تجسيدا لمبدأ سيادة الدولة على إقليمها وأبنائها..
أكدت محكمة التمييز مبدأ قانونيا مهما يشير إلى اختصاص القضاء البحريني بنظر كافة الدعاوى المدنية والتجارية التي ترفع على المواطن البحريني سواء كان موجوداً ومقيماً في البحرين أم لا، فيما عدا ما استثناه القانون بنص صريح، تجسيداً لمبدأ سيادة الدولة على اقليمها وعلى أبنائها – وأن المحكمة الكبرى المدنية مختصة بالنظر في جميع المنازعات المتعلقة بمسائل الأحوال الشخصية لغير المسلمين.
جاء ذلك في حيثيات حكمها على طعن قُدّم بحريني يعتنق البهائية أمام محكمة التمييز يتعلق بخلاف زوجي مع زوجته الأجنبية التي تعتنق البهائية، ويقيمان سوياً بمملكة البحرين، حيث فصلت المحكمة الكبرى المدنية في القضية التي قالت الزوجة فيها إن زوجها أساء العشرة معها، ونظراً لاستحالة العشرة معه فقد عرض أمرهما على المحفل الروحاني المركزي للبهائيين وقرر انتهاء العلاقة الزوجية بينهما.
ولجأت الى المحكمة الكبرى المدنية للحكم بإلزامه بأداء نفقتها الزوجية ونفقة صغيريها وسداد المصاريف الدراسية وأجرة سكن الحضانة، وتوفير وسيلة مواصلات مناسبة لصغيريها، وأجر خادم وحاضنة، وإلزامه بالتأمين الصحي على صغيريه، وتسليمها جواز سفر ولده، وذلك بعد أن امتنع المذكور عن أداء نفقتها وصغيريه، وكذا عن إعداد مسكن حضانة لها، رغم يسر حالته المادية.
فأحالت المحكمة الدعوى إلى التحقيق، واستمعت إلى الشهود وحكمت بتطليقها طلقة رجعية، وبإلزامه بأن يؤدي اليها نفقة زوجية وبإثبات حضانتها للصغيرين حتى بلوغهما أقصى سن الحضانة، وإلزامه أيضاً بأن يؤدي للمطعون ضدها مبلغا شهرياً أجر مسكن حضانة، ومبلغا شهرياً نفقة للصغيرين مناصفة فيما بينهما، ومبلغ قيمة المصاريف الدراسية ورفضت ما عدا ذلك من طلبات.
عدم اختصاص القضاء
فيما أيدت محكمة الاستئناف الحكم بعد تعديل مبلغ النفقة وألزمته بتسليمها جواز سفر صغيرها، إلا انه طعن بطريق التمييز، دافعا بمخالفة الحكم للقانون كون المحفل الروحاني البهائي بالبحرين هو الجهة المختصة بنظر النزاع والفصل فيه، كما أن القانون الواجب التطبيق على النزاع هو الكتاب المقدس الصادر عن هذا المحفل، والذي يعالج كافة المنازعات الزوجية الناشئة بين الطرفين لكونهما غير مسلمين وينتميان إلى الديانة البهائية، وأن الحكم إذ أعرض عن هذا الدفاع بوجهيه وخلص إلى أن المحكمة الكبرى المدنية هي المختصة قانوناً بنظر النزاع وأخضع النزاع إلى قانون الأسرة رقم19 لسنة2017 مخالفاً بذلك نص المادة الرابعة منه يكون معيباً بما يستوجب نقضه.
إلا أن محكمة التمييز ردت على هذا الدفع بشأن عدم اختصاص محاكم البحرين بنظر الدعوى واختصاص المحفل الروحاني البهائي بمملكة البحرين بنظرها بأن نص الفقرة الأولى من المادة العاشرة من قانون المرافعات فيما قررته من أن تختص المحكمة الكبرى بالنظر بصفة ابتدائية في جميع المنازعات المتعلقة بمسائل الأحوال الشخصية لغير المسلمين.
وينبني الاختصاص في هذه الحالة على اعتبار شخصي، مفاده اختصاص القضاء البحريني بنظر كل الدعاوى المدنية والتجارية التي ترفع على المواطن البحريني سواء كان موجوداً ومقيماً في البحرين أم لا، فيما عدا ما استثناه القانون بنص صريح، كما يعد هذا الاختصاص تجسيداً لمبدأ سيادة الدولة على اقليمها وعلى أبنائها فلا يجوز للمحاكم أن تتخلى عنه كما لا يصح منازعتها فيه.
وأضافت أن النزاع بين الطرفين يتعلق بحقوق المطعون ضدها وصغيريها قبل الطاعن الناشئة عن علاقة الزوجية القائمة بينهما وتتمثل هذه الحقوق في النفقات بسائر أنواعها وغير ذلك ومن ثم فهي تعد من مسائل الأحوال الشخصية، وكان لا خلاف على أنهما غير مسلمين فهما ينتميان إلى الديانة البهائية، وأن الطاعن وصغيريه بحرينيو الجنسية فإن المحكمة الكبرى المدنية تكون هي الجهة القضائية المختصة قانوناً بنظر الدعوى ويضحى ما أثاره الطاعن في هذا الخصوص دفاع ظاهر البطلان لا يعيب الحكم المطعون فيه الالتفات عنه، ومما يؤكد ذلك ما تضمنته الأوراق من سبق قيام الطاعن برفع دعوى على المطعون ضدها أمام المحكمة الكبرى المدنية بطلب حضانة صغيريه وتمكينه من رؤيتهما فإن ما يثيره بوجه النعي يكون غير سديد.
الأحوال الشخصية
لغير المسلمين
وأوضحت أن المقرر طبقاً لنص المادة 21/3، 5 من قانون المرافعات – التي جاءت تحت عنوان (القانون الواجب التطبيق في مسائل الأحوال الشخصية لغير المسلمين) أن يسري قانون الدولة التي ينتمي إليها الزوج وقت انعقاد الزواج على الآثار التي يرتبها عقد الزواج بما في ذلك من أثر بالنسبة للمال، أما الطلاق فيسري عليه قانون الدولة التي ينتمي إليها الزوج وقت الطلاق، ويسري على التطليق والانفصال قانون الدولة التي ينتمي إليها الزوج وقت رفع الدعوى – ويسري على المسائل الموضوعية الخاصة بالولاية والوصاية والقوامة وغيرها من النظم الموضوعة لحماية الصغير والمحجورين والغائبين قانون الشخص الذي تجب حمايته.
وقالت لما كان الثابت أن الطاعن وصغيريه بحرينيو الجنسية وتعلق النزاع المطروح بحقوق المطعون ضدها المالية الناشئة عن عقد الزواج مع الطاعن، وكذا بحقوق صغيريها منه وأيهما أحق بحضانتهما وهي من مسائل الأحوال الشخصية فإن القانون الواجب التطبيق بشأنها يكون هو القانون البحريني، وإذ خلا التشريع البحريني من قانون ينظم مسائل الأحوال الشخصية لغير المسلمين، فإنه لا مناص من إعمال الأحكام المقررة بنص المادة الأولى من القانون المدني والتي حددت للقاضي المدني مصادر القاعدة القانونية التي يستنبط منها حكمه لتطبيقه على النزاع المطروح.
مشيرة الى أنها تتمثل أولاً في النصوص التشريعية الصادرة عن السلطة التشريعية، فإن لم يوجد نص تشريعي، لجأ القاضي إلى العرف، فإذا لم يوجد، حكم بمقتضى الشريعة الإسلامية مستهدياً بأصلح الآراء فيها بالنظر لواقع البلد وأحوالها، فإذا لم يوجد، حكم بمقتضى مبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة.
وقالت إن الحكم المطعون فيه إذ أخضع النزاع لقانون الأسرة البحريني رقم19 لسنة2017 مباشرة من دون أن يتحقق من وجود ثمة قوانين أو نظم لدى أبناء الديانة البهائية بالبحرين تنظم مسائل الأحوال الشخصية بينهم أو وجود عرف لديهم يحكم هذه المسائل طبقاً لما سلف بيانه ويجري على النزاع تلك الأحكام، إن كان، فإنه يكون قد خالف القانون مما يعيبه ويوجب نقضه من دون حاجة إلى الرد على باقي أسباب الطعن.
فلهذه الأسباب حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بنقض الحكم المطعون فيه وإحالة القضية إلى المحكمة التي أصدرته لتحكم فيها من جديد وألزمت المطعون ضدها بالمصاريف وبمبلغ مائة دينار مقابل أتعاب المحاماة.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك