سعت دول مجلس التعاون الخليجي سواء بشكل منفرد أو من خلال مجلس التعاون أو من خلال التنسيق الأوسع في إطارها العربي والدولي لبناء منظومة متكاملة للتعليم العالي عبر إنشاء المزيد من الجامعات الحكومية، وإتاحة الفرصة للقطاع الخاص للاستثمار في مجال التعليم العالي الاهلي، وتحسين مستواه، والارتقاء بكفايته، وتجويد أدائه، وتحديث تخصصاته ومناهجه بما ينسجم مع احتياجات سوق العمل، ووفقا لما يشهده العالم من ثورة علمية وتقنية ومعلوماتية معاصرة، وترصين مستوى الطلاب والطالبات المسجلين فيه، وتعزيز القدرات البشرية في قطاع التعليم العالي، والتي تعرف بأنها عملية تطوير ممنهج لمجموعـة مـن المعـارف والمهـارات والكفايـات والقيـم الكامنـة في الفرد، والتي تمكنه من بناء كيانه الشخصي والاجتماعي والاقتصادي. فيما عرفتها الأمم المتحدة بانها العملية التي يتم من خلالها تطوير قدرات الأفراد والجماعات والمنظمات والمؤسسات والمجتمعات - بشكل فردي وجماعي- لتحديد الأهداف وتحقيقها، وأداء الوظائف، وحل المشكلات، وتطوير الوسائل وتهيئة البيئة الملائمة لذلك. وقد حرصت حكومات دول المجلس على تعزيز جاهزية المواطنين لدخول سوق العمل، وكان التعليم العالي بمثابة المختبر الاوسع لتعزيز تلك الجاهزية، ودعم ثقافة الابتكار وريادة الأعمال. فهو يمثل القدوة الأكثر ريادية في اعتماد أنجع أساليب التطوير والتحديث ومنه تنتقل إلى قطاعات المجتمع الأخرى. لذا فقد شجعت وزارات التعليم العالي بدول المجلس جامعاتها الحكومية والأهلية على إرساء قواعد التعاون والتبادل العلمي مع الجامعات الرصينة في الدول الشقيقة والصديقة، واستقطاب الكفاءات العلمية المشهودة للإسهام في نهضة التعليم العالي، فضلا عن عقد الاجتماعات الدورية بين وزراء التعليم العالي بدول مجلس التعاون الخليجي، لمناقشة سبل النهوض بالتعليم العالي ومتابعة التطورات العلمية العالمية وبحث إمكانية الاستفادة منها على صعيد دول المجلس.
وقد أنشأ مجلس التعاون الخليجي الشبكة الخليجية لضمان جودة التعليم العالي بقرار من قمة دول المجلس الثالثة والثلاثين والمنعقدة بمملكة البحرين عام 2012، لأجل النهوض بجودة التعليم العالي بدول المجلس، وقد حققت جامعات دول المجلس إنجازات مرموقة، حيث حازت ( 18) جامعة منها على ترتيب ضمن تصنيف (QS) خلال عام (2020-2021 ) لاعتمادها معايير عالمية في التدريس؛ فقد حصلت جامعة الملك عبدالعزيز على المرتبة الأولى عربياً و(143) عالمياً، وجامعة الملك فهد للبترول والمعادن الثانية عربياً؛ وجامعة خليفة للعلوم والتكنولوجيا الثالثة عربياً، وجامعة قطر الخامسة عربياً، وجامعة الإمارات العربية المتحدة السادسة عربياً و(284) عالمياً؛ تلتها جامعة الملك سعود في المرتبة السابعة عربياً و(287) عالمياً، أما الثامنة فكانت الجامعة الأمريكية في الشارقة، ثم التاسعة جامعة السلطان قابوس، وبمرتبة (475) عالمياً . وفي عام (2022-2023) احتلت جامعة الملك عبدالعزيز المرتبة الأولى عربيا أيضا، و(106) عالميا، وجامعة قطر المركز الثاني عربيا والمركز (108) عالميا، وجامعة الملك فهد للبترول والمعادن الثالثة عربيا و(160) عالميا. وجامعة الملك سعود الرابعة عربيا و(237) عالميا، وجامعة الإمارات السادسة عربيا و(296) عالميا. وجامعة خليفة السابعة عربيا، وجامعة السلطان قابوس الثامنة عربيا، والجامعة الامريكية في الشارقة التاسعة عربيا.
ومن صور التعاون بين دول مجلس التعاون الخليجي تنظيم اللقاءات السنوية بين قادة التعليم العالي على مستوى الجامعات والكليات بدول مجلس التعاون الخليجي، وقد كان آخرها، اللقاء الخامس والعشرون الذي عقد في جامعة الإمام عبدالرحمن بن فيصل بالمملكة العربية السعودية بتاريخ (25-26) يناير 2023 وتمخض عنه إصدار بيان حافل بالقرارات التي يمكن أن تسهم بدور فاعل في ترقية التعليم العالي، مثل تدشين قاعدة المعلومات الخليجية (جسر) بصيغتها الجديدة والمقدمة من مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية، حيث تقوم المدينة بإنشاء دليل إجراءات حوكمة قاعدة المعلومات الخليجية. كما أوصى اللقاء بقيام جامعات ومؤسسات التعليم العالي بدول المجلس بتنظيم ورش عمل بشأن تجاربها حول حماية القيم الأخلاقية والدينية والأسرية في المجتمعات الخليجية، كما تم اعتماد الدليل الاسترشادي الموحد للتطوير المهني لأعضاء هيئة التدريس بالجامعات وتبادل الخبرات وأفضل الممارسات في علاج نقاط الضعف بالمنصات التعليمية المستخدمة في جامعات الدول الأعضاء والتركيز على بناء الممكنات والبنية التحتية المناسبة لعمل المنصات التعليمية، وإشراك مؤسسات القطاع الخاص ذات الاهتمام في القطاع التعليمي لتقديم مثل هذه الحلول. كما أوصى اللقاء بتشكيل فريق عمل من جامعة الكويت، وجامعة جدة، وجامعة الدوحة للعلوم والتكنولوجيا وجامعة الطائف وجامعة الملك فيصل لطرح برامج أكاديمية مشتركة متعلقة بالتكنولوجيات المستقبلية، وتضمنت التوصيات أيضا قيام جامعة الإمام عبدالرحمن بن فيصل بتأسيس برنامج خليجي مشترك في التطوير المهني في مجال التعليم والتعلم والقيادة الأكاديمية لأعضاء هيئة التدريس، وتقوم جامعة الخليج العربي بالبحرين بتقديم تصور لبرامج أكاديمية لذوي الاحتياجات الخاصة بمؤسسات التعليم العالي لدول المجلس.
{ أكاديمي وخبير اقتصادي
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك