20 عاما ومبلغ المائة دينار يراوح مكانه رغم نداءات الأهالي والنواب
«أخبار الخليج» تفتح ملف مطالب أكثر من 12 ألف مستفيد من هذا المخصص
د. محمد المناعي: هذه قضية أساسية ولا يجب أن تبقى ثانوية
تحقيق أحمد عبدالحميد:
روى الترمذي وأبو داود عن أبي الدرداء، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ابغوني ضعفاءكم؛ فإنكم إنما تُرزقون وتُنصرون بضعفائكم».
بهذه الكلمات العظيمة تفتح «أخبار الخليج» ملف زيادة مخصص ذوي الإعاقة الذي مازال يراوح مكانه منذ 20 عاما، حيث لم تتم زيادة مبلغ المخصص من 100 دينار إلى 200 دينار رغم نداءات مجلس النواب عدة مرات عن طريق اقتراحات برغبة منذ 7 سنوات تقريبا، وذلك من أجل تخفيف معاناة ذوي الإعاقة وأسرهم.
عدد من أولياء الأمور تحدثوا مع الجريدة عن حجم التحديات التي تواجه ذوي الإعاقة، في ظلّ الظروف المعيشية الصعبة والتضخم والاحتياجات المتعاظمة لذوي الإعاقة، مشددين على أن احتياجات هذه الفئة يجب أن تكون على رأس أولويات الحكومة والسلطة التشريعية، ولا يبقى هذا الأمر رهينة مناقشات مطولة لا تفرز نتائج ملموسة لصالح هذه الفئة.
وقالوا إن تأخير تنفيذ هذا القرار، بات يشكل عبئا متزايدا على ذوي الإعاقة وأسرهم، مشيرين إلى أنهم مازالوا ينتظرون أن ترى زيادة المخصص النور في أسرع وقت ممكن، لأنه سيخدم أكثر من 12 ألف مستفيد منه على الأقل.
في البداية يقول د. محمد المناعي إن هموم ذوي الإعاقة وأولياء أمورهم لا بد أن تكون حاضرة أمام أعين المسؤولين وممثلي السلطة التشريعية، في جميع الأوقات لأنهم من الفئات الأولى بالرعاية، لافتا إلى أن زيادة مخصص الدعم الموجه الى ذوي الإعاقة متوقف منذ حوالي 20 عاما، حيث لم يزد المبلغ على 100 دينار طوال هذه السنوات، رغم المتغيرات الاقتصادية التي فرضت زيادة كبيرة في أسعار الخدمات والمستلزمات التي يحتاج إليها ذوو الإعاقة.
وأضاف أن هذا الملف يجب أن يكون أساسيا في أي مناقشات بين الحكومة والسلطة التشريعية ولا يجب أن يطرح كموضوع ثانوي، لأن الحياة صارت صعبة على ذوي الإعاقة وأولياء أمورهم.
وأشار د. المناعي إلى أن فئة ذوي الإعاقة محبوبة من الله عز وجل، ورضاؤهم من رضائه سبحانه وتعالى، والبركة سوف تحل على الجميع برضائهم.
وشدد على أنه يجب أن يكون هناك توجه من الرأي العام في المجتمع لمراعاة احتياجات ومصالح ذوي الإعاقة، التي يجب أن تكون أولوية رئيسية أمام أعين أصحاب القرار، وخاصة أن الاحصائيات تشير إلى وجود آلاف من أصحاب الهمم في المملكة، وكل منهم يشكل مسؤولية مضاعفة على أهله.
ولفت د. المناعي إلى أن المبلغ المخصص حاليا دعما لذوي الإعاقة في البحرين إذا ما تمت مقارنته بدول الجوار فإنه لا يزيد على الخمس، موضحا أن الدعم هو حق مكتسب للمعاق نفسه ولا علاقة لعائلته به.
ونوه د. المناعي إلى أن المملكة توفر الكثير من الأمور الصحية لهذه الفئة، كما أن هناك بعض الامتيازات لهم في الخدمات الحكومية من ناحية منهم أولوية الحصول على الخدمة، ولكن كل هذا غير كاف في هذه المرحلة، مع ارتفاع معدلات التضخم وزيادات الأسعار التي يتأثر بها الجميع، وخاصة أولياء أمور ذوي الإعاقة الذين يقع على عاتقهم الكثير من الأعباء، ما يجعل مستويات مصروفاتهم أعلى من الفئات العادية من المواطنين.
وأشار إلى أن زيادة مخصص ذوي الإعاقة إلى 200 دينار بدلا من 100 دينار هو قرار تمت الموافقة عليه من قبل السلطة التشريعية قبل سنوات، ولكن الانتظار طال حتى يرى هذا القرار النور، وعلى الدولة أن تراعي نوعيات الإعاقات المختلفة، التي قد تشهد تباينا في معدلات الانفاق من نوعية إلى أخرى، وخاصة أن مبلغ المخصص الحالي لا يكفي للجميع.
تخفيف الأعباء
بدورها تحدثت خديجة يعقوب الدخيل أم «سيد علي» قائلة إنها والدة لأحد ذوي الإعاقة، وعاشت الأسرة رحلة ممتدة منذ 11 سنة، حيث إن ولدها يعاني من إعاقات متعددة لأنه مصاب بضمور في المخ ويحتاج إلى أجهزة تعويضية ويحتاج إلى وسيلة نقل خاصة للتنقل إلى جلسات العلاج الطبيعي المستمرة، لافتة إلى أن بعض الأجهزة مكلفة للغاية.
وأضافت أن وزارة التنمية الاجتماعية توفر العربات المخصصة لذوي الإعاقة كل 3 أو 4 سنوات بعد إجراءات مطولة، وهو ما دفعها إلى شراء عربة على حسابها الشخصي بقيمة تتجاوز ألف دينار.
وشددت أم سيد علي على أن مبلغ المائة دينار المخصصة لذوي الإعاقة تصرف على المعاق وأكثر منها بكثير لتغطية متطلبات الطفل، حيث إن جلسات العلاج الطبيعي يتم توفيرها في مجمع السلمانية الطبي لا تغطي كل الحالات التي تتطلب علاجا طبيعيا مكثفا، موضحة أن ولدها يحتاج إلى حوالي 20 جلسة شهريا، لذا اضطررت إلى اللجوء إلى مركز طبيعي خاص بكلفة تصل إلى 360 دينارا شهريا.
وطالبت بأن يتم توفير مركز علاج طبيعي مخصص لذوي الإعاقة المصابين بالشلل الدماغي الذين يحتاجون إلى رعاية مستمرة، لأن السلمانية يقدم هذه الخدمة للجميع، وهذا قد يأتي على حساب ذوي الإعاقة في بعض الأحيان.
وشددت أم سيد علي على أن المطالبة بزيادة مخصص ذوي الإعاقة أمر ضروري لتخفيف الأعباء بعض الشيء عن كاهل الأهالي، وخاصة أن احتياجات ذوي الإعاقة تشمل الأدوية أيضا، لافتة إلى أن هناك تقصيرا في حق هذه الفئة ويجب دعم كل صوت يطالب بزيادة المخصص.
ودعت إلى ضرورة تغيير النظرة المجتمعية لذوي الإعاقة، وخاصة من بعض الأفراد الذين قد يتذمرون من هذه الفئة، مطالبة أيضا بتوفير فرص عمل لذوي الإعاقة البسيطة.
تهيئة الأرضية المجتمعية
وتحدثت الأستاذة إيمان الدوسري التي تمتلك خبرة عملية وحياتية حول متطلبات ذوي الإعاقة وذويهم قائلة إن تجربتي مع ولدي ريان الذي يبلغ من العمر 13 عاما المصاب بمتلازمة دوان، عملتني الكثير والكثير، مؤكدة أهمية الوعي الأسري للتعامل مع هذه الفئة من ذوي الإعاقة، حتى يمكن أن نهيئ له الأرضية اللازمة للنمو والتعلم، وتجاوز كل العقبات الاجتماعية والتعليمية.
وبشأن النظرة المجتمعية لذوي الإعاقة، أشارت إلى أن بعض الأفراد هم المعاقون وليس ذوي الإعاقة، لأنهم لا يفهمون ولا يعرفون شيئا عن متلازمة دوان وأصحابها، لذلك تراهم يغفرون كل أخطاء الأطفال ويقفون طويلا عند أي تصرف من فئة متلازمة دوان من دون مبرر، مضيفة أن البعض يتصرف معهم كأنهم عدوانون وهذا غير الحقيقة لأن هذه الفئة محبوبة وتحب الآخرين.
وشددت على ضرورة تهيئة المجتمع وتغيير النظرة السلبية لهذه الفئة، وهذه مسؤولية مجتمعية من البيت والمدرسة ومختلف المؤسسات المجتمعية المختلفة.
وتطرقت إيمان الدوسري إلى التحديات المالية التي واجهتها خلال تجربتها، مؤكدة أن الأعباء المالية تشكل تحديا كبيرا في وجه الأسر وأولياء الأمور الذين قد يقفون عاجزين عن توفير الإمكانيات اللازمة لتطوير مهارات أبنائهم من ذوي إعاقة متلازمة دوان، مشيرة إلى أنها اعتمدت بشكل رئيسي على راتبها من وظيفتها من أجل إرسال ابنها إلى مركز متخصص في تقديم التعليم النوعي لهذه الفئة، التي تحتاج إلى التعليم الفردي بشكل أساسي، وقد تصل الكلفة إلى 200 دينار شهريا.
وأوضحت أن المدارس تقوم بدور مهم في احتضان بعض ذوي الإعاقة، خلال أيام الدراسة، لكن هناك فئات تحتاج إلى استمرارية التعليم طوال العام حتى لا تفقد مهاراتها المكتسبة، كما أن هناك حالات تحتاج إلى علاج وظيفي وجلسات تخاطب وعلاج طبيعي.
ولفتت الدوسري إلى أن زيادة مخصص ذوي الإعاقة إلى 200 دينار بدلا من 100 دينار أمر ضروري، رغم أن هذه الزيادة لن تكفي أيضا لمواجهة متطلبات ذوي الإعاقة سواء من المواصلات أو الوسائل التعليمية أو الألعاب التعليمية التي تتطور مع كل تطور لحالة الطفل المعاق.
وتناولت الدوسري زاوية مهمة من خلال التركيز على تأهيل أولياء أمور ذوي الإعاقة للتعامل مع أطفالهم، ونشر الوعي اللازم بأساليب تربيتهم، وذلك من خلال توفير دورات تدريبية لأولياء الأمور، مشيرة إلى أن هناك بعض الدخلاء الذين يظنون أن مخصص ذوي الإعاقة هو دخل للأسرة، على الرغم من أنه يجب أن يعوا أن هذا المخصص هو حق خالص لذوي الإعاقة.
ودعت إلى ضرورة وضع الآليات التي تضمن حصول ذوي الإعاقة على الخدمات المطلوبة وفقا لكل حالة، سواء تعليميا أو صحيا، حتى لا يكون هناك تقصير في حقوقهم، لافتة إلى أن كل الاعاقات الذهنية تحتاج إلى تكاليف مستمرة لا تتوقف.
الأبواب «مسكرة»
وسرد الأستاذ محمد خليل عبدالرحيم المصاب بالشلل النصفي معاناته منذ إصابته في حادث عام 1984 جعله قعيد الكرسي المتحرك طوال هذه السنوات، قائلا إنه بدأ يشعر بقسوة الظروف منذ وفاة والده الذي لم يقصر في توفير احتياجاته، ومن بعده لا يوجد من يتحمل كل هذه المسؤولية، كما أنه لا يريد أن يكون عبئا على أشقائه.
وأوضح أن مخصص ذوي الإعاقة بدأ بعشرين دينارا حتى وصل إلى 100 دينار منذ 20 عاما تقريبا، ولكن هذا المبلغ أصبح لا يكفي شيئا هذه الأيام، لافتا إلى أنه يحتاج إلى أدوات طبية تناسب وضعه الصحي، كما أنه يعاني من قرح سريرية تستلزم علاجات مستمرة، حتى أن كلفة صيانة الكرسي المتحرك باتت تشكل عبئا أيضا.
وتطرق خليل إلى أنه حاول الحصول على وظيفة عن طريق وزارة العمل عدة مرات، لكنه تلقى ترشيحات لوظائف لا تناسب حالته الصحية.
وكشف أن هناك دولة خليجية شقيقة تمنح المعاق 350 دينارا شهريا كأنه معاش لمساعدته على العيش الكريم بدلا من العوز والحاجة.
وتطرق إلى الصعوبات التي تواجه ذوي الإعاقة في استقدام عاملة منزل تساعد في تلبية احتياجاته، حيث إن هذا الامر يكلف حوالي 1500 دينار للاستقدام، وهذا أمر يتطلب توفير تسهيلات تراعي خصوصية ذوي الإعاقة.
وقال خليل: أحيانا تشعر أن كل الطرق «مسكرة» أمامنا، حتى إنني معي تصريح من الطبيب منذ 8 أشهر للعلاج في الخارج لكن لم يتم تنفيذه حتى اليوم، وحجز المواعيد في المستشفيات الحكومية يستغرق وقتا طويلا من الانتظار، والطب الخاص ليس مجانا، لذا فإن زيادة مخصص ذوي الإعاقة هو أبسط شيء يقدم لهذه الفئة.
أسعار خيالية
من ناحيتها روت «أم يوسف» رحلتها مع ولدها يوسف صاحب الـ17 عاما، الذي يعاني من إعاقة ذهنية إلى جانب أمراض أخرى، تتطلب أن يتم احتجازه بالمستشفى من فترة إلى أخرى.
وتقول إن الظروف لم تمكنها من إرسال ابنها إلى أحد المراكز التعليمية الخاصة لأن أسعارها خيالية، لذا قدمت له في معهد الأمل للتربية الخاصة لأنه مجاني، ولكنها تدفع 45 دينارا شهريا للمواصلات فقط، في الوقت نفسه يحتاج إلى جلسات تخاطب وصعوبات، وهي كلفة تتراوح ما بين 200 و300 دينار على الأقل شهريا، وهو ما يمثل عبئا على الأسرة، وخاصة أن الوالد متقاعد ولا يملك سوى راتبه التقاعدي الذي يمثل الدخل الوحيد للأسرة.
وتضيف أم يوسف إن رفع مخصص ذوي الإعاقة إلى 200 دينار قد يساعدنا في تحسين فرص حصولهم على خدمات أفضل، لذلك على الحكومة ومجلسي الشورى والنواب أن ينظرون بعين الرحمة إلى هذه الفئة المستحقة للرعاية والدعم. جدير بالذكر أن الاقتراحات بزيادة علاوة الإعاقة من 100 دينار في حدّها الأدنى إلى 200 دينار في حدّها الأقصى بحسب شدّة الإعاقة، قد تمت الموافقة عليها قبل 7 سنوات تقريبا من مجلس النواب، وتم تجديد هذه الاقتراحات في دور الانعقاد السابق، وتم رفعها إلى الحكومة، حيث أكد النواب مررا أن الزيادة تعد مطلباً ملحاً لذوي الهمم التي تحتاج إلى المزيد من الرعاية والاهتمام بها نظراً إلى تفاوت الإعاقات. وكانت وزارة التنمية قد أكدت في دور الانعقاد السابق أن زيادة المخصص كان مطروحا على لجنة إعادة هيكلة الدعم النقدي الحكومي وتوجيهه إلى مستحقيه، لافتة إلى أنه بحسب إحصائية عام 2021، فإن عدد المسجلين في قاعدة البيانات 12674 مستفيدا من المخصص الحالي.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك