العدد : ١٧٠٤٦ - السبت ٢٣ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢١ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٦ - السبت ٢٣ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢١ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

صراع المصالح في الحرب السودانية

بقلم: فاروق يوسف

الأحد ٣٠ أبريل ٢٠٢٣ - 02:00

دولة‭ ‬بجيشين‭ ‬هي‭ ‬بالتأكيد‭ ‬دولة‭ ‬برأسين‭. ‬أما‭ ‬أن‭ ‬يُقال‭ ‬إن‭ ‬أحدهما‭ ‬وطني‭ ‬فذلك‭ ‬أمر‭ ‬يصعب‭ ‬التثبت‭ ‬منه‭. ‬ولكن‭ ‬ما‭ ‬من‭ ‬ضرورة‭ ‬وطنية‭ ‬توجب‭ ‬إنشاء‭ ‬جيشين‭ ‬يتجسس‭ ‬أحدهما‭ ‬على‭ ‬الآخر‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬ألا‭ ‬يغلبه‭.‬

سيكون‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬حدود‭ ‬الوطن‭ ‬وهي‭ ‬المهمة‭ ‬الرئيسية‭ ‬للجيش‭ ‬غائبة‭ ‬لدى‭ ‬الطرفين‭ ‬اللذين‭ ‬يبني‭ ‬كل‭ ‬واحد‭ ‬منهما‭ ‬وجوده‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬الآخر‭. ‬فوجود‭ ‬جيشين‭ ‬يستدعي‭ ‬وجود‭ ‬وطنين‭ ‬وشعبين‭ ‬ومصيرين‭ ‬ومستقبلين‭ ‬وأرضين‭ ‬وسلاحين‭ ‬وقائدين‭.‬

بوجود‭ ‬جيشين‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬واحدة‭ ‬فإن‭ ‬فكرة‭ ‬الحرب‭ ‬ليست‭ ‬مستبعدة‭. ‬فالحروب‭ ‬هي‭ ‬مهنة‭ ‬الجيوش‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬حديث‭ ‬عن‭ ‬الإعمار‭ ‬فإنه‭ ‬يرد‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬الاستثناء‭ ‬لا‭ ‬القاعدة‭.‬

لم‭ ‬يخرج‭ ‬السودان‭ ‬من‭ ‬عنق‭ ‬الزجاجة‭ ‬ولن‭ ‬يتأتى‭ ‬له‭ ‬القيام‭ ‬بذلك‭ ‬لأسباب‭ ‬كثيرة‭ ‬في‭ ‬مقدمتها‭ ‬وجود‭ ‬جيشين‭. ‬كان‭ ‬متوقعا،‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬أمر‭ ‬طبيعي‭ ‬أن‭ ‬يدخل‭ ‬الجيشان‭ ‬في‭ ‬حرب‭ ‬تقضي‭ ‬على‭ ‬أمل‭ ‬تحرر‭ ‬السودان‭ ‬من‭ ‬زمنه‭ ‬المغلق‭.‬

الحكاية‭ ‬تاريخية‭. ‬لقد‭ ‬ترك‭ ‬جعفر‭ ‬النميري‭ ‬وراءه‭ ‬دولة‭ ‬معاقة،‭ ‬كانت‭ ‬جماعة‭ ‬الإخوان‭ ‬التي‭ ‬احتضنها‭ ‬في‭ ‬نهاياته‭ ‬تحيط‭ ‬بها‭ ‬وتتوق‭ ‬منذ‭ ‬زمن‭ ‬بعيد‭ ‬إلى‭ ‬الهيمنة‭ ‬عليها‭.‬

هناك‭ ‬خلط‭ ‬للأوراق‭ ‬لم‭ ‬يستطع‭ ‬الشعب‭ ‬في‭ ‬غالبيته‭ ‬أن‭ ‬يفكك‭ ‬أسراره‭ ‬ويقبض‭ ‬على‭ ‬مفاتيحه‭. ‬أما‭ ‬حين‭ ‬قفز‭ ‬حسن‭ ‬البشير‭ ‬إلى‭ ‬السلطة‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬مرشده‭ ‬حسن‭ ‬الترابي‭ ‬حاضرا‭ ‬لكي‭ ‬يرسي‭ ‬دعائم‭ ‬دولة‭ ‬إخوانية‭ ‬لم‭ ‬تتراجع‭ ‬حتى‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تم‭ ‬التخلص‭ ‬من‭ ‬الترابي‭ ‬بنفيه‭ ‬إلى‭ ‬الخارج‭.‬

في‭ ‬ظل‭ ‬الدولة‭ ‬الإخوانية‭ ‬ارتكبت‭ ‬المليشيات‭ ‬وهي‭ ‬جيش‭ ‬لا‭ ‬ينقصه‭ ‬شيء‭ ‬أبشع‭ ‬المجازر‭ ‬في‭ ‬حق‭ ‬سكان‭ ‬إقليم‭ ‬دارفور‭. ‬ما‭ ‬نفع‭ ‬أن‭ ‬يُحاكم‭ ‬البشير‭ ‬في‭ ‬الجنائية‭ ‬الدولية‭ ‬والمليشيات‭ ‬التي‭ ‬ارتكبت‭ ‬جرائمه‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬تعمل‭ ‬على‭ ‬الأرض‭.‬

هل‭ ‬كان‭ ‬البشير‭ ‬الرأس‭ ‬المدبر؟‭ ‬أشك‭ ‬في‭ ‬ذلك‭. ‬فالمسألة‭ ‬لم‭ ‬يخترعها‭ ‬البشير‭ ‬وإن‭ ‬تبناها‭. ‬تتخطاه‭ ‬المسألة‭ ‬وتتخطى‭ ‬زمنه‭ ‬وهي‭ ‬تعود‭ ‬إلى‭ ‬موقف‭ ‬معاد‭ ‬لوجود‭ ‬دولة‭ ‬قوية‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬تصريف‭ ‬شؤون‭ ‬مواطنيها‭ ‬بإرادة‭ ‬مستقلة‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬هناك‭ ‬خوف‭ ‬من‭ ‬جيش‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬ينقلب‭ ‬عليها‭ ‬في‭ ‬أيّ‭ ‬لحظة‭.‬

لقد‭ ‬وعد‭ ‬العسكر‭ ‬المدنيين‭ ‬بالشراكة‭ ‬فإذا‭ ‬بهم‭ ‬يتقاتلون‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬بينهم‭. ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬السودان‭ ‬بغض‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬وعوده‭ ‬سيظل‭ ‬عاجزا‭ ‬عن‭ ‬ضبط‭ ‬ساعته،‭ ‬إما‭ ‬أن‭ ‬يرقد‭ ‬السوداني‭ ‬في‭ ‬انتظار‭ ‬فرج‭ ‬يأتيه‭ ‬من‭ ‬الغيب‭ ‬أو‭ ‬ينفجر‭ ‬ليصنع‭ ‬مشهدا‭ ‬انتحاريا‭.‬

ومَن‭ ‬يصدّق‭ ‬أن‭ ‬حربا‭ ‬بين‭ ‬جيشي‭ ‬السودان‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تقوم‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬هناك‭ ‬مصالح‭ ‬لدول‭ ‬كبرى‭ ‬فهي‭ ‬لا‭ ‬تعرف‭ ‬ما‭ ‬السودان‭. ‬وقد‭ ‬تجهل‭ ‬الأغلبية‭ ‬من‭ ‬السودانيين‭ ‬وسط‭ ‬ذهول‭ ‬الحرب‭ ‬أن‭ ‬بلادهم‭ ‬غنية‭ ‬بالمعادن‭ ‬النفيسة‭ ‬التي‭ ‬يسيل‭ ‬لها‭ ‬لعاب‭ ‬الدول‭ ‬الكبرى‭.‬

هل‭ ‬يلعب‭ ‬الجيشان‭ ‬دور‭ ‬الحرس‭ ‬الذي‭ ‬يدافع‭ ‬عن‭ ‬مصالح‭ ‬قوى‭ ‬مختلفة،‭ ‬بما‭ ‬يؤكد‭ ‬أن‭ ‬الحرب‭ ‬الأهلية‭ ‬بمفهومها‭ ‬التقليدي‭ ‬قد‭ ‬تم‭ ‬استبعادها‭ ‬لصالح‭ ‬حرب‭ ‬بالوكالة؟

السودان‭ ‬وشعبه‭ ‬هما‭ ‬ضحية‭ ‬تاريخه‭ ‬السياسي‭ ‬الحديث‭ ‬الذي‭ ‬تدخلت‭ ‬في‭ ‬بنائه‭ ‬مصالح‭ ‬دول‭ ‬قررت‭ ‬أن‭ ‬ترعى‭ ‬مصالحها‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬البلد‭ ‬بسرية‭ ‬مطلقة‭. ‬الخلاف‭ ‬على‭ ‬السلطة‭ ‬مسألة‭ ‬يمكن‭ ‬تداركها‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬الدخول‭ ‬في‭ ‬حرب‭ ‬تعقّد‭ ‬المشهد‭ ‬السياسي‭. ‬فمن‭ ‬الثابت‭ ‬ألا‭ ‬أحد‭ ‬سينتصر‭ ‬في‭ ‬الحرب‭. ‬ولكن‭ ‬هناك‭ ‬مَن‭ ‬سيفرض‭ ‬شروطه‭. ‬وهو‭ ‬بالتأكيد‭ ‬لن‭ ‬يكون‭ ‬سودانيا‭. ‬الجيشان‭ ‬أداتان‭ ‬لاستعمار‭ ‬من‭ ‬نوع‭ ‬مختلف‭. ‬هو‭ ‬استعمار‭ ‬المصالح‭. ‬غير‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬فجوة‭ ‬في‭ ‬حياة‭ ‬السودانيين‭ ‬تمنعهم‭ ‬من‭ ‬رؤية‭ ‬الحقيقة‭ ‬وهي‭ ‬الفجوة‭ ‬الإخوانية‭.‬

يقف‭ ‬الإخوان‭ ‬بين‭ ‬السودانيين‭ ‬ورؤية‭ ‬الحقيقة‭ ‬لأنهم‭ ‬يستفيدون‭ ‬من‭ ‬صراع‭ ‬يضعف‭ ‬القوى‭ ‬السياسية‭ ‬المحيطة‭ ‬بهم‭ ‬ويبقيهم‭ ‬أقوياء‭. ‬يحلم‭ ‬الإخوان‭ ‬في‭ ‬الاستيلاء‭ ‬على‭ ‬السلطة‭ ‬للتفاوض‭ ‬مع‭ ‬الدول‭ ‬الكبرى‭ ‬لإدارة‭ ‬مصالحها‭ ‬في‭ ‬السودان‭.‬

يضحك‭ ‬البعض‭ ‬على‭ ‬نفسه‭ ‬حين‭ ‬يتخيل‭ ‬أن‭ ‬الصراع‭ ‬بين‭ ‬جيشي‭ ‬السودان‭ ‬إنما‭ ‬هو‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬الصراع‭ ‬على‭ ‬السلطة‭. ‬لقد‭ ‬انتقل‭ ‬حميدتي‭ ‬والبرهان‭ ‬من‭ ‬المشاركة‭ ‬إلى‭ ‬الصراع‭ ‬المسلح‭. ‬لم‭ ‬يقع‭ ‬ذلك‭ ‬بالصدفة‭. ‬سلسلة‭ ‬من‭ ‬العلاقات‭ ‬المعقدة‭ ‬تقف‭ ‬وراء‭ ‬ذلك‭ ‬الصراع‭ ‬لا‭ ‬تمتّ‭ ‬بصلة‭ ‬لصراع‭ ‬على‭ ‬السلطة‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬شعارا‭ ‬زائفا‭. ‬فالسلطة‭ ‬مسألة‭ ‬حُسمت‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬بينهما‭ ‬منذ‭ ‬سنوات‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬معروف‭.‬

بالحرب‭ ‬التي‭ ‬يخوضها‭ ‬جيشا‭ ‬السودان‭ ‬تضع‭ ‬الدول‭ ‬الكبرى‭ ‬مصالحها‭ ‬فوق‭ ‬مصير‭ ‬الشعوب‭. ‬وما‭ ‬من‭ ‬حقيقة‭ ‬سياسية‭ ‬داخلية‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬دليلا‭ ‬للوصول‭ ‬إلى‭ ‬جوهر‭ ‬أزمة‭ ‬سودانية‭ ‬المعنى‭. ‬أزمة‭ ‬السودانيين‭ ‬أنهم‭ ‬صاروا‭ ‬حرسا‭ ‬على‭ ‬أرضهم‭ ‬لمصالح‭ ‬الدول‭ ‬الكبرى‭ ‬وهو‭ ‬يحاربون‭ ‬دفاعا‭ ‬عن‭ ‬تلك‭ ‬المصالح‭.‬

{ كاتب‭ ‬عراقي

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا