في هذه الأيام، تبدو جدة مثل العديد من المدن الحديثة الأخرى، من مراكز التسوق المزدحمة والزاخرة بالعلامات التجارية العالمية الفاخرة، إلى ثقافة المقاهي النابضة بالحياة، ومنطقة ساحلية يمكن السير فيها حيث تجتمع العائلات خلال عطلات نهاية الأسبوع.
ولكن القلب النابض لهذه المدينة، حي البلد، وعمره أكثر من ألف عام، تم الحفاظ عليه بإتقان ليكون بمثابة تذكير بتاريخ المملكة العربية السعودية - وتحديداً دور جدة كنقطة دخول رئيسية للحجاج.
ويقول شون فولي، وهو أستاذ متخصِّص في تاريخ الشرق الأوسط والتاريخ الإسلامي بجامعة ولاية تينيسي الوسطى: "المملكة العربية السعودية هي واحدة من أكثر البلدان جاذبية في العالم. إنها دولة تجمع بين الشرق والغرب. إنها دولة مرتبطة بأفريقيا. ويمكن رؤية ذلك في حي البلد".
ويُضيف أنها "مكان تقاطع ثقافي فريد من نوعه، يشبه إلى حد ما سنغافورة، أو هونغ كونغ. إنها مدينة ساحلية".
وقبل قرون من ظهور مواقع حجز رحلات السفر عبر الإنترنت ووصول الحافلات السياحية التي تعج بالمصطافين الذين يحملون عصي التصوير الذاتي لالتقاط صور "السيلفي"، كانت ثاني أكبر مدينة في المملكة العربية السعودية بمثابة مركز جذب سياحي حقيقي.
وتتمثل واحدة من أبرز سمات المباني في حي "البلد" في شكل من أشكال التشبيك الخشبي المعقد المعروف باسم الرواشين.
ولم تكن هذه الأغطية الخشبية للنوافذ والشرفات مشهورة لأسباب جمالية فقط - رغم جمال تصاميمها المعقّدة التي تتضمن أشكال الدوائر، ورسومات الهلال، والسهام، والنجوم، وغالبًا ما تُطلى بدرجات اللون الأزرق أو الأخضر.
وببساطة، كانت هذه الراواشين عملية لحياة الصحراء، حيث حجبت أشعة الشمس الحارقة خلال النهار، وسمحت بدخول الهواء العليل في الوقت ذاته من خلال تصميمها الذي يتميز بالفتحات والشرائح.
وبالإضافة إلى جمالها، فإن هذه الراواشين - التي غالباً ما تكون مصنوعة من مواد فاخرة غير متوفرة في المنطقة - تُعد أمثلة على ثقافة جدة الحيوية.
ويشرح جيمس باري، مؤلف كتاب "جدة البلد" أن "ما جعل جدة غنية جدًا هي التجارة عبر البحر الأحمر إلى مصر، التي شكّلت سوقًا كبيرًا للغاية".
ويضيف: "لذلك، كان تجار جدة مثل الوسطاء، وأصبحوا أثرياء للغاية وبنوا لأنفسهم منازل فخمة، مزينة بمواد باهظة الثمن، بكميات كبيرة من الخشب المستورد الساج والماهوجني من جنوب آسيا، والهند، وأيضًا بعضه من شرق أفريقيا".
ولفترة طويلة، كانت المدينة محاطة بالأسوار، ومع انتقال المزيد من الناس إلى جدة، سرعان ما أصبحت المساحة مشكلة. وكان أحد الحلول يتمثل بالاستمرار في البناء للأعلى، لذا كانت هناك منازل تصل إلى ثمانية أو تسعة طوابق.
أما أحد أقدم وأشهر المنازل، الذي كانت تعود ملكيته سابقًا لعائلة ناصيف، والآن تعود ملكيته للحكومة السعودية وتحوّل إلى متحف، فإنه لم يكن مجرد منزل مرتفع، فسلّمه الداخلي واسع بما يكفي لنقل المياه إلى الطوابق العليا بواسطة الإبل.
ومن ثم في القرن السابع، كان هناك سبب وجيه لتقسيم المباني إلى منازل أو غرف متعددة، أي السياح.
وكان ذلك عندما أمر الخليفة عثمان بن عفان بأن تكون جدة الميناء الرسمي للحجاج الذين يقصدون مدينة مكة. وتقع المدينة المنورة، ثاني أقدس الأماكن لدى المسلمين، على مقربة منها أيضا.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك