تحتفل عديد من الدول بيوم العمّال في الأول من شهر مايو ، فهو يعد عطلة رسمية في أكثر من 100 دولة حول العالم، تأكيداً لحقوق العمال وتكريماً لجهودهم في عملية البناء والتنمية. وتخصص عديد من المنظمات الدولية هذا اليوم للتوعية بحقوق العاملين والعاملات وتسليط الضوء على أهم القضايا التي تشغلهم.
ويشغل موضوع المرأة العاملة والقضايا المرتبطة بها وتحديداً ما يعرف بالإجهاد المهني، بال الكثير من المختصين في فروع علمية مختلفة، وذلك لما له من آثار سلبية على الفرد والمؤسسات على حد سواء.
وقد شكل النهوض بواقع المرأة وتعزيز قدراتها وتمكينها من التعليم والعمل والمشاركة اتجاها جاداً في المجتمعات العربية بوجه عام، وفي مملكة البحرين صارت المرأة البحرينية عنصراً رئيسياً ومكوناً مهماً في عملية التنمية منذ مطلع الثلاثينيات، وامتدت مساهماتها حتى الآن في جميع نواحي الحياة العامة، بما في ذلك السياسية، والتنمية الاجتماعية والأعمال وغيرها. الأمر الذي أدى إلى تحقيق مكاسب كبيرة، إذ فضلا عن الاستفادة من المرأة في المشاركة وصنع الحياة، فإن اشتغالها أسهم في ارتقاء العلاقات الإنسانية، وأصبح للمرأة كيان مستقل حيث إن العمل يحقق للمرأة إشباعا نفسياً واجتماعياً، وشعوراً بالقيمة والمكانة، والأمن الاقتصادي.
إذاً هذا ما يحتاجه المجتمع الآن؛ المرأة القادرة على تأدية عملها وتحمل مسؤولياتها الأسرية والمهنية والاجتماعية. هذه التغييرات الجديدة فرضت على المرأة أدواراً في حياتها إضافة إلى أدوارها التقليدية. ومـع الضـغوط البيولوجية الثابتة لديها، تفاعلت معها ضغوط زواجية وأسرية واجتماعيـة ووظيفيـة. وأصبحت عرضة بشكل مستمر للمواقف الضاغطة، وبالتـالي صارت فرصة التعرض للإجهاد وللإنهاك العاطفي والاستنزاف الجسدي والنفسي، كبيرة.
إن الضغوط تعد أمراً من واقع الحيـاة اليوميـة. وكل فرد منا يعاني من ضغوط مختلفة من حين إلى آخر. وتشعر المرأة العاملة والمرأة الأم، بالضغط لكونها مثقلة بالأعباء، وما يتطلـبه القيـام بالواجبـات اليوميـة من جهـد عـال، وفي الغالب يكـون مصـدر هـذه الضـغوط متطلبـات أو ضـغط العمـل أو العلاقـة مـع الأهـل أو شـريك الحيـاة، أو بـذل مجهـود مـع الأبناء.
فالقليل من الضغط ليس بمشكلة ولكن الضغط الشديد غالباً ما يؤثر في الجسد، ويظهر على شكل مشاعر غير مريحة «ثقل في الصدر تيبس العضلات اضطراب المعدة» والبعض الآخر يصابون بأعراض جسدية مثل «التهابات أو مشاكل في الأمعاء». ويمكن أن تصل الآثار إلى قلة التركيز ونوبات غضب سريعة بالإضافة إلى مشاعر الحزن والغضب والقلق، وذلك كله يجر الكثير من الأفكار السالبة في أحداث أو مواقف وقعت، أو في أمور يخشون حدوثها في المستقبل، وهو حتماً من أعراض الاحتراق أو الإجهاد النفسي.
وفي السياق نفسه بينت الكثير من الدراسات المهتمة بعمل المرأة، بأن الضغط النفسي الناتج من الإجهاد المهني لدى النساء العاملات يأتي على عدة مستويات شخصية ومهنية، أما المستوى الشخصي فهو شعورها بالإعياء وقلة النوم، والإنهاك...إلخ. أما على المستوى المهني، فتنعكس زيادة شعورها بالإجهاد في تفاقم المشكلات التنظيمية مثل: كثرة الشكاوى، أخطاء العمل المتكررة، ضعف الأداء، تنامي معدل التقاعد المبكر.
بطبيعة الحال، تعددت مسؤوليات المرأة بعد خروجها للعمل، وترتب عليه لاحقاً ضرورة الجمع بين دورها كامرأة عاملة خارج المنزل وواجباتها الأسرية، كل هذه الأدوار مجتمعة تتصارع فيما بينها. وصراع الدور يحدث عندما يواجه الفرد التزامات عدة ومطلوب منه إنجازها في الوقت نفسه. وتعدد الأدوار لا شك أثره شديد الحدة على صحة الأنسان وحياته المهنية والاجتماعية.
وعليه أصبح من الضروري الاهتمام بالصحة النفسية للمرأة العاملة بالتركيز على برامج التدريب والتوعية النفسية والاجتماعية والثقافية، فعندما تكون المرأة واعية بأدوارها المختلفة ومتسلحة بالقدر الملائم من المعرفة والثقافة والخبرات والمهارات الذي تمكنها من تحسين نوعية حياتها اليومية وحياة أسرتها، فإن ذلك يحد من فرصة تعرضها للإجهاد المهني.
إن أحد ممرات العبور للصحة النفسية، هو ما تتعلمه من مهارات للتعامل مع الضغوط من خلال المراكز الإرشادية المتخصصة، والذي يمكّنها من التكيف بطريقة سليمة، والتدريب على أساليب الرصد وتحديد مصادر الضغوط الحياتية، ويساعد في اكتساب مهارات أخرى منها مهارة تنظيم الوقت وتحديد الأولويات إلى جانب مهارة التخطيط والتنظيم عند أداء المهام المناطة بها.
كذلك فإن القدرة على تحمّل المسؤولية، إضافة إلى اجتناب التوقعات العالية غير الواقعية من العمل والأسرة. والذي يؤثر بشكل إيجابي في قدرتها على مواجهة الضغوط وبالتالي تلبية احتياجاتها وتربية أبنائها وتحسين دخل أسرتها.
ولذلك نؤكد أهمية العمل وجدواه بالنسبة إلى المرأة، ولا ننسى أن نحثها على التمسك بنشاطها وجديتها فلا تتراجع بسهولة أمام الضغوط والعقبات والإحباطات، فالتوتر والقلق حول النجاح في العمل وفي الأدوار الأخرى، يعني الحاجة إلى المزيد من التأهيل والتدريب على مهارة إدارة الوقت وإدارة الضغوط، وغيرها من المهارات النفسية.
ولأن دور المرأة العاملة في أي مجتمع يعد أحد المقاييس التي تعبر عن نموه وتطوره فإننا نؤكد ضرورة توجيه الاهتمام لأوضاعها ومشكلاتها وكيفية مواجهة تلك المشكلات وتحسين حياتها كهدف رئيسي لتحقيق الصحة النفسية من خلال تفعيل البرامج التي تسهم في ذلك.
{ مركز عائشة يتيم للإرشاد الأسري
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك