عنوان المقال مستوحى من عنوان لكتاب الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون «نصر بلا حرب». فبعد هزيمة إسرائيل في حرب 1973، آمن الرئيس الأمريكي بأن المواجهة العسكرية مخاطرة، وأن التفوق في التسليح لا يعنى ضمان النصر. فألف كتابه المذكور. وقامت فكرته الرئيسة على التساؤل كيف ننتصر بلا حرب؟ أي بلا ثمن.
وأحد الأسلحة الفعالة حسب نيكسون هو إطلاق حملة إعلامية مكثفة ضد العدو، والسلاح الأخر الذي لا يقل عن الأول أهمية، هو امتلاك ناصية العلم والتكنولوجيا ومنع ذلك عن العدو، والعدو بمفهومه من يرفض الطاعة. ويقصد بالعلم الحرب الجرثومية.
ومن ناحية أخرى أجاب عن هذا السؤال الكاتب الأمريكي جوزيف ناي بالقوة الناعمة والتي لم تعد حكرا على الدول الكبرى فقط، بل كل الدول والشعوب تملك هذه القوة وتتفاوت في درجاتها. هذا السؤال ينطبق على العلاقات العربية الإسرائيلية، ويثار اليوم على المستوى الفلسطيني الإسرائيلي. وهل الحرب كخيار نجحت في حسم الصراع لصالح أحد الطرفين.؟ عربيا لقد تحكمت الحرب في العلاقات فشهدنا خمس حروب لم تحقق الهدف منها كما يقال إن الحرب امتداد للسياسة، وقد تكون حرب 1973 ترجمة لهذه المقولة بأن انتهت بتوقيع اتفاقات السلام بين مصر وإسرائيل بعد أن نجحت مصر في استعادة أرضها في سيناء التي احتلتها إسرائيل في حرب 1967، ولتفتح الباب أمام معاهدات السلام مع أكثر من دولة عربية. القناعة في هذه المعاهدات أن الحرب ليست الخيار الأمثل لأي طرف في إنهاء الصراع، فلا إسرائيل قادرة على هزيمة الدول العربية ولا الدول العربية قادرة على هزيمة إسرائيل بفعل التحالف والالتزام الأمريكي بأمن وبقاء إسرائيل. ناهيك أن هذه الحروب كلفت خسائر مادية وبشرية كبيرة تفسر لنا المشاكل الاقتصادية التي تعاني منها المنطقة اليوم.
هذا على الجانب العربي، وماذا عن الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي؟ أولا: لا يمكن مقارنة القوة الإسرائيلية بالقوة العسكرية التي تملكها فصائل المقاومة الفلسطينية.
وثانيا: مفهوم الحرب لا ينطبق على الحالة الفلسطينية الإسرائيلية بمعنى أن إسرائيل وبما تملكه من قوة يمكنها تدمير كامل الأراضي الفلسطينية ، ومن جانبها المقاومة اليوم وبما تملكه من أسلحة متطورة نسبيا وبحكم التلاصق الجغرافي يمكن أن توقع خسائر كبيرة إسرائيليا، أي أننا أمام نموذج وخيار هدم المعبد على رؤوس الجميع.
وثالثا: إن الخيار العسكري على المستوى الفلسطيني يستلزمه ميزانيات وإنفاق مالي كبير غير متاح ولو توفر بقدر محدود سيكون على حساب الإنفاق والبنية الاقتصادية ما يعنى ارتفاع الفقر والبطالة. ومن شروط الحرب الناجحة توفير بنية اقتصادية ومجتمعية قوية قادرة على الصمود.
ورابعا: إن المحددات الجغرافية ووحدانية الأرض وتداخلها والتداخل السكاني يحولان الحرب إلى خيار مدمر. وما يؤكد هذه الفرضيات أن إسرائيل قد شنت أربع حروب على غزة ألحقت بها أضرارا كثيرة زادت من نسبة الفقر والبطالة لتزيد على خمسين في المائة ولتحول الشعب الفلسطيني في غزة إلى شعب ينتظر المساعدات. وأيضا إسرائيل ورغم قوتها الكبيرة التي تفوق قدرات دول أخرى لا تستطيع أن تذهب بخيار الحرب بعيدا.
السؤال ما البديل للحرب؟... الإجابة نجدها في كتاب «فن الحرب» للإستراتيجي الصينى سون تزو الذي كتبه قبل 2500 عام. وفي الكتاب يضع مراحل زمنية لهزيمة الخصم، ويقول: «أفضل طريقة لهزيمة الخصم هي إبطال وإفساد كل ما يمثله من مقولات وسرديات وقيم وأخلاقيات. وألا يترك أن يعيش كما يريد، ويقدم نصيحة التظاهر بالضعف عندما تكون قويا، والتظاهر بالقوة عندما تكون ضعيفا. ويقدم نصيحة للحالة الفلسطينية عندما يكون مرتاحا ابدأ بإنهاكه ولا تدعه يكون مستريحا».
ومن ناحيته السوفيتي يوري بيزينوف، يرى أن الصراع يمر بأربع مراحل، الأولى إسقاط الأخلاق وهي مرحلة تحتاج من 15-20 عاما، والثانية زعزعة الاستقرار وتحتاج من 2-5 أعوام والمقصود هنا إذكاء النعرات الإثنية والطائفية ثم مرحلة الأزمة والتي قد ينتج عنها حرب أهلية.
بعيدا عن هذا التسلسل الزمني وتطبيقه على الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، فالعبرة هنا بالمدلول العام لهذه المراحل التي نراها اليوم في إسرائيل وما تعاني من أزمات داخلية تهدد بقاءها ووجودها، فمفتاح هزيمة إسرائيل من الداخل وليس من الخارج، الخارج يوحد إسرائيل والداخل يبرز التناقضات في داخلها.
الفلسطينيون يملكون كثيرا من عناصر القوة الناعمة والخيارات والمقاربات البديلة للحرب، أولها العنصر السكاني وكيفية الحفاظ على صموده وتجذره في أرضه. وثانيها قوة الحقوق التاريخية والحضارية التي تؤكد الحق الفلسطيني، ثالثها قوة الشرعية الدولية وتفعيلها، ورابعها إقامة نظام سياسي ديموقراطي توافقي، وخامسها تفعيل دور الجاليات العربية والإسلامية في كثير من الدول وخصوصا أمريكا التي نرى بعضا من إرهاصات التغيير والتأييد للجانب الفلسطيني، ولنا مثال على ذلك، نواب من أصول فلسطينية في الكونجرس الأمريكي وسادسها استعادة مكانة القضية الفلسطينية عربيا ودوليا، وسابعها توظيف السلام العربي لإنهاء الاحتلال بتخيير إسرائيل بين السلام والحرب.
وثامنها تبني خيار الدولة الواحدة بكشف عنصرية السياسات الإسرائيلية ووهم الديموقراطية الإسرائيلية. ويبقى أنه لو امتلك الفلسطينيون القوة النووية لن تحقق لهم السلام، إنما تبني السلام بقوة المقاربات والخيارات السابقة كفيلة أن تخلق قوى ضغط على إسرائيل وجعل الاحتلال مكلفا وثمنه عاليا بالمقاومة السلمية الشعبية. وأخيرا كيف نجعل قوة السلام تهزم سلام القوة.
{ أكاديمي مختص في العلوم السياسية
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك