بقلم: أ. د. أمين عبد اللطيف المليجى
نواصل حديثنا حول موضوع البشرية والقدسية وخاصة عن الرسل حتى نؤكد أننا بشر نصيب ونخطئ، وأن بشرية الرسل تخفف علينا وطأة أخطائنا وذنوبنا التي نرتكبها ليل نهار، فيعترينا كم هائل من وخز الضمير الذى يصل أحيانا كثيرة إلى مراحل مختلفة من التعب والضغط النفسي، وما أدراك ما الضغط النفسي، ينهد الجسم إذا كثر وأصبح عبئا لا يحتمل، وقد اتضح أن الراحة النفسية لها تأثير كبير في صحة الإنسان، فإذا اعتل الإنسان نفسيا ولم يدرك نفسه، هزل بدنه وضعفت مناعة الجسم، فتهاجمه الأمراض، لأن خطوط الدفاع عن الجسم قد وهنت، وأصبح الإنسان مريضا، أما الراحة النفسية ففيها الخير كله للإنسان،
فإذا اطمأن القلب وارتاحت النفس من الهموم، أصبحت مناعة الجسم قوية ومعها تزداد قوة الإنسان، وما أجمل قول الله سبحانه: (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ألَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) (28-الرعد) ، ففي ذكر الله راحة واطمئنان جميل للنفس، فمن تعود لسانه ذكر الله واستقر الذكر في القلب وأصبح خارجا منه شعر الإنسان بلذة الذكر في نفسه، وكذلك الاستغفار من الذنوب، يأتي بالخير والراحة النفسية ويزيل الهموم ويرفع الضيق كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا ورزقه من حيث لا يحتسب».
وكذلك الحزن الذي يعترينا عندما نتألم من فقد حبيب أو قريب أو صديق أو مضايقات العمل وما أكثرها، فإذا نظرنا إلى حال الرسول صلى الله عليه وسلم في بداية الدعوة وجدنا أنه عانى الكثير والكثير من أذى المشركين، فلم يتركوه يهنأ بأي شيء، ومن أشد الأوقات ألما وحزنا مر بها رسول الله هو العام الذي فقد فيه زوجته السيدة خديجة رضي الله عنها وكذلك فقد عمه أبوطالب، حتى سمي ذلك العام بعام الحزن.
ربما يسأل سائل: وهل يحزن الرسول ويتألم بفقد الأهل والأحبة؟ الجواب نعم يتألم ويحزن، أليس هو بشرا رسولا؟ كما أخبر ربنا سبحانه، فهو يمشى في الأسواق ويأكل الطعام، ويعتريه ما يعتري البشر من ألم وحزن ومرض، فإذا نظرنا إلى حزنه على موت السيدة خديجة وجدنا الحزن كبير، وقد ظل الرسول طيلة حياته يذكرها بالخير، ولا يتحمل أي كلمة من أحد عليها، حتى أن السيدة عائشة رضي الله عنها، حبيبة الرسول وأقرب نسائه إلى قلبه، غارت من كثرة ذكر الرسول للسيدة خديجة، فقالت له مرة فيما معناه إنها كانت امرأة عجوز عادية، فغضب رسول الله، وقال قولته المشهورة، متذكرا محاسنها ووقوفها بجانبه في بداية الدعوة، فكانت أول من آمن به من النساء، «وواسته بمالها ورزقه الله منها الأولاد بنين وبنات، فقال: «آمنت بي حين كذبني الناس، وواستني بمالها، ورزقني الله منها الولد»، فقالت السيدة عائشة إنها لم تذكر السيدة خديجة بعد هذه المرة إلا بالخير.
وعندما مات عمه أبو طالب، ولم يكن مسلما ولكن كان مدافعا عنه ضد مشركي مكة، ولم يتركه لهم، عندما ذهبوا إليه وطلبوا منه أن يجعلوه ملكا عليهم ويعطوه المال الكثير، ثم أخبر الرسول بذلك، فما كان من الرسول إلا أن قال قولته الشهيرة: «والله يا عمي لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر، لن أتركه حتى يظهره الله أو أهلك دونه»، ومن بعد ذلك وقف مدافعا عنه بكل قوته، ولذلك حزن الرسول حزنا شديدا عندما مات.
هكذا هي الدنيا نتقلب فيها بين الفرح والحزن، فلا فرح يدوم ولا حزن يدوم، فاذا أدركنا أن الدنيا فانية هان علينا كل شيء، ومن رحمة الله أنه غفور رحيم، يقبل التوبة من عباده ويعفو عن كثير، ودائما ما يأتي اليسر بعد العسر، نسأل الله العفو والعافية.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك