د. عبدالله الدناصوري
تتجلى الأخلاق والسلوكيات العبادية بأبهى صورها في كل الفرائض والواجبات التي تعبد الله بها خلقه، وقد صرح القرآن الكريم في أكثر من موضع بأن الغاية من أداء الفرائض هو تحصيل التقوى التي عليها يقوم بناء الخلق العظيم، إذ التقوى هي تحقيق العبودية لله ظاهرا وباطنا، والباطن عمل قلبي لا يطلع عليه إلا الله أما الظاهر فهو مجموع السلوكيات التي يتعامل بها الإنسان مع غيره، لكن هذه السلوكيات الظاهرة أساسها وجوهرها من ذلك العمل القلبي الذي هو التقوى وهو الغاية من التعبد بالفرائض والواجبات، ولا شك أن هناك علاقة تلازمية بين التقوى في الباطن وتطبيقاتها العملية في الظاهر مع الخلق.
والصيام أحد الفرائض التي بين الله تعالى أن غايتها اكتساب التقوى قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون) البقرة /183.
وتجسيد هذه التقوى يكون بالخلق الكريم مع الناس وخاصة في حالة الجوع والظمأ التي قد تغير الحالة المزاجية للإنسان فيتغير خلقه وسلوكه مع الآخرين إما إيجابًا وإما سلبا فإذا وجدت التقوى كان التغير السلوكي إيجابيا وإذا قلت أو انعدمت التقوى كان التغير سلبيا وساء الخلق، وحينها يعلق صاحب الخلق السيئ سوء خلقه مع الآخرين على الصيام مدعيا أن الصيام هو سبب ذلك، والحقيقة أن صوم مثل ذلك الشخص هو ما حمله على الخلق الذميم فعلا لأنه لم يجتهد في تحصيل التقوى المطلوبة من الصيام فهو لم يدرك الحكمة التي من أجلها شرع الصوم فكان صومه جوعا وعطشا لا للتقوى وإنما لشيء آخر، فلو أنه أحسن نيته وعرف الغاية من صومه لكان لذلك ترجمة واقعية في خلقه وسلوكه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الصيام جنة فإذا كان أحدكم صائما فلا يرفث ولا يجهل فإن امرؤ شاتمه أو قاتله فليقل إني صائم» مسلم /1151، أي أن صومي حصنني بالتقوى التي منحتني قوة تحمل وصبرا يجعلني أتعامل مع الآخرين بأريحية واعتدال من دون ضجر أو توتر أو غضب أو تحسس أو عصبية تنفلت معها جوارحي بخلق ذميم قولا أو فعلا.
إذن الأخلاق ثمرة يانعة من أغصان شجرة التقوى، وشجرة التقوى لا تحمل أغصانا خضراء نضرة فحسب بل هي شجرة مثمرة وثمارها طيبة طيب مذاقها قال تعالى: (ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض مالها من قرار) إبراهيم /24 ،25.
فإذا أراد الصائم أن يعرف هل حقق الغاية من صومه أم لا؟ فلينظر في سلوكه وتعامله مع الناس، كيف هو مع أهله مع جيرانه مع زملائه مع أرحامه، كيف هو حينما يتعرض لموقف يستثير غضبه أو يحرك حميته الجاهلية أو يثير فيه ما يكره؟
إن حسن الخلق عبادة ملازمة للمسلم في كل أحواله وأزمنته، ثم يأتي الصيام ليكون معيار اختبار صلابة ومتانة بنيان الخلق الكريم في النفس.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك