لكل نعمة أنعم الله تعالى بها على العباد عطاء، فللمال عطاء، وللعلم عطاء، وللعقل الراشد عطاء، وللوجاهة عطاء، بل للقبول الذي ينزله الحق سبحانه وتعالى عطاء!
من عطاء المال قبل التصدق منه أن يحرص العبد على أن يكون كسبه حلالًا، أي عن الطرق المشروعة التي شرعها الله تعالى لعباده المؤمنين، وذلك أن العبد حين ينوي إخراج زكاة ماله، فعليه أن يتحرى المال الحلال لأن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيبا، ونحن نعلم أن العبد سوف يُسأل يوم القيامة عن ماله سؤالين إجباريين، الأول: من أين اكتسبه، والسؤال الثاني: وفيم أنفقه، يقول صلوات ربي وسلامه عليه: «لن تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن عمره فيم أفناه؟ وعن علمه فيم فعل فيه؟ وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه؟ وعن جسمه فيم أبلاه؟» الحديث صحيح فًي الترغيب.
أما عن علمه، فسوف يُسأل سؤالًا واحدًا وهو: ماذا عمل به!، وكذلك سوف يُسأل عن عمره، وعن جسمه سؤالا واحدا لكل منهما.
وللعقل الراشد عطاء، فلا يستعمله ابتداءً في الشر، بل يحرص أشد الحرص على توجيهه إلى الخير، ويجنبه مزالق الشر والتعدي. وعليه أن يتحرى به مواطن النفع العام، فلا خير في عقل يزعم الرشاد ثم يقود صاحبه إلى ما يشين من الأقوال والأفعال.
والجاه عطاء، ومن عطاء الجاه والسلطان ألا يتوسل به صاحبه ومن وهبه الله تعالى شيئًا منه في الوقوف مع الظالمين ضد أصحاب الحقوق، وألا يشفع به لكل من يسيء إلى دينه وأمته، بل عليه أن يسارع ودون توانٍ إلى نجدة المظلومين وإنصاف أصحاب الحقوق.
أما عن عطاء العلم، فله أن يحصله من أي وعاء يخرج منه، لأن الحكمة- وهي جماع كل خير- ضالة المؤمن أنى وجدها، فهو أحق الناس بها لأنه يملك من موازين العدل والإنصاف ما يسدد خطاه، ويصحح توجهاته، ومع كل هذا، فله أن يجمع رحيق العلم من بساتين المعرفة.
إذًا، فإذا كان لصاحب النعم حقوق، فإن عليه واجبات يجب أن يؤديها من زكاة مشروعة، وحقوق أخرى تزيد على الزكاة تجبر النقص أو العجز إذا لم تف الزكاة بحاجات الناس الذين ذكرتهم آية الصدقات، (60) في سورة التوبة، يقول تعالى: (وفي أموالهم حق للسائل والمحروم) الذاريات / 19. لم يعرف الحق سبحانه وتعالى هذا الحق بأنه معلوم، بل ترك فضاءه مفتوحًا ليلبي حاجة ولاة الأمر عند الحاجة إليه. أما قوله تعالى في سورة المعارج: (وفي أموالهم حق معلوم (24) للسائل والمحروم (25)) وهذا وصف آخر، أو اسم آخر للزكاة المشروعة.
والعجيب أن الواجبات تسبق الحقوق إلا أن الحق سبحانه وتعالى أعطى بعض الحقوق للمزكي تشجيعًا له، واستنهاضًا لهمته ليعزم على الوفاء بما عقد عليه العزم، وأن يحرص أشد الحرص على أن يفي بما عاهد الله عليه، فأعطاه نعمة الكسب الحلال، ونعمة البركة في ماله وفي صحته، وفي راحة باله، وله بعد أن يوفي بعهده مع الله تعالى عطاء آخر أعظم أمرًا، وأوفى قدرًا، وسوف يجد سعادة في شعوره أنه ساهم في تخفيف بعض معاناة أصحاب الحقوق الذين ذكرتهم آية (60) من سورة التوبة في قوله تعالى: (إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم).
وإذا كان من ذكرتهم سورة التوبة هم من أصحاب الحقوق (التوبة / 60) في أموال الأغنياءً فما حقوق أصحاب المال في الإسلام، ولأن الفقراء والمساكين لا يملكون مالًا ولا جاهًا وليس إلا الدعاء، فالله تعالى قد جمع ما يعود على الأغنياء من خير في قوله تعالى: (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم والله سميع عليم) التوبة / 103.
إذًا، فمن الحقوق التي سوف يحصل عليها المزكي من الله تعالى: قوله سبحانه: (تطهرهم وتزكيهم بها، وصل عليهم)! والتطهير هنا هو تطهير القلب من حب المال، وتطهير المال مما قد شابه من شوائب، ثم تطهير قلوب الفقراء والمساكين من الحسد والبغضاء، ثم يندرج تحت وتزكيهم بها، تزكية في المال بزيادة قوته الشرائية، ثم العطاء الأعظم في قوله تعالى: وصل عليهم: أي ادع لهم يا محمد (صلى الله عليه وسلم)، ودعاء الرسول (صلى الله عليه وسلم) مقبول لا محالة، فانظر عزيزي المؤمن كل هذه البركات والأعطيات التي تبدأ قبل الزكاة وبعدها، ولا يوجد عطاء قبل العمل إلا في الإسلام لأن الله تعالى يعطي على النيات.
هذا هو الإسلام، وهذه هي نظرته إلى المال، وهذا هو دور المال ووظيفته في المجتمع الإسلامي من رعاية الحقوق والواجبات.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك