بقلم: د. عبدالله الدناصوري
الصوم مدرسة إيمانية وأخلاقية تجتمع فيها معالم العبودية بشتى أنواع العبادات البدنية والقلبية والمالية والسلوكية.
وفي رمضان يتجلى خلق التكافل ويتسامى خلق الجود متولدا من مشاعر إيمانية فياضة.
صنعها الشعور بالجوع والعطش الذي ذكَّر الصائم بالبطون الجائعة للفقراء والمحتاجين في شتى أنحاء المعمورة.
فقد جاع هؤلاء مكرهين لانعدام ما يسد رمقهم ويطفئ نار جوعهم، وكثير من هؤلاء تتجلى فيهم من أخلاق الجود والكرم رغم حاجتهم وعوزهم ما يعجز اللسان عن وصفه.
فقد يكرمون غيرهم بما لا يملكون سواه من طعام وشراب وقد يكون ليس لديهم غيره لسد جوعهم، لكنهم يطعمونه غيرهم بطيب نفس وسخاء وكرم ورحابة صدر، وهذا ما يصنعه الجوع والظمأ في الصائمين، فعندما يأخذ منهم الجوع مأخذه يبدأ الشعور بالآخرين يتحرك بداخلهم، ويحدث الصائم نفسه معترفا بمدى تقصيره فيما مضى من عمره في حقوق المحتاجين والشعور بمعاناتهم جوعا وعطشا بل ومرضا وألما.
هنا وفي تلك اللحظات تبدأ محاسبة النفس المقصرة في حق غيرها فنرى مشاهدا من البذل والعطاء وإطعام الطعام وتفقد الفقراء والمحتاجين بالصدقات وتتعدد وتتنوع موائد إفطار الصائمين تقربا إلى الله.
ويتسابق الصائمون للبذل والعطاء بشتى أنواع البر والإنفاق في وجوه الخير ترى ما الذي أحدثه الصيام لتتزايد تلك الأخلاق ويتسع نطاقها؟
ما الذي أحدثه الجوع والعطش في تلك النفس البشرية فنقلها من عالم إلى عالم ومن شعور إلى شعور ومن سلوك إلى سلوك؟
إنها العلاقة التلازمية بين العبادة والأخلاق، بين أداء الفرائض والسلوك، بين الظاهر والباطن، إنه جوهر الإسلام وحقيقته وغاية التعبد ونتيجته، وأثر العبادة وتأثيرها، إنه التجسيد الواقعي للتقوى
لذلك يجب على الصائم أن ينوي بصيامه العبادة والتقرب إلى الله من جهة وأن يعمل جاهدا لكي تتحقق له غايات الصيام من جهة أخرى.
وأهم غايات الصيام تحقيق التقوى التي بها يأتي حسن الخلق كعبادة موازية. بل إن حسن الخلق تجسيد للتقوى وترجمة لجوهرها.
إن مدرسة الصيام ودوراته الإيمانية المكثفة لابد وأن تحدث أثرا في سلوك الصائم يجعله مختلفا عن غيره في تعاملاته مع الناس.
فليكن الصوم عبادة وأخلاق الصائم عبادة أخرى وكلاهما جناحان لا تحلق العبادة في فضاء القبول من دون أحدهما.
والحرص على دخول الصوم بتلك النية دليل على الإيمان الصادق بفرضية الصيام.
إن إحداث الصوم شعورا في نفس الصائم بالآخرين من المحتاجين دليل واضح على أنه فعل عبادة الصوم إيمانًا واحتسابا.
وحبه لفعل الخير والبر دليل على فهمه مقصد وجوب الصوم في رمضان.
وبهذا تتحقق قيمة ركنية الصوم كأحد المباني الخمسة العظام.
وهذا كله يحدث في النفس صفاء وفي القلب رقة تزيدان من معدل الرحمة في قلبه تجاه الآخرين، وتأخذ بنفسه إلى عالم الإحسان أعلى مراتب العبودية لله تعالى.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك