تمثل الشركات العائلية حول العالم العمود الفقري للقطاع الخاص، حيث تشكل نحو 85% من الشركات المسجلة، وتسهم بنحو 70% من إجمالي الناتج العالمي، وتستحوذ على نحو 60% من حجم سوق العمل، وفي منطقة الشرق الأوسط فإن أكثر من 80% من القطاع الخاص عائلي، وتستحوذ الشركات العائلية على نحو 60% من حجم سوق العمل، و40% من الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي، و75% من استثمارات القطاع الخاص، وفي دول الخليج فإن الشركات العائلية تعد ركيزة أساسية من ركائز نمو الاقتصاد غير النفطي، وتسهم بشكل كبير في نمو الناتج المحلي الإجمالي وتوفير الوظائف بنسبة بلغت نحو 60% من إجمالي الناتج المحلي غير النفطي ونحو 80% من الفرص المهنية للكوادر البشرية.
وشكلت الشركات العائلية في دول الخليج فيما بينها في 2012 مجلس الشركات العائلية الخليجية، الذي يعد من أهم مقومات الوحدة الاقتصادية الخليجية، ويعمل هذا المجلس بشكل وثيق مع الشبكة العالمية للشركات العائلية التي تضم 60 دولة، وفي العام الماضي أطلق هذا المجلس جوائز الشركات العائلية الأولى في المنطقة، ضمن 4 فئات وهي: «الشركات العائلية الصغيرة والمتوسطة»، «مدير تنفيذي غير عائلي»، «مشروع الجيل القادم»، و«ابتكار الجيل القادم»، بهدف تكريم نجاح استمرار هذه الشركات عبر الأجيال، فضلًا عن تسليط الضوء على إنجازات هذه الشركات.
وهذا الدور الكبير للشركات العائلية في الاقتصاد الخليجي، جعل حكومات دول الخليج حريصة على استمراره، فمع التحدي الذي يواجه هذه الشركات، بعد انتقال الملكية من جيل إلى جيل، ومن إدارة إلى أخرى، والذي قد ينتج عنه عديد من الخلافات والنزاعات التي قد تهدد بقاء الشركة واستمراريتها، لجأت دبي مثلًا إلى تشكيل لجان قضائية خاصة، لحل تلك النزاعات التي تتسم بالخصوصية، والصفة الحساسة لمثل هذه الخلافات، وضرورة حلها حفاظًا على المصلحة الاقتصادية العامة وأهمية استمرارية هذه الشركات، في نفس الوقت الذي تحتفظ فيه بطابعها العائلي.
وبدأت الحاجة إلى تلك اللجان القضائية، من حاجة هذه الشركات إلى تطوير نظام حوكمة خاص بها، إذ غالبًا ما تفتقر تلك الشركات إلى توثيق يوضح كيفية إدارة أعمالها، وكيفية اتخاذ القرارات فيها، وما هو الاتجاه العام لأعمال الشركة، كما لا يتم توثيق اجتماعات الجمعية العمومية إذا انعقدت أصلًا، وكذلك اجتماعات مجالس الإدارة، وغالبًا ما يتم اتخاذ القرارات شفهيًا، كما افتقرت الأعمال الإدارية إلى التنظيم السليم، وكانت الثقة هي الأساس الذي بنيت عليه تلك الشركات.
افتقرت هذه الشركات أيضًا إلى هيكلية سليمة لشؤونها الإدارية، ولم يطرأ على عقد التأسيس أي تحديث منذ سنوات طويلة، كما غاب التدرج المهني في هيكل الشركة ولجانها، هذا فضلًا عن اعتماد الشركة الرئيسي في معظم أعمالها على المؤسس، فمعظم الإجراءات المتبعة -إن لم يكن كلها – بقيادة وتوجيه المؤسس من دون إشراك حقيقي لأفراد العائلة في عملية صنع القرار، أو حتى توظيف أفراد العائلة في أي جنب من جوانب العمل، إضافة إلى غياب التدريب الكافي والإعداد المسبق.
ولحل هذه الإشكاليات تقوم بعض الشركات العائلية بطرح أسهم للاكتتاب العام، كما قامت شركة «علي الغانم وأولاده للسيارات» في بورصة الكويت، ويمكن لهذا الاكتتاب العام أن يوفر مزيدا من الشفافية، ويحقق الحوكمة السليمة، كما يوفر نطاقا أوسع من الأسواق الخارجية المتنوعة، لتطوير الشركات العائلية، ومساعدتها في الوصول إلى العالمية، ومن هذه المبادرات أيضًا ما قام به مركز «دبي المالي العالمي»، حين أقام مركزًا عالميًا للشركات العائلية والثروة الخاصة، يساعد في حل مشاكل هذه الشركات ويقدم لها الخدمات الاستشارية.
وفي فبراير 2023 أصدر مركز «دبي المالي العالمي» لائحة القواعد والإجراءات لعمل الشركات العائلية، ما يرسخ قاعدة قانونية متينة لمركز الثروات العائلية في مركز دبي المالي العالمي، وتوفير إطار عملي ركز على إرساء مبادئ الشفافية والمساءلة والاستقرار، ويحقق توفير أعلى مستويات الإشراف والرقابة القانونية، كما توفر اللائحة إرشادات شاملة لآلية عمل الشركات العائلية التي تملك أصولًا وتدير أعمالها من مركز «دبي المالي العالمي».
ومن بين أقوى 100 شركة عائلية عربية في العام الماضي 2022، كان 89% منها يعمل في قطاعات متنوعة، وهيمنت الشركات السعودية على القائمة بـ 37 شركة، تليها الإمارات بـ 25 شركة، والكويت بـ 8 شركات، وشرعت بعض هذه الشركات في تغيير سياساتها المركزية في الإدارة، والفصل بين الملكية والإدارة، وبدأ بعضها في التخطيط للمستقبل، بعد إحجام الجيل الثالث وما بعده من العائلة عن إدارة العمل، بينما اتجه بعض آخر إلى إدراج شركاتها الرئيسية أو التابعة الكبرى في أسواق المال، والمعيار الذي تم على أساسه التصنيف، هو استثمارات الشركة، والنشاط التجاري، ومدى تنوع الأعمال، وأداء القطاعات الرئيسية في الشركة، وتاريخ الشركة وإرثها، وعدد الموظفين.
وفي السعودية، حيث تسهم الشركات العائلية بنحو (800 مليار ريـال) سنويًا في الناتج المحلي الإجمالي، طرحت وزارة التجارة والاستثمار ميثاق حوكمة الشركات العائلية، لمساعدتها على ترسيخ مبادئها والوصول إلى أهدافها والتغلب على المشكلات التي تهددها.
ويحدد هذا الميثاق؛ دور مساهمي العائلة في الإدارة التنفيذية للشركة، وكيفية سير المهام، واستراتيجية تقاسم الأرباح، وطريقة تداول الأسهم العائلية، على نحو يحول دون تحول ملكيتها إلى طرف خارج العائلة، وينظم طريقة فض النزاعات التي قد تنشأ بين أفراد العائلة، ويحدد شروط التوظيف لأي شخص ينتمي إلى العائلة، ووضع معايير مهنية وشخصية مؤهلة، وحدد لهيكلة الشركة جمعية عمومية، ومجلس إدارة، ومجلس العائلة الذي ينتخب سريًّا من كل أفراد العائلة ويمارس مهام استشارية ورقابية داخل الشركة.
ومن أبرز الشركات العائلية السعودية: مجموعة «يوسف ناعي» وتأسست في 1911، وشركة «الزامل القابضة» التي أنشئت في 1920، ومجموعتا «الزاهد» و«المهيدب» وتأسستا في 1943، ومجموعة «عبد اللطيف جميل» وتأسست في 1945، ومجموعة «الجفالي» وتأسست في 1946، ومجموعة «العليان» التي تأسست في 1947، وغدت توجد في عديد من بلدان العالم، ومجموعة «راشد عبد الرحمن الراشد وأولاده» ونشأت في 1950، وتضم نحو 26 شركة، ومجموعة «سدكو القابضة» وتأسست في 1976، ومجموعة «النهلة» وتأسست في 1996.
وفي الإمارات دخل قانون الشركات العائلية حيز التنفيذ في يناير الماضي، ووفر الإطار القانوني المطلوب، لضمان نمو الشركات العائلية وتنوع أنشطتها، وتيسير انتقالها من جيل إلى آخر، بما يضمن استمراريتها إلى ما بعد الجيلين الثالث والرابع، علمًا بأن 90% من إجمالي الشركات الخاصة في دولة الإمارات هي شركات عائلية وتنشط في مختلف المجالات، وتعد الإمارات بذلك الأولى عالميًا في إصدار تشريع متكامل لحوكمة الشركات العائلية، بعد أن أصبح نحو 47% من الشركات العائلية في الإمارات يديرها الجيل الثاني، وتعد الإمارات موطنا للشركات العائلية الكبرى في المنطقة.
وتسهم هذه الشركات بنحو 40% من الناتج المحلي الإجمالي، وتتوزع أبرز استثماراتها في قطاع العقارات والإنشاءات بنسبة 22%، وتجارة التجزئة 19%، والفنادق والمطاعم والسياحة 14%، والصناعة 10%، والتكنولوجيا والإلكترونيات 8%، والخدمات اللوجستية 7%، ويتصدر الشركات العائلية في الإمارات: مجموعة «ماجد الفطيم»، ومجموعة «الغرير»، ومجموعة «الفطيم»، ومجموعة «لولو العالمية»، ومجموعة «لاند مارك»، و«سعيد ومحمد النابودة القابضة»، ومجموعة «جمعة الماجد»، ومجموعة «سي.سي. لوتاه»، ومجموعة شركات «خليفة جمعة النابودة».
وفي الكويت تبرز مجموعة «الشايع» التي تأسست عام 1890، وشركة «صناعات الغانم» وتأسست عام 1932، ومجموعة «مراد يوسف بهبهاني» وتأسست عام 1935، ومجموعة «الملا» وتأسست عام 1938، و«الساير القابضة» و«بوداي كورب» وتأسستا عام 1954، و«بوخميس القابضة» وتأسست عام 1957، وعلى مدى تاريخ هذه الشركات كانت محركًا قويًا للاقتصاد الكويتي مستفيدة من قدراتها المالية المتميزة، وكما ذكرنا، فقد قامت مجموعة «الغانم» بإدراج أسهمها في البورصة، بما يحقق لها الاستمرارية عبر الأجيال، وتسهيل الحصول على تمويل، وتقييم سعر السهم بعدالة، وتحقيق سهولة الاستثمار في الشركة وسهولة التخارج منها، ويعمل على استقطاب الكفاءات، ويحقق شفافية أكبر وحوكمة أفضل، وإمكان تحقيق طفرات وتوسعات خارجية، وسهولة المقارنة مع المنافسين.
وكحالة باقي دول الخليج، ففي دولة قطر شركات عائلية قوية، حلت 7 منها في قائمة «فوربس الشرق الأوسط» لأقوى 100 شركة عائلية عربية لعام 2022، وضمت القائمة كل من «الفيصل القابضة»، و«باور انترناشيول القابضة»، ومجموعة «الفردان»، ومجموعة «المانع»، ومجموعة «الجيدة»، وشركة «أبو عيسى القابضة»، ومجموعة «المفتاح».
وفي تصنيف «فوربس الشرق الأوسط» أيضًا لعام 2022، جاءت 6 شركات عُمانية ضمن أقوى 100 شركة عائلية عربية، وضمت القائمة كلا من؛ مجموعة «سعود يهوان» في المركز 16، ومجموعة «سهيل يهوان» في المركز 18، ومؤسسة «الزبير» في المركز 32، وشركة «محمد البراوني القابضة» في المركز 62، ومجموعة «محسن حيدر درويش» في المركز 70، ومجموعة «دبليو جي تاول» في المركز 95.
ويغلب الطابع العائلي على نمط شركات القطاع الخاص، شأنها في ذلك شأن باقي دول الخليج، وفي 2019 أصدرت سلطنة عُمان قانون الشركات التجارية الذي سهل على الشركات العائلية التحول إلى شركات مساهمة عامة، حيث أدرك أن ذلك ضرورة حتمية لبقائها واستمرارها بنفس قوتها، حيث تشير الدراسات إلى أن أغلب الشركات العائلية لا يستمر أكثر من جيلين أو ثلاثة أجيال.
وفي مملكة البحرين تبرز مجموعة شركات «يوسف بن أحمد كانو» وشركات «يوسف خليل المؤيد وأولاده»، ومجموعة «عبد الله يوسف فخرو»، وشركة «استثمارات الزياني»، وشركة «عبد الله ناس»، وشركة «محمد جلال وأولاده»، وعلى مدى تاريخها لعبت تلك الشركات دورًا مميزًا في نهضة مملكة البحرين الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وتعد العمود الفقري في الشراكة الاستراتيجية التي تنتهجها حكومة المملكة مع القطاع الخاص في كل القطاعات التنموية.
فيما أكدت غرفة تجارة وصناعة البحرين دعم إدراج الشركات العائلية الكبيرة في بورصة البحرين، بما يسهم في الحفاظ عليها وإسهاماتها في الاقتصاد الوطني، وهو ما أبرزته مبادرة شركة «ناس» كأول شركة عائلية بحرينية تدرج في بورصة البحرين، ولدعم وتقديم الاستشارة الفنية للشركات العائلية مكنت المملكة ضمن نطاق المجتمع المدني من قيام الجمعية البحرينية للشركات العائلية، فيما تستضيف غرفة تجارة وصناعة البحرين المنتدى الخليجي للشركات العائلية في مارس الماضي، والذي يعمل كمنصة سنوية تجمع قادة السوق وصناع القرار مع أصحاب ورؤساء الشركات العائلية، ويسلط الضوء على التحديات والفرص التي تواجه هذه الشركات، بما يحقق أهدافها واستمرارية دورها المميز في الاقتصادات الوطنية، وتبني أفضل الممارسات في هذا الشأن، يذكر أن النسخة الأولى لهذا المنتدى قد عقدت في دبي 2006.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك