استسهل البعض تفسير المواجهات التي تجري في السودان واختزلها في «التدخل الخارجي»، في حين أن الواقع يقول إن هذه المواجهات سببها الأساسي داخلي، نتيجة سوء إدارة المرحلة الانتقالية وأخطاء جسيمة ارتكبها الجميع.
صحيح أن هشاشة الوضع الداخلي والصراع المسلح الحادث الآن سيشجع القوى الكبرى والإقليمية على التدخل، ليس بالضرورة بغرض إذكاء الصراع، وإنما من أجل إنهائه لصالح الطرف الذي تدعمه هذه القوى.
يقينا التدخل الخارجي حاضر في عديد من الصراعات الدولية، ولكن في كثير من التجارب العربية أتى لاحقا أو نتيجة للأزمة الداخلية التي تشجع الأطراف الخارجية على التدخل، وعادة ما يكون تدخلها «غير حميد» وتُعقّد الوضع ولا تحله.
فبعد تجارب مريرة وفاشلة للتدخل الخارجي السافر في العالم العربي، مثلما جرى في العراق، وكانت نتائجه كارثية على الجميع، عدلت القوى الخارجية، خاصة الولايات المتحدة، من أدواتها، ولم تعد حريصةً على أن تصنع بنفسها أي تغيير، إنما تجعله لا يتناقض مع استراتيجيتها الكونية ولا يمثل تهديداً لأمن إسرائيل، أما التفاصيل فلم تعد تعنيها كثيراً وتركتها للفاعلين المحليين.
ولذا فإن الثورة السودانية كانت نتاج عوامل داخلية بالأساس، وأن تعثر مسارها الانتقالي كان أساساً بسبب أداء قوى الداخل وأخطاء جسيمة وقع فيها المكونان المدني والعسكري، وأدت إلى هذه النتائج.
لقد عرف السودان واحدة من أطول التجارب الانتقالية في العالم (4 سنوات تم تمديدها بعد ذلك عقب الاتفاق الإطاري سنتين)، رُحلت القضايا الجوهرية مثل توحيد المؤسسة العسكرية، وانشغلت بالتوقيع على اتفاقات «الأمر الواقع» التي تقوم على المواءمة بين الجيش والدعم السريع من جهة، والمحاصصة بين القوى السياسية من جهة أخرى، وهى صيغة كانت حبلى بالتناقضات التي تفجرت في النهاية في وجه الشعب السوداني.
صحيح أن هناك مبعوثا أمميا للسودان، كما هو الحال في ليبيا واليمن، لم يكن هو سبب الأزمة التي لم يستطع حلها أيضاً، وهناك دور للرباعية في التوفيق بين المكونات المختلفة لم يحقق نجاحاً ملموساً نتيجة عمق الخلافات الموجودة بينها، بما يعني أن حضور الخارج كان تالياً للتفاعلات الداخلية.
يقيناً الخارج ليس حَمَلاً وديعاً، والدول لا تُدار بمنطق الجمعيات الخيرية، إنما تعمل على تحقيق مصالحها بأدوات ناعمة بالأساس وخشنة إذا اضطرتها الظروف، وأنها تنتظر عادة هشاشة الوضع الداخلي لتدخل فيه.
ما جرى في السودان دوافعه الأساسية داخلية، صحيح أن هذه المواجهات ستُعظم من فرص التدخل الخارجي، وستزيد من حجم المتربصين بالبلد، وأن هناك أطرافاً كانت مستبعدة من المسار الانتقالي، مثل روسيا والصين، ستسعى عقب تفجر الوضع إلى التدخل في الساحة السودانية، وهي كلها أمور لا تُنبئ بخير إلا إذا وعى طرفا النزاع أنه لا حل إلا بالجلوس مرة ثانية بشروط جديدة على طاولة المفاوضات.
{ كاتب وباحث في العلوم السياسية
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك