬الأمر‭ ‬هكذا‮»‬،‭ ‬ثم‭ ‬يتطور‭ ‬النقاش‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬يصل‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬يتمسك‭ ‬كل‭ ‬فرد‭ ‬بوجهة‭ ‬نظرة‭ ‬ويضع‭ ‬كل‭ ‬المبررات‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬أن‭ ‬يؤكد‭ ‬أن‭ ‬وجهة‭ ‬نظره‭ ‬هي‭ ‬الصحيحة،‭ ‬وأن‭ ‬بقية‭ ‬الأفراد‭ ‬كلهم‭ ‬على‭ ‬خطأ،‭ ‬والغريب‭ ‬في‭ ‬الموضوع‭ ‬إن‭ ‬كل‭ ‬الذي‭ ‬يتحدثون‭ ‬به‭ ‬مجرد‭ ‬وجهات‭ ‬نظر‭ ‬ليس‭ ‬لها‭ ‬علاقة‭ ‬بالحقيقة‭ ‬أو‭ ‬الواقع‭ ‬لأن‭ ‬أحاديثهم‭ ‬مبنية‭ ‬على‭ ‬وجهات‭ ‬نظر‭ ‬فحسب‭.‬

الدين‭ ‬والتسليف‭: ‬يأتيك‭ ‬شخص‭ ‬تعرفه،‭ ‬ويطلب‭ ‬منك‭ ‬مبلغا‭ ‬من‭ ‬المال‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬الدين،‭ ‬وأنت‭ ‬تشعر‭ ‬بحاجته‭ ‬وخاصة‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬الظروف‭ ‬الراهنة،‭ ‬فتعطيه‭ ‬مبلغا‭ ‬من‭ ‬المال‭ ‬على‭ ‬اتفاق‭ ‬أنه‭ ‬يرجعه‭ ‬بين‭ ‬فترة‭ ‬من‭ ‬الزمن،‭ ‬وينقضي‭ ‬الوقت‭ ‬وأنت‭ ‬تنتظر‭ ‬أن‭ ‬يأتيك‭ ‬بمالك،‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬يتصدد‭ ‬عنك‭ ‬ويتجاهلك‭ ‬وكأنه‭ ‬لا‭ ‬يعرفك،‭ ‬تذهب‭ ‬أنت‭ ‬يمينا‭ ‬فيذهب‭ ‬هو‭ ‬يسارا،‭ ‬وهكذا‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬تلتقيان،‭ ‬وتمر‭ ‬الأشهر‭ ‬وتنقضي‭ ‬فترة‭ ‬فوق‭ ‬الفترة‭ ‬المقررة،‭ ‬وتحاول‭ ‬أن‭ ‬تجد‭ ‬له‭ ‬منفذا‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬يتهرب‭ ‬منك،‭ ‬ولكنك‭ ‬تتصل‭ ‬به‭ ‬بالهاتف،‭ ‬فتجده‭ ‬أنه‭ ‬قد‭ ‬غير‭ ‬رقم‭ ‬هاتفه،‭ ‬فتحتار،‭ ‬ولكنك‭ ‬تصر،‭ ‬وفي‭ ‬لحظة‭ ‬ما‭ ‬تجده‭ ‬أمامك‭ ‬لا‭ ‬مفر‭ ‬من‭ ‬التحدث‭ ‬إليك،‭ ‬فتعاتبه‭ ‬لأنه‭ ‬أخلف‭ ‬موعده،‭ ‬فيماطلك‭ ‬ويبرر‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يملك‭ ‬المبلغ‭ ‬الآن،‭ ‬فيطلب‭ ‬مدة‭ ‬أطول،‭ ‬فيماطل‭ ‬ويماطل،‭ ‬فتوسط‭ ‬صديق‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬التحدث‭ ‬إليه‭ ‬فيرد‭ ‬ببساطة‭ ‬‮«‬أنا‭ ‬لا‭ ‬أملك‭ ‬شيئا،‭ ‬وهو‭ ‬يملك‭ ‬فلماذا‭ ‬يطالبني‭ ‬بالدين؟‮»‬،‭ ‬وهل‭ ‬هذا‭ ‬مبرر‭ ‬حتى‭ ‬تسرق‭ ‬مال‭ ‬الآخرين‭.‬

محطات‭ ‬تلفزيونية‭ ‬تبرر‭: ‬غدت‭ ‬الأعمال‭ ‬التلفزيونية‭ ‬من‭ ‬سوء‭ ‬في‭ ‬المستوى‭ ‬لدرجة‭ ‬أن‭ ‬الناس‭ ‬سنويًا،‭ ‬نعم‭ ‬سنويًا،‭ ‬يتذمرون‭ ‬من‭ ‬مسلسلاتها‭ ‬وأعمال‭ ‬سيئة‭ ‬تحط‭ ‬من‭ ‬قدرة‭ ‬الإنسان‭ ‬العاقل‭ ‬عن‭ ‬المتابعة‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬المشاهدة‭ ‬ولو‭ ‬مرة‭ ‬واحدة‭.‬

سنويًا‭ ‬المشاهد‭ ‬العربي‭ ‬يتعرض‭ ‬لضغوط‭ ‬ولغسيل‭ ‬المخ‭ ‬بسبب‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬الكم‭ ‬الكبير‭ ‬من‭ ‬الأعمال‭ ‬التي‭ ‬تقدم‭ ‬على‭ ‬الشاشات‭ ‬العربية،‭ ‬وسنويًا‭ ‬يتذمر‭ ‬المشاهد‭ ‬العربي‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬تلك‭ ‬الأعمال،‭ ‬سواء‭ ‬الدرامية‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تمس‭ ‬الواقع‭ ‬أو‭ ‬الحقيقة‭ ‬بشيء،‭ ‬أو‭ ‬الأعمال‭ ‬المنوعة‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬يطيق‭ ‬مشاهدتها‭ ‬أحد،‭ ‬وفي‭ ‬نهاية‭ ‬الموسم‭ ‬تخرج‭ ‬إدارة‭ ‬التلفزيون‭ ‬بإحصائيات‭ ‬وأرقام‭ ‬بأن‭ ‬عدد‭ ‬المشاهدين‭ ‬الذي‭ ‬قاموا‭ ‬بمتابعة‭ ‬برامجها‭ ‬عدد‭ ‬فاق‭ ‬التوقعات،‭ ‬ومن‭ ‬يدري‭ ‬أين‭ ‬الحقيقة؟

وحتى‭ ‬تضفي‭ ‬إدارة‭ ‬التلفزيون‭ ‬أهمية‭ ‬لبرامجها‭ ‬الخالية‭ ‬من‭ ‬القيم‭ ‬والمبادئ‭ ‬تضع‭ ‬مسابقة‭ ‬لأفضل‭ ‬فنان،‭ ‬وأفضل‭ ‬فنانة،‭ ‬وأفضل‭ ‬برنامج‭ ‬تلفزيوني،‭ ‬وما‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬كلام،‭ ‬وتقوم‭ ‬هي‭ ‬بوضع‭ ‬الأرقام‭ ‬والقياسات‭ ‬والمؤشرات‭ ‬وفي‭ ‬النهاية‭ ‬تظهر‭ ‬النتائج‭ ‬وتنشرها‭ ‬عبر‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬التقليدية‭ ‬والحديثة،‭ ‬بأنها‭ ‬هي‭ ‬الأفضل‭.‬

ونحن‭ ‬نعلم‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬تلك‭ ‬مبررات‭ ‬لتسويق‭ ‬منتجاتها‭ ‬الهابطة‭ ‬الخالية‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬القيم‭ ‬والمبادئ،‭ ‬ولكنها‭ ‬ستعاود‭ ‬مسيرتها‭ ‬في‭ ‬رمضان‭ ‬القادم،‭ ‬وكأن‭ ‬شيئا‭ ‬لم‭ ‬يحدث‭.‬

وهكذا‭ ‬يستمر‭ ‬سارق‭ ‬الرمان‭ ‬في‭ ‬تبرير‭ ‬أفعاله‭ ‬حتى‭ ‬وإن‭ ‬كانت‭ ‬غير‭ ‬مبررة،‭ ‬والغريب‭ ‬في‭ ‬الموضوع‭ ‬أن‭ ‬الناس‭ ‬الذين‭ ‬يعيشون‭ ‬معه‭ ‬يعلمون‭ ‬أنه‭ ‬سارق‭ ‬وكذاب‭ ‬ومخادع،‭ ‬وأن‭ ‬ما‭ ‬يقوم‭ ‬به‭ ‬أو‭ ‬يقوله‭ ‬أو‭ ‬يفعله‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬إلا‭ ‬تبرير‭ ‬لما‭ ‬يقوم‭ ‬به،‭ ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬فهو‭ ‬يعيش‭ ‬تلك‭ ‬الكذبة‭ ‬معتقدًا‭ ‬أن‭ ‬الجميع‭ ‬أغبياء‭ ‬وأنهم‭ ‬يصدقونه‭.‬

كم‭ ‬من‭ ‬سارق‭ ‬الرمان‭ ‬يعيش‭ ‬بيننا‭ ‬اليوم،‭ ‬ولا‭ ‬نبرئ‭ ‬أنفسنا،‭ ‬فحتى‭ ‬نحن‭ ‬نكون‭ ‬مثل‭ ‬سارق‭ ‬الرمان‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الأحيان،‭ ‬فكر‭ ‬في‭ ‬الأحداث‭ ‬التي‭ ‬تمر‭ ‬عليك‭ ‬يوميًا،‭ ‬فأنت‭ ‬تعمل‭ ‬في‭ ‬عمل،‭ ‬ولكنك‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الأحيان‭ ‬تتقاعس‭ ‬وتضع‭ ‬مبررا‭ ‬أن‭ ‬الراتب‭ ‬لا‭ ‬يكفي‭ ‬وتقول‭: ‬‮«‬أنا‭ ‬أعمل‭ ‬بحجم‭ ‬الراتب‮»‬‭.‬

نذهب‭ ‬إلى‭ ‬البقالة‭ ‬أو‭ ‬السوبرماركت‭ ‬فنذهب‭ ‬إلى‭ ‬قسم‭ ‬المكسرات‭ ‬لنشتري‭ ‬بعض‭ ‬المكسرات،‭ ‬فنتذوق‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬ومن‭ ‬ذلك‭ ‬ونستمتع‭ ‬ببعض‭ ‬الأغذية،‭ ‬حتى‭ ‬وإن‭ ‬كانت‭ ‬الكمية‭ ‬صغيرة‭ ‬وفي‭ ‬النهاية‭ ‬نحن‭ ‬نعلم‭ ‬أنه‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬لدينا‭ ‬الرغبة‭ ‬في‭ ‬الشراء‭ ‬من‭ ‬البداية،‭ ‬وإنما‭ ‬نبرر‭ ‬أننا‭ ‬نتذوق‭ ‬فقط‭.‬

نضرب‭ ‬الأطفال‭ ‬لأنهم‭ ‬يكذبون،‭ ‬أو‭ ‬ننهرهم‭ ‬لأنهم‭ ‬يريدون‭ ‬شراء‭ ‬المشروبات‭ ‬الغازية،‭ ‬ولكننا‭ ‬نشرب‭ ‬أمامهم‭ ‬تلك‭ ‬النوعية‭ ‬من‭ ‬المشروبات‭.‬

ننهر‭ ‬الأطفال،‭ ‬لأننا‭ ‬لا‭ ‬نريد‭ ‬أن‭ ‬يستمروا‭ ‬في‭ ‬اللعب‭ ‬بالهاتف،‭ ‬ولكننا‭ ‬عندما‭ ‬نجلس‭ ‬معهم‭ ‬لا‭ ‬تكف‭ ‬أيدينا‭ ‬عن‭ ‬العبث‭ ‬بالهاتف،‭ ‬وكأننا‭ ‬نرسل‭ ‬لهم‭ ‬رسالة‭ ‬مبطنة‭ ‬أنه‭ ‬يمكننا‭ ‬نحن‭ ‬الذين‭ ‬نستطيع‭ ‬أن‭ ‬نبرر‭ ‬أفعالنا‭ ‬أن‭ ‬نفعل‭ ‬ما‭ ‬نريد،‭ ‬ولكن‭ ‬أنتم‭ ‬لا‭ ‬تستطيعون‭.‬

لنعد‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬حياتنا‭ ‬وحياة‭ ‬من‭ ‬حولنا،‭ ‬ونتأمل‭ ‬حكاية‭ ‬سارق‭ ‬رمان؟

Zkhunji@hotmail‭.‬com

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا