بقلم: د. علي أبو هاشم
فضَّل الله تعالى شهر رمضان على بقية شهور العام لنزول الكتب السماوية فيه على الأنبياء. عليهم السلام. وكذا نزول القرآن فيه. يقول تعالى: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ۚ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أيَّامٍ أخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ). سورة البقرة: 185، وذكر ابن كثير رحمه الله وغيره: أن الله تعالى أنزل صحف إبراهيم في أول ليلة من رمضان، وأنزل التوراة لست مضين منه، وأنزل الإنجيل لثلاث عشرة خلت منه، وأنزل الله القرآن لأربع وعشرين خلت من رمضان. وروى جابر. رضي الله عنه. أن الزبور. وهو كتاب داود. عليه السلام. أنزل لثنتي عشرة من رمضان. فخص الله شهر رمضان بنزول هدايات السماء إلى أهل الأرض، فمن اتبع هدى الله رفعه الله وأعلى قدره، فكان الصيام في هذا الشهر ليتجرد العبد من أهوائه ورغباته إلى طاعة مولاه، ولذا فقد تكفل الله تعالى بأجر الصائمين، ولم يطلع عليه أحدا. كما جاء في الحديث القدسي عن أبي هريرة. رضي الله عنه. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قال الله تعالى: كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي، وأنا أجزي به، والصيام جنة». وهذا من فضل الله ورحمته بعباده الصائمين، ومن فيوضات الرحمن في شهر القرآن أن من صام رمضان تصديقا بوعد الله وطاعة لأمره سبحانه، متجردا من هوى نفسه، تاركا طعامه وشرابه طاعة لله وحبا، ورغبة في رضا الله تعالى، غفر الله ما تقدم من ذنوبه لما جاء في الحديث: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ». رواه البخاري، وهذه بشرى من فيوضات الرحمن في شهر القرآن لأهل القرآن والصيام، وما أعظمها من بشرى لكل مؤمن صام رمضان إيمانا واحتسابا، وكفى به فضلا من الله ورحمة للصائمين، وفي الحديث الآخر عَنْ أَبِي هُرَيْرَة أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ: «الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ، وَالْجُمْعَةُ إِلَى الْجُمْعَةِ، وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ، مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ إذَا اجْتَنَبَت الكَبَائِر». رواه مسلم. وقد ورد أن الصيام وكذا الصلاة والصدقة كفارة لفتنة الرجل في أهله وماله وجاره. فعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فتنة الرجل في أهله وماله وجاره تكفرها الصلاة والصيام والصدقة» رواه البخاري، ومسلم، فهنيئا للصائمين، الذين احتسبوا صيامهم لله رب العالمين، واستجابوا لأمر ربهم، فصاموا وقاموا وتصدقوا إيمانا بأوامر الرحمن، وتصديقا بوعده لهم، وما زالت فيوضات الرحمن في شهر القرآن للصائمين ، وهو سبحانه ذو الفضل العظيم، فمن قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه، أبشروا أيها الصائمون، إنه حقا شهر تتجلى فيه فيوضات الرحمن لمن صام نهار رمضان، وقام ليله، أبشروا بمغفرة للذنوب والنجاة يوم القيامة من الكروب، وجنة عرضها السموات والأرض أعدها الله لعبادة المؤمنين. عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ أنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال: «مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» رواه البخاري، كما أن الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، فيقول الصيام: أي ربي منعته الشهوات، فشفعني فيه، ويقول القرآن: أي ربي منعته النوم بالليل فشفعني فيه، فيشفعان. أي: يقبل الله شفاعتهما فيمن يشفعان فيه، فيا فوز الصائمين التالين لكتاب الله القائمين الليل وبالأسحار هم يستغفرون. ومن فيوضات الرحمن في شهر القرآن لعباده الصائمين من أمة محمد. صلى الله عليه وسلم. أن خصهم الله من بين الأمم بخمس خصال لم تكن لأمة من قبلهم. عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أعطيت أمتي في شهر رمضان خمساً لم يعطهن نبي قبلي، أما واحدة: فإذا كان أول ليلة من شهر رمضان نظر الله تعالى إليهم، ومن نظر الله إليه لم يعذبه أبداً، وأما الثانية: فإن خلوف أفواههم حين يمسون أطيب عند الله من ريح المسك، وأما الثالثة: فإن الملائكة تستغفر لهم في كل يوم وليلة، وأما الرابعة: فإن الله تعالى يأمر جنته فيقول لها: استعدي وتزيني لعبادي، أوشكوا أن يستريحوا من تعب الدنيا إلى داري وكرامتي، وأما الخامسة: فإنه إذا كان آخر ليلة غفر لهم جميعاً، فقال رجل من القوم: أهي ليلة القدر؟ قال: لا، ألم تر إلى العمال يعملون فإذا فرغوا من أعمالهم وفوا أجورهم». أخرجه البيهقي في شعب الإيمان. فاحرص أيها المسلم على إتمام الصيام والقيام لله رب العالمين، وتضرع إلى الله بالدعاء فإن دعوة الصائم لا ترد، فأكثر من الدعاء والذكر والاستغفار، والله غفور شكور.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك