إن الاقتصاد الحقيقي هو أساس ظهور وتطور الاقتصاد الرقمي والاقتصاد الافتراضي وأنهم جميعا يكملون بعضهم البعض، ويشتركون ويتفاعلون في مجالات عديدة، ما يؤدي إلى تسريع عمليات التفاعل بين الناس والدول، وبالتالي يسهم الجميع بنسب وأدوار متفاوتة في تحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة، وأن الاقتصاد الرقمي والافتراضي قد نشآ نتيجة للتطور الصناعي (الاقتصاد الحقيقي) بهدف تعظيم قيمة الاقتصاد الحقيقي عبر ما يقدمانه من خدمات تقنية ومالية نوعيه له، وأن ظهور بوادر تفوق أهمية الاقتصاد الرقمي والافتراضي على الاقتصاد الحقيقي لا تتجاوز البيئة الافتراضية، فمهما ارتفعت قيم الأصول الرقمية وتطورت المبادرات الافتراضية فلابد أن تهبط على أرض الواقع، حيث الاقتصاد الحقيقي مصدر العيش والرفاهة والنمو المستدام، وهو الملاذ الآمن حينما تهتز الأسواق وتتحول الأموال الافتراضية إلى مجرد أحلام، وقد لاحظنا ذلك خلال الأشهر الستة الماضية حينما تهاوت عملة البيتكوين إلى القاع وأدت إلى إفلاس شركات تقنية كبرى شاركتها في التوجهات والأموال الافتراضية. وقد أدركت النظم الاقتصادية المعاصرة أهمية تنظيم العلاقة بين الاقتصاد الحقيقي والاقتصاد الرقمي والافتراضي بحيث يبقى الاقتصاد الحقيقي صمام الأمان لاقتصاد الدول والأفراد، وألا يتجاوز الاقتصاد الرقمي والافتراضي دوريهما كأدوات تسهل متطلبات الحياة المعاصرة، وتسرع وتحفز نمو الاقتصاد الحقيقي وتمكينه من اكتساب بعض سمات الاقتصاد الرقمي والافتراضي، وبما يقود إلى إكساب محتوى مبتكر للبنية التحتية المؤسسية والمعلوماتية والتكنولوجية تبنى على التفاعل بين قطاعات الاقتصاد الحقيقي والرقمي، والافتراضي، الأمر الذي يتطلب مزيدا من التشريعات الوطنية والعالمية التي تحدد القواعد الأساسية والتعاريف ومبادئ السلوك لجميع المشاركين فيها.
الدول المتقدمة في مجالات الاقتصاد الحقيقي والرقمي والافتراضي وفرت سلة متنوعة من النظم والتشريعات لتحمي اقتصاداتها من اختلال العلاقة بين الأنواع الثلاثة من الاقتصادات، ولتدني آثار الأزمات المحتملة، إلا أن الدول النامية التي تعد مستهلكا جيدا للاقتصاد الرقمي والافتراضي، لم تزل بعيدة عن الركب، وهي الأكثر تأثرا في حصول أزمة كانفجار فقاعة الاقتصادين الرقمي والافتراضي عالميا أو إقليميا، لأنها لا تمتلك مفاتيح تلك التقنيات ولا تسهم فيها بمحتوى محلي مؤثر من جانب، وهي غير قادرة على جعل الاقتصاد الرقمي والافتراضي واحدا من عوامل الإنتاج الداعمة والمتفاعلة مع عوامل الإنتاج الحقيقية المتاحة من جانب آخر.
كما أنها لا تمتلك مصدات وطنية فاعلة قادرة على التصدي للأزمات، وفي مقدمتها مصدة كفاءة الاقتصاد الحقيقي وتنوعه وامتلاكه القدرة على المبادأة والتعويض وقيادة عملية التعافي السريع.
فقد اتسم الظهور الحديث للقطاعات الرقمية والافتراضية في الدول النامية، وتطور في عدد منها بشكل لافت، من خلال الشركات والبنوك والمؤسسات المالية الأجنبية، وبما يعزز تدفقات رأس المال عبر الحدود، وبالتالي فإنها ستؤثر بشكل مباشر في عملية الإنتاج؛ كما أنها ستؤثر في عملية التفاعل مع الدولة ومؤسسات المجتمع المختلفة، الأمر الذي يحد من مساهمة القطاع الرقمي والافتراضي في تحقيق المهام الاستراتيجية لتطوير الاقتصاد الحقيقي وتحقيق الاستدامة، ما يتطلب أن تسعى الدول النامية إلى تكثيف المحتوى المحلي للاقتصاد الرقمي والافتراضي، وتقنين العلاقة مع الشركات الاجنبية المصدرة لمتطلباتهما الفنية والتقنية بحيث يتم توطين الأجزاء المؤثرة منهما ولو على مراحل، وتعزيز التشابك مع القطاع الحقيقي وبما يقود إلى نهوضه وتنوعه.
وختاما ننوه إلى أهمية أن تلعب الجامعات والمؤسسات التعليمية والبحثية الوطنية دورا فاعلا في ترسيخ مفاهيم التفاعل بين القطاعات الاقتصادية، وأن ترسخ في أذهان طلابها أن أهمية الاقتصاد الرقمي والافتراضي تنطلق من قدرتهما على تفعيل وتنويع، وخلق المبادرات الريادية في مجالات الاقتصاد الحقيقي والإسهام في استدامته، فهو القائد الحقيقي لعملية التنمية المستدامة، لذا ينبغي أن تدعم وتوسع أقسامها وبرامجها في مجالات الاقتصاد الزراعي والاقتصاد الصناعي والنقل واللوجستيات والنفط والثروات الطبيعية والمياه وغيرها -لا أن تقلصها-، وتعززها بالمقررات المتعلقة بالاقتصاد الرقمي والافتراضي. كما ندعو زملاءنا الباحثين في المجالات الاقتصادية والتقنية إلى إيلاء العلاقة بين قطاعات الاقتصاد الحقيقي والرقمي والافتراضي وآفاقها المستقبلية المزيد من البحث والدراسة، ونقترح أن يخصص كرسي للبحث العلمي في هذا المجال في معهد البحرين للدراسات المالية والمصرفية.
{ أكاديمي وخبير اقتصادي
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك