تصور أن درجة الحرارة في البحرين التي تعاني أصلا من شدة حرارة الشمس، قد ارتفعت درجة مئوية واحدة، أو درجة ونصف الدرجة، فماذا سيكون شعورك مع هذا الارتفاع في درجة الحرارة؟ وكيف ستكون أحاسيسك وقُدرتك على تحمل المزيد من حرارة الجو وقيظ الشمس الحارقة؟ وهل تستطيع أن تعيش براحة واطمئنان وسكينة، وبخاصة أننا نعاني من أشهر الصيف الطويلة التي لا تكاد تنتهي كل عام؟
وتصور أن مستوى سطح البحر قد ارتفع في جزر البحرين الكثيرة التي لا يرتفع مستواها إلا مليمترات معدودة عن سطح البحر، والكثير منها تقع مباشرة على سطح البحر، فكيف سيكون وضع هذه الجزر، وهل ستغمرها المياه البحرية؟
وماذا سيكون مصير مكتسباتنا التنموية التي شيدناها طوال العقدين الماضيين من منتجعات، وفنادق، ومناطق صناعية وسكنية كجزر أمواج، وديار المحرق، ودرة البحرين، ودرة مارينا وغيرها من المشاريع العملاقة التي بُنيت على مناطق قريبة من البحر وأُنفقت عليها المليارات من الدنانير؟
فهل هذه الاحتمالات التي قد تنجم كتداعيات لقضية العصر، قضية التغير المناخي، هي مخاطر واقعية وحقيقية قد نتعرض لها في البحرين، أو في الدول الجزرية الأخرى الواقعة على مستوى سطح البحر، أم أنها نظريات وفرضيات واحتمالات لا شواهد واقعية لها، ولا أدلة ميدانية على حدوثها على أرض الواقع؟
في الواقع هناك الآلاف من الدراسات والبحوث التي أُجريت لسبر غور ظاهرة التغير المناخي وأسبابها ومصادرها، ودور الإنسان ومساهمته في وقوعه مقارنة بالدورات المناخية الطبيعية، علاوة على التقارير المتعلقة بالتداعيات الناجمة عن التغير المناخي، مثل ارتفاع حرارة الأرض، والتي بدورها ترفع من حرارة مياه البحار ومن مستوى سطح البحر، وهذه الدراسات والتقارير منها الصادرة عن منظمات الأمم المتحدة، مثل التقييم السادس والأخير المنشور في 28 فبراير 2022 من الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتغير المناخي، تحت عنوان: «التأثيرات والتكيف والقابلية للتأثر»، ومنها الكثير من الأبحاث المنشورة من مراكز البحوث والجامعات.
وأقفُ هنا أمام آخر الأبحاث التي نُشرت حول ظاهرة ارتفاع مستوى سطح البحر، والتغيرات التي حصلت لمستويات سطح البحر خلال القرون السابقة، وهناك دراسات كثيرة وثَّقتْ، ومازالت توثق وتراقب التغيرات التي تقع على مستوى سطح البحر منذ الستينيات من القرن المنصرم. فعلى سبيل المثال، هناك الدراسة المنشورة في العاشر من أبريل 2023 في مجلة «اتصالات الطبيعية» (Nature Communications)، تحت عنوان: «تسارع وتيرة ارتفاع مستوى سطح البحر في جنوب شرق الولايات المتحدة وساحل الخليج يتضخم بسبب تقلب المناخ الداخلي»، إضافة إلى البحث المنشور في الثاني من مارس 2023 في «مجلة المناخ» (Journal of Climate) تحت عنوان: «تسارع لارتفاع مستوى سطح البحر في عقد واحد من الزمن على طول سواحل شرق الولايات المتحدة والخليج خلال الفترة 2010-2022 وتأثيره في زيادة العواصف الناجمة عن الأعاصير».
فمثل هذه الدراسات توصلتْ وأجمعت على عدة استنتاجات مهمة، كما يلي:
الأول: هناك ارتفاع متسارع لمستوى سطح البحر في كل دول العالم، فمعدل الارتفاع السنوي على المستوى الدولي بلغ قرابة 1.5 مليمتر سنوياً منذ عام 1900، وهذا الارتفاع تضاعف وتسارع منذ الستينيات من القرن المنصرم بمستوى أعلى من 3 مليمترات في السنة.
ثانياً: في سواحل جنوب شرق الولايات المتحدة الأمريكية، كان نمط معدل الزيادة يتراوح بين 1.7 إلى 8.4 مليمترات في السنة في الفترة من 1900 إلى 2021، ولكن حدث ارتفاع مفاجئ في مستوى سطح البحر، حسب إحدى الدراسات، مقارنة بالمستوى الدولي، فهو يرتفع أسرع ثلاث مرات من المعدل العالمي في بحار العالم، فمنذ عام 2010 بلغ معدل الارتفاع أعلى من 10 مليمترات في السنة منذ عام 2010، وهذه الظاهرة الجديدة في زيادة مستويات الارتفاع غير مسبوقة من 120 عاماً في السواحل الجنوبية الشرقية للولايات المتحدة الأمريكية. ويعزي الباحثون أسباب هذه الزيادة المطردة إلى عوامل مركبة ومتشابكة منها التغير المناخي وارتفاع حرارة الأرض وذوبان الثلوج، ومنها تغير أنماط حركة وسرعة الرياح.
ثالثاً: المدن والمرافق العامة التي تقع على سواحل أمريكا الجنوبية الشرقية تعاني من تهديدات كارثية ناجمة عن ارتفاع مستوى سطح البحر وتداعياتها المتمثلة في تكرار وقوع الفيضانات، وشدة الأعاصير، وتآكل السواحل وانكماش المساحات البرية.
ونظراً إلى أهمية هذه الظاهرة وتداعياتها التي لا تعد ولا تحصى على الأمن الدولي، فقد خصصت الأمم المتحدة ممثلة في مجلس الأمن جلسة خاصة في 14 فبراير 2023 لمناقشة التغير المناخي، مع التركيز على ارتفاع مستوى سطح البحر، تحت عنوان: «ارتفاع مستوى سطح البحر: الآثار المترتبة على السلم والأمن الدوليين»، حيث قال الأمين العام للأمم المتحدة إن: «ارتفاع مستوى سطح البحر لا يشكل تهديداً فقط في حد ذاته، وإنما هو تهديد متعدد الجوانب. فبالنسبة إلى مئات الملايين من الناس الذين يعيشون في الدول الجزرية النامية وغيرها من المناطق الساحلية المنخفضة في مختلف أنحاء العالم، فإن ارتفاع مستوى سطح البحر يشكل وابلاً من المشاكل.
فالتغير المناخي حقيقة واقعة ومستمرة، وتداعياتها تُثبتها الوقائع والحوادث المناخية والدراسات العلمية التي تراقب منذ قرون التغيرات على مستوى كوكبنا، وهذه التداعيات تتفاقم وتأثيراتها ستكون أشد وطأة بالنسبة إلى الدول الجزرية. وقد حذَّر التقرير المنشور من المجلس الأعلى للبيئة من واقعية وخطورة هذه الظاهرة على جزر البحرين، والذي صدر حول تطورات جهود مكافحة التغير المناخي في يوليو 2020 تحت عنوان: «البلاغ الوطني الثالث لمملكة البحرين لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية للتغير المناخي»، حيث ورد في الملخص التنفيذي للتقرير حول تهديدات ارتفاع مستوى سطح البحر: «يُعد ارتفاع مستوى سطح البحر أحد الآثار الرئيسة والأكيدة لتغير المناخ. وكما هو الحال في جميع الدول الجزرية الصغيرة النامية، يُشكل ارتفاع مستوى سطح البحر في البحرين خطراً على سواحل الجزر الست الرئيسة، والتي يتمركز عليها معظم سكان المملكة، وتوجد بها البنى التحتية. وحالياً تتركز في المناطق الساحلية التي يقل ارتفاعها عن خمسة أمتار عن مستويات سطح البحر كثافة سكانية عالية».
bncftpw@batelco.com.bh
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك