يتبادر إلى أذهاننا عندما نتحدث عن مصطلح (رشيق) أنه ذلك الجسم الرياضي الممشوق الذي يتميز بخفة الحركة والجمال، وإذ كنا نعرف اليوم أنه حتى يكتسب الإنسان مثل ذلك الجسم فإنه حتمًا سيحتاج إلى الالتزام بالتمارين الرياضية وممارسة نمط الحياة الصحية، وما إلى ذلك، وهذا بالضبط ما تحتاجه الإدارة الكارثية أو التقليدية حتى تتحول إلى إدارة رشيقة، فما الإدارة الرشيقة؟ وكيف نتحول إلى هذه النوعية من الإدارة المستدامة؟
ما الإدارة الرشيقة؟
تعرف بعض الدراسات الإدارة الرشيقة أنها قدرة المؤسسة على الأداء الإداري الذي يتميز بسرعة الاستجابة، وسرعة تعديل أسلوب العمل بصورة تتناسب مع متطلبات التغيير، وهي المنهج الإداري الذي يركز على القيم والانسياب والاستقطاب، والسعي نحو الكمال من خلال عمل الفريق، إضافة إلى حسن استخدام الحقائق والبيانات، وسرعة التجاوب مع التحديات والفرص التي تتاح من أجل تحقيق أفضل المخرجات للعملاء، والتخلص الكلي ما أمكن من كل أنشطة لا تمثل أي قيمة مضافة للعمل أو العميل.
كما أنها في بعض الدراسات النهج الإداري الذي يدعم مفهوم التحسين المستمر، وهو نهج طويل الأجل للعمل يسعى بشكل منهجي إلى تحقيق تغييرات صغيرة وتدريجية في العمليات من أجل تحسين الكفاءة والجودة. وتشير تلك الدراسات إلى أن الغرض الأساسي من الإدارة الرشيقة هو إنتاج قيمة للعميل من خلال تحسين الموارد وإنشاء سير عمل ثابت بناءً على متطلبات العملاء الحقيقية، وتسعى هذه المنظومة الإدارية إلى القضاء على أي إهدار للوقت أو الجهد أو المال من خلال تحديد كل خطوة في عملية تجارية ثم مراجعة أو استبعاد الخطوات التي لا تنشئ قيمة.
ودراسة أخرى تشير إلى أن فكرة الإدارة الرشيقة تنطلق من مبدأ رفض قبول الهدر، لذلك تعرف هذه المنظومة أنها تهتم بإزالة كل أشكال الهدر الموجودة في جميع عمليات الإنتاج، وذلك بممارسة سياسة للتطوير الدائم داخل المؤسسة. لذلك فهي مجموعة من الأفعال التي يجب القيام بها بشكل صحيح وفق تتابع صحيح في الوقت الصحيح لإيجاد قيمة من أجل عمل معين. وتبين كل تلك الدراسات إلى أن هذه المنظومة الإدارية تركز على محورين رئيسيين هما:
* إزالة كل أشكال الهدر داخل المؤسسة.
* التطوير الدائم والتحسين المستمر لكل الأنشطة.
ومن الجدير بالذكر إن هاتين النقطتين يلخصان المرتكزات الأساسية التي تقوم عليها منظومة الإدارة الرشيقة.
وفي دراسة أخرى فقد ركزت على مبدأ احترام الإجراءات والوقت في العمل لتقديمه وفق ما هو مطلوب وفي الوقت المناسب والحصول على الإضافة المرجوة بالجودة المطلوبة.
كما أن هناك من يرى أن نظام الإدارة الرشيقة يقوم على فلسفة الاقتصاد في الموارد كمرتكز رئيسي للعمليات الإنتاجية، ولكن من دون المساس بمستوى الجودة المطلوب، حيث يُعرف أيضًا على أنه نظام يهتم بالبحث عن كيفية استعمال كمية قليلة من الموارد البشرية والمادية من أجل إنتاج منتوج ذي جودة عالية، وبأقل التكاليف الممكنة وفي أقل الأوقات.
وببساطة، فإن الإدارة الرشيقة تعني إنجاز الأعمال وتحقيق الأهداف بأقل تكلفة، أقل جهد، أسرع فترة زمنية ممكنة، صفرية الأخطاء، صفرية المخزون.
زيادة الإنتاجية، أتمتة العمليات الإدارية والتشغيلية، والتحسين المستمر.
الرشاقة والسرعة في كل العمليات والوظائف والمهارات الإدارية.
يحقق سعادة العميل الداخلي والخارجي، ويحقق أعلى عائد لأصحاب المصلحة.
لذلك يمكننا القول إن أهم المرتكزات الأساسية للإدارة الرشيقة، هي: الرشاقة والسرعة في عملية التفكير والسهولة والبساطة في وضع الحلول التي تلامس الواقع وتحسن الأداء وتطوره لدرجة الكمال. فكلنا نعلم أن الأشياء الهشة عندما تتعرض للضغط والقوة تصبح أضعف وربما تنكسر، أما الأشياء المرنة فتنحني ثم تعود إلى حالتها الأصلية، أما الأشياء الرشيقة فإنها تزداد قوة، وهكذا هي المؤسسات ذات الإدارة الرشيقة فهي تزدهر على الرغم من كل المتغيرات وتصبح أقوى وتصبح مصدرًا لميزة تنافسية حقيقية.
مقارنة ما بين الإدارة التقليدية والإدارة الرشيقة
وحتى نستوعب مفهوم منظومة الإدارة الرشيقة دعونا نحاول – ببساطة – أن نقارن بينها وبين الإدارة التقليدية، التي نعرفها جميعًا.
نجد أن الادارة التقليدية تقسم الناس في المؤسسة إلى إداري وموظف، فالناس في الإدارة وخاصة في الإدارة العليا وظيفتهم التفكير والتخطيط الاستراتيجي، وحل المشكلات ووضع السياسات وما إلى ذلك، وأما غيرهم من الموظفين فإن عملهم التنفيذ لهذه السياسات فقط. فالمديرون والمسؤولون هم فقط من لديهم الصلاحيات لاتخاذ القرارات وأن تتعامل بسرية مع كثير من المعلومات التي يجب ألا يعلمها إلا من لديه التصريح لذلك، والدور الأساس للإدارة هو تحقيق الربح وتعظيم الفوائد أيًا كان نوعها، مع الاحتفاظ بالكراسي.
أما الإدارة الرشيقة فإنها ببساطة تهدم هذا الفكر وتعامل الناس العاملين في المؤسسة وإن كانوا في أرض المؤسسة باحترام أكبر وتتطلع إلى الاستفادة من أفكارهم، وتوفر بيئة عمل يشعرون فيها بدورهم ومسؤوليتهم في تطوير العمل وحل مشاكله لتحقيق إنتاجية أعلى وسلاسة في عملياتها، بلا هدر ولا جهد يضيع بلا قيمة حقيقة للعميل.
وكذلك فإن التعلم المستمر المستدام في هذه النوعيات من بيئة العمل سمة أساسية تبرز في ممارسات يتبناها أصحاب هذه المدرسة، من ذلك أسلوب يسمونه (العمل بصورة فرق العمل) فلا يوجد اعتمادية أحادية أو على شخصية جامعة للخبرة والمعرفة، ففرق العمل هي المكلفة بالعمل أو بالمشروع، هذه الفرق تكون صغيرة في عددها، إلا أنها تملك جميع المهارات المطلوبة لإنجاز العمل المطلوب، ولديها صلاحيات كاملة في كيفية إدارة عملها بينها بلا تدخل أو توجيه من خارجها، وتراجع نفسها باستمرار لتحسين طريقة عملها، والإنجاز يكون في جولات قصيرة ما بين أسبوع إلى أسبوعين مثلاً يسمونها (التكرار)، بحيث يتم عرض ما تم إنجازه على العميل ومالك المنتج لتلقي رأيهم ومتطلباتهم بحيث يتم عمل أي تغيير أو إضافة مطلوبة بسرعة، وهكذا يتم بناء العمل بصورة ديناميكية بحيث كل جولة من جولات العمل تلبي احتياجات العميل وطلبات التغيير بسرعة وفعالية، لذلك فإن أعلى أولويات فريق العمل هو تقديم منتج وخدمة نافعة للعميل تُفرحه وتدهشه بصورة سريعة ومتكررة للاستفادة من ملاحظاته والعمل على متطلباته.
المسؤول في هذه المنظومة الإدارية ليس شخصًا يأمر وينهي ويتمتع بمكتب فاخر في أفضل زوايا المؤسسة، بل هو عضو في المؤسسة، دوره الأساس خدمة العاملين، وفي فرق العاملين وتوفير بيئة عمل يمكّنهم من التفكير والإنجاز، فالدور القيادي للمسؤول هو ما قالته العرب (سيدُ القومِ خادمُهم) منطبقة في الإدارة الرشيقة.
من أين جاءت الفكرة؟
يعتقد – كما وجدنا من خلال البحث – أنه في أواخر الأربعينيات من القرن العشرين، عندما وضعت تويوتا أسس التصنيع، كانت تهدف إلى تقليل العمليات التي لا تحقق قيمة للمنتج النهائي والخالي من الهدر وكان هدفهم في المرتبة الأساسية تقليل العمليات التي ليس لها قيمة للمنتج النهائي. ومن خلال القيام بذلك، نجحوا في تحقيق تحسينات كبيرة في الإنتاجية والكفاءة ووقت الدورة وكفاءة التكلفة.
وبفضل هذا التأثير الكبير، انتشرت فكرة الإنتاج الخالي من الهدر في عديد من الصناعات ودشنت المبادئ الأساسية الخمسة للإدارة الرشيقة، وهذا موضوع آخر يمكن أن نتحدث فيه لاحقًا.
بفضل هذا التأثير الملحوظ، انتشر التفكير المرن أو الرشيق عبر عديد من الصناعات وتطور إلى خمسة مبادئ أساسية للإدارة الرشيقة كما وصفها معهد الإدارة الرشيقة. وفي الواقع، مصطلح الإدارة الرشيقة ابتكره (John Krafcik) وهو حاليًا الرئيس التنفيذي لمشروع (Google) للسيارات ذاتية القيادة (Waymo) إذ أطلقها في مقالته التي نشرها عام 1988 بعنوان (انتصار نظام الإنتاج الرشيق).
ومن الجدير بالذكر أن على كل مؤسسة قبل أن تبدأ بمبادئ الرشاقة الأساسية، عليها أن تدرك أن منهجية الرشاقة تدور حول التحسين المستمر للعمليات والأغراض والأشخاص، بدلاً من السيطرة الكاملة على العمليات وإبقاء الضوء مسلطًا، وهذا يعني أن الإدارة الرشيقة تشجع المسؤولية المشتركة والقيادة المشتركة.
وفي عام 2003، نشرا (ماري وتوم بوبينديك) كتابهما (تطوير البرمجيات: مجموعة أدوات رشيقة)، يصف الكتاب كيف يمكنك تطبيق المبادئ الأولية لمنهجية الرشاقة على تطوير البرمجيات.
ثم طور (إريك ريس)، وهو مهندس ورائد أعمال، منهجية قائمة على مبادئ الرشاقة لمساعدة المؤسسات الناشئة على النجاح. وفي عام 2011، حزم أفكاره في كتاب بعنوان تدشين الإدارة الرشيقة (The Lean Startup)، والذي يتكون المفهوم من خمسة مبادئ أساسية تهدف إلى مساعدة المؤسسات الناشئة على أن تكون أكثر مرونة واستجابة للتغييرات.
ومن وجهة نظر الأعمال، يجب على الإدارة الرشيقة تقصير دورات تطوير المنتج واكتشاف ما إذا كان مفهوم عمل معين قابلاً للتطبيق، ويتم استخدام هذه المنهجية أيضًا من قبل الهياكل الحكومية والمتخصصين في التسويق وغيرهم.
ويمكن أن نلاحظ أن الادارة الرشيقة لم تولد في لحظة، وإنما كانت فكرة ومنهجية متطورة مستدامة يمكن اعتمادها في عديد من المؤسسات، فهو يتطور تدريجيًا بفضل عديد من الملاحظات ورغبة الناس في التحسين المستمر.
ولنا لقاء آخر
Zkhunji@hotmail.com
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك