بقلم: جون ميشيل بيزات
لقد تحول الاقتصاديون الغربيون إلى ما يشبه الأطباء الذين ينحنون على مريض مصاب بمرض خطير ويتساءلون، في حيرة: إلى متى سيستمر ينبض بالحياة؟ أما المريض فهو روسيا، وهم يبذلون قصارى جهدهم لتشخيص حالته الصحية الحقيقية.
هناك شيء واحد مؤكد، هو أن روسيا لم تتضرر كثيرا ولم تتعرض «للانهيار»، على عكس ما أعلنه وزير الاقتصاد الفرنسي، برونو لو مير، في الساعات الأولى من غزو أوكرانيا وتنفيذ العقوبات الغربية، التي وصلت إلى تسع حزم من العقوبات المتتالية منذ شهر مارس 2022.
لقد فجر صندوق النقد الدولي مفاجأة كبيرة في نهاية شهر يناير، من خلال إجراء تشخيص مخيب للآمال بالنسبة إلى الغربيين كما كان مشجعًا لفلاديمير بوتين: لقد اقتصر الركود على – 2,2% في عام 2022، بعيدًا عن نسبة (8,5%) التي كانت متوقعة في مارس 2022؛ كما أشارت التوقعات الى ارتفاع النشاط بنسبة 0,3% هذا العام و2,1% في عام 2024، أي أكثر من 1,6% المتوقعة في منطقة اليورو. وما لم يحدث العكس، فإن هذه البيانات ستؤكد بالتالي مدى صلابة روسيا وقدرتها على الصمود.
هناك عدة عوامل تفسر هذه المرونة الواضحة التي يتسم بها الاقتصاد الروسي، بدءاً بسياسة البنك المركزي الروسي، التي عملت على استقرار الروبل منذ بداية الحرب وتجنب تفاقم معدلات التضخم.
تمتلك روسيا احتياطات كبيرة من العملات الأجنبية مستمدة من إيرادات الذهب الأسود، على الرغم من تجميد 300 مليار دولار (حوالي 281 مليار يورو) في الخارج. منذ العقوبات التي فُرضت على روسيا بعد ضم شبه جزيرة القرم في عام 2014، طورت سلطات موسكو الإنتاج المحلي (أغذية، منسوجات.. الخ).
تشير بيانات الجمارك الروسية أيضًا إلى زيادة الواردات التي تمر عبر الجمهوريات السوفيتية السابقة مثل أرمينيا وكازاخستان، بينما تظل تركيا بوابة روسيا عبر القوقاز. توفر الصين قطع غيار مفيدة في بعض الأحيان لصناعة الدفاع، كما كان حصاد القمح استثنائيًا في عام 2022، كما حقق عهد بوتين بعض الإنجازات مثل تصدير التقنيات النووية.
تفيد الأرقام الإحصائية بأن إغلاق خطوط أنابيب الغاز تحت الماء والتجفيف التدريجي للتدفقات الأرضية لم يمنع زيادة بنسبة 80% في عائدات الغاز الروسية أيضًا بمبلغ ضخم وصل إلى 138 مليار دولار، غير أن الذهب الأسود يظل يمثل عصب الحرب والمصدر الأول لإيرادات الميزانية الروسية.
يدرك صندوق النقد الدولي أن روسيا لم تتأثر بعد بالحظر المفروض على الشحنات البحرية، الساري منذ 5 ديسمبر. يتم إعادة الشحنات إلى الدول المجاورة الكبرى والرافضة للعقوبات (الصين، الهند، تركيا، إلخ) أو نقلها على متن «سفن أشباح» ذات علم غير معروف وطرق غير منتظمة، وهي طريقة تمارسها بالفعل إيران وفنزويلا.
على الرغم من خصم خام الأورال من برنت، فقد حصلت موسكو على إيرادات بقيمة 218 مليار دولار من النفط في عام 2022، بحسب تقديرات وكالة الطاقة الدولية. إن قدرة السوق الاحتياطية قليلة للغاية لدرجة أن ملايين البراميل الروسية مرحب بها لتجنب ارتفاع الأسعار فوق 100 دولار.
يجب أن نشير هنا إلى دور منظمة أوبك بلس في إدارة التدفقات بأكبر قدر ممكن من الدقة، حيث أنه من خلال الإعلان عن انخفاض بنسبة 5% في إنتاجها، في 10 فبراير، فإن موسكو تلعب بأعصاب الغربيين – وتؤكد أنها في حاجة إلى أسعار مرتفعة للتعويض عن انخفاض الكميات التي يتم تصديرها.
كل هذا لا يمنع من طرح بعض التساؤلات بشأن الأرقام الإحصائية التي قدمها صندوق النقد الدولي غير أنها تسمح لبوتين أن يؤكد للعالم، وخاصة للدول الغربية، أن روسيا صامدة في وجه العقوبات الغربية المتعاقبة.
لا ننسى أيضا أن قطاعات كاملة من الصناعة الروسية تتباطأ أو تتوقف عن العمل (السيارات والطيران) فيما تعاني قطاعات أخرى من نقص في اليد العاملة، ويرجع ذلك جزئيًا إلى تجنيد 300000 رجل في الجيش وهروب مئات الآلاف من الشباب المتعلمين هربا من التجنيد الإجباري.
يقول علماء الاقتصاد إن القطاع العسكري في زمن الحروب يضخم بعض الشيء معدلات النمو، وهو ما ذهب إليه أيضا سيرجي جورييف، المستشار الاقتصادي السابق للرئيس بوتين، في مقال له على موقع مركز البحوث الدولية والعلوم السياسية.
هناك عامل آخر لا يقل أهمية وهو يتعلق بخصوصية وطبيعة الاقتصاد الروسي نفسه. لذلك فإن سلطات موسكو تستمد الجانب الأكبر من نفوذها من خيارات الجيو-استراتيجية والسياسية والاقتصادية، وهو ما يؤكده الأكاديمي البارز ريتشارد كونولي من جامعة برمنغهام البريطانية، حيث يتم الاعتماد على تصدير النفط والغاز والأسلحة والتكنولوجيا النووية للأغراض المدنية، فضلا عن صادرات المنتجات المنجمية والحبوب وهي القطاعات الحيوية التي استعادها فلاديمير بوتين للدولة الروسية منذ سنة 2000.
تعتبر روسيا المصدر التاريخي للأسلحة إلى الصين والهند، إلا أنها أصبحت تواجه منافسة من دول مجهزة الآن بصناعة دفاعية خاصة بها. فهي تعاني من الحظر الغربي على المكونات الحيوية وتخاطر بأن تصبح تابعة لبكين التي يزن اقتصادها عشرة أضعاف اقتصاد روسيا.
لوموند
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك