العدد : ١٧٠٤٦ - السبت ٢٣ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢١ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٦ - السبت ٢٣ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢١ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

العرب ورحلة التمكين السياسي في أمريكا

بقلم: د. جيمس زغبي {

الثلاثاء ٠٩ مايو ٢٠٢٣ - 02:00

قبل‭ ‬أربعين‭ ‬عامًا‭ ‬أسر‭ ‬لي‭ ‬القس‭ ‬جيسي‭ ‬جاكسون‭ ‬خلال‭ ‬حفل‭ ‬عشاء‭ ‬عربي‭-‬أمريكي‭ ‬وقال‭ ‬لي‭: ‬‮«‬أنا‭ ‬أترشح‭ ‬لمنصب‭ ‬الرئيس‭ ‬وأريدك‭ ‬أن‭ ‬تنضم‭ ‬إلى‭ ‬الفريق‭ ‬الذي‭ ‬سيتولى‭ ‬إدارة‭ ‬حملتي‮»‬‭.‬

أجبته‭ ‬قائلا‭: ‬‮«‬لقد‭ ‬أمضيت‭ ‬السنوات‭ ‬الأربع‭ ‬الماضية‭ ‬في‭ ‬تنظيم‭ ‬مجتمعي‭. ‬لست‭ ‬متأكدًا‭ ‬من‭ ‬أنني‭ ‬أستطيع‭ ‬التخلي‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬المهمة‭ ‬الآن‮»‬‭. ‬كان‭ ‬رده‭ ‬مباشرًا‭: ‬‮«‬سنفعل‭ ‬لمجتمعك‭ ‬في‭ ‬الأشهر‭ ‬الأربعة‭ ‬المقبلة‭ ‬أكثر‭ ‬مما‭ ‬كنت‭ ‬قادرًا‭ ‬عليه‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الأربع‭ ‬الماضية‮»‬‭.‬

لقد‭ ‬نجح‭ ‬الأمريكيون‭ ‬العرب‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬تحالفات‭ ‬مع‭ ‬منظمات‭ ‬السلام‭ ‬السوداء‭ ‬واللاتينية‭ ‬والأمريكية‭ ‬للدفاع‭ ‬عن‭ ‬العدالة‭ ‬للفلسطينيين‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬طريقنا‭ ‬الرامية‭ ‬إلى‭ ‬التمكين‭ ‬السياسي‭ ‬قد‭ ‬تمت‭ ‬عرقلته‭ ‬بشكل‭ ‬أساسي‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الجماعات‭ ‬الموالية‭ ‬لإسرائيل‭ ‬التي‭ ‬اعتبرتنا‭ ‬تهديدًا‭.‬

تعرض‭ ‬المرشحون‭ ‬السياسيون‭ ‬الذين‭ ‬نظموا‭ ‬فعاليات‭ ‬لجمع‭ ‬التبرعات‭ ‬من‭ ‬العرب‭ ‬الأمريكيين،‭ ‬لحملة‭ ‬من‭ ‬الانتقادات‭ ‬لقبولهم‭ ‬‮«‬الأموال‭ ‬العربية‮»‬‭ ‬ما‭ ‬اضطرهم‭ ‬إلى‭ ‬إعادة‭ ‬تلك‭ ‬المساهمات‭. ‬تم‭ ‬الضغط‭ ‬على‭ ‬بعض‭ ‬الحملات‭ ‬لطرد‭ ‬موظفيها‭ ‬العرب‭ ‬الأمريكيين‭ ‬أمريكيين،‭ ‬كما‭ ‬رفض‭ ‬المرشحون‭ ‬وبعض‭ ‬الائتلافات‭ ‬والأحزاب‭ ‬السياسية‭ ‬تأييدنا‭ ‬ومشاركتنا‭.‬

شغلت‭ ‬منصب‭ ‬نائب‭ ‬مدير‭ ‬حملة‭ ‬جاكسون‭ ‬في‭ ‬سنة‭ ‬1984،‭ ‬وكانت‭ ‬تلك‭ ‬أول‭ ‬حملة‭ ‬رئاسية‭ ‬كبرى‭ ‬على‭ ‬الإطلاق‭ ‬للترحيب‭ ‬بالعرب‭ ‬الأمريكيين‭ ‬بالاسم،‭ ‬لقد‭ ‬أثارت‭ ‬حملة‭ ‬جاكسون‭ ‬عام‭ ‬1984‭ ‬كثيرا‭ ‬من‭ ‬الحركية‭ ‬والإثارة‭ ‬مع‭ ‬تنظيم‭ ‬مسيرات‭ ‬وتجمعات‭ ‬انتخابية‭ ‬ضخمة‭ ‬كما‭ ‬أمكن‭ ‬جمع‭ ‬تبرعات‭ ‬لا‭ ‬يستهان‭ ‬بها‭. ‬

أتذكر‭ ‬أنني‭ ‬تحدثت‭ ‬مع‭ ‬جاكسون‭ ‬قبل‭ ‬انطلاق‭ ‬الانتخابات‭ ‬التمهيدية‭ ‬في‭ ‬ولاية‭ ‬كاليفورنيا‭. ‬بعد‭ ‬تنفيذ‭ ‬حملة‭ ‬انتخابية‭ ‬ضمت‭ ‬فعاليات‭ ‬أمريكية‭ ‬وعربية‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مدينة‭ ‬توقفنا‭ ‬عندها‭ ‬قال‭ ‬جيسي‭ ‬جاكسون‭: ‬‮«‬أعتقد‭ ‬أن‭ ‬مجتمعك‭ ‬العربي‭ ‬الأمريكي‭ ‬قد‭ ‬تجاوز‭ ‬عتبة‭ ‬القبول‭. ‬حتى‭ ‬وقت‭ ‬قريب،‭ ‬بعد‭ ‬كل‭ ‬حملة‭ ‬لجمع‭ ‬التبرعات،‭ ‬كانت‭ ‬الصحافة‭ ‬تقول‭ ‬‮«‬جاكسون‭ ‬يجمع‭ ‬الأموال‭ ‬العربية‮»‬‭. ‬ولكن‭ ‬بعد‭ ‬السنوات‭ ‬القليلة‭ ‬الماضية،‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬هناك‭ ‬أخبار‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الصدد‭ ‬على‭ ‬الإطلاق‭. ‬لقد‭ ‬كان‭ ‬مجرد‭ ‬جمع‭ ‬للتبرعات‮»‬‭.‬

لقد‭ ‬انتخبنا‭ ‬أربعة‭ ‬مندوبين‭ ‬عرب‭ ‬أمريكيين‭ ‬إلى‭ ‬مؤتمر‭ ‬سان‭ ‬فرانسيسكو‭ ‬لعام‭ ‬1984،‭ ‬وتم‭ ‬اختياري‭ ‬لإلقاء‭ ‬إحدى‭ ‬الخطب‭ ‬التي‭ ‬ترمي‭ ‬إلى‭ ‬دعم‭ ‬ترشيح‭ ‬جيسي‭ ‬جاكسون‭. ‬اسم‭ ‬جاكسون‭ ‬في‭ ‬قائمة‭ ‬الترشيح‭.‬

لقد‭ ‬تشرفت‭ ‬بكوني‭ ‬أول‭ ‬أمريكي‭ ‬عربي‭ ‬يتحدث‭ ‬في‭ ‬مؤتمر‭ ‬انتخابي‭ ‬حزبي،‭ ‬وقد‭ ‬انتهزت‭ ‬الفرصة‭ ‬لمناقشة‭ ‬تاريخ‭ ‬مجتمعي‭ ‬العربي‭ ‬الأمريكي‭ ‬كما‭ ‬أبرزت‭ ‬أيضا‭ ‬مدى‭ ‬تنوعه‭ ‬وإسهاماته‭.‬

بعد‭ ‬أشهر،‭ ‬أطلقت‭ ‬مجموعة‭ ‬صغيرة‭ ‬منا‭ ‬المعهد‭ ‬العربي‭ ‬الأمريكي‭ ‬للبناء‭ ‬على‭ ‬الدروس‭ ‬المستفادة‭ ‬خلال‭ ‬حملة‭ ‬1984‭ ‬الانتخابية،‭ ‬حيث‭ ‬بدأنا‭ ‬نركز‭ ‬عملنا‭ ‬على‭ ‬تسجيل‭ ‬الناخبين،‭ ‬وتعبئتهم،‭ ‬ودعم‭ ‬المرشحين‭ ‬الأمريكيين‭ ‬العرب،‭ ‬وتسليط‭ ‬الضوء‭ ‬على‭ ‬مخاوف‭ ‬الأمريكيين‭ ‬العرب‭ ‬على‭ ‬الساحة‭ ‬السياسية‭.‬

بحلول‭ ‬عام‭ ‬1988،‭ ‬عندما‭ ‬ترشح‭ ‬جيسي‭ ‬جاكسون‭ ‬للمرة‭ ‬الثانية،‭ ‬كنا‭ ‬قد‭ ‬حققنا‭ ‬تقدما‭ ‬ملموسا‭. ‬فقد‭ ‬انتخبنا‭ ‬55‭ ‬مندوبًا‭ ‬لتمثيلنا‭ ‬في‭ ‬المؤتمر‭ ‬الانتخابي‭ ‬الذي‭ ‬عقد‭ ‬في‭ ‬ذلك،‭ ‬وأصدرنا‭ ‬قرارات‭ ‬تدعم‭ ‬سياسة‭ ‬أمريكية‭ ‬متوازنة‭ ‬تعترف‭ ‬بحقوق‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬في‭ ‬10‭ ‬دول،‭ ‬وتضمنت‭ ‬فقرات‭ ‬بشأن‭ ‬لبنان‭ ‬وإدانة‭ ‬التحيز‭ ‬ضد‭ ‬العرب‭ ‬والأمريكيين‭ ‬العرب‭ ‬في‭ ‬برنامج‭ ‬الحزب‭ ‬الديمقراطي،‭ ‬وعقدنا‭ ‬أول‭ ‬نقاش‭ ‬وطني‭ ‬على‭ ‬الإطلاق‭ ‬حول‭ ‬الحقوق‭ ‬الفلسطينية‭ ‬من‭ ‬منصة‭ ‬المؤتمر‭.‬

خلال‭ ‬العقود‭ ‬التي‭ ‬تلت‭ ‬ذلك،‭ ‬شهدنا‭ ‬تحولًا‭ ‬أكثر‭ ‬عمقًا‭ ‬في‭ ‬تمكين‭ ‬مجتمعنا‭ ‬وقدرته‭ ‬السياسية‭ ‬على‭ ‬إحداث‭ ‬التغيير‭. ‬فالمدن‭ ‬التي‭ ‬كنا‭ ‬فيها‭ ‬منبوذين‭ ‬أو‭ ‬متجاهلين‭ ‬قد‭ ‬انتخبت‭ ‬رؤساء‭ ‬بلديات‭ ‬من‭ ‬العرب‭ ‬الأمريكيين‭.‬

مع‭ ‬انتخاب‭ ‬المئات‭ ‬للمناصب‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬المحلي‭ ‬والولايات‭ ‬والمستوى‭ ‬الفيدرالي،‭ ‬كما‭ ‬أصبح‭ ‬العرب‭ ‬الأمريكيون‭ ‬العرب‭ ‬ينظرون‭ ‬إلى‭ ‬الخدمة‭ ‬العامة‭ ‬على‭ ‬أنها‭ ‬مهنة‭ ‬يتطلعون‭ ‬إليها،‭ ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬البعض‭ ‬يواجهون‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬التحديات‭.‬

لا‭ ‬شك‭ ‬أن‭ ‬التمكين‭ ‬السياسي‭ ‬يفتح‭ ‬لك‭ ‬أبواباً‭ ‬أخرى‭. ‬عندما‭ ‬تكون‭ ‬ضعيفًا‭ ‬يمكن‭ ‬للآخرين‭ ‬تحديد‭ ‬هويتك‭ ‬والتسبب‭ ‬في‭ ‬نبذك‭ ‬وتعميق‭ ‬عزلتك،‭ ‬ولكن‭ ‬كلما‭ ‬اكتسبت‭ ‬القوة‭ ‬والاحترام،‭ ‬يمكنك‭ ‬التعريف‭ ‬بنفسك‭ ‬وفرض‭ ‬الاحترام‭ ‬على‭ ‬الآخرين‭. ‬نتيجة‭ ‬لذلك،‭ ‬يلعب‭ ‬العرب‭ ‬الأمريكيون‭ ‬الآن‭ ‬دورًا‭ ‬رائدًا‭ ‬في‭ ‬تحالفات‭ ‬الحقوق‭ ‬المدنية،‭ ‬والتعددية‭ ‬العرقية،‭ ‬والسلام‭ ‬والعدالة‭ ‬التي‭ ‬رفضتنا‭ ‬في‭ ‬السابق‭.‬

كذلك‭ ‬الدعوة‭ ‬توجه‭ ‬إليك‭ ‬للحديث‭ ‬عن‭ ‬الكيفية‭ ‬التي‭ ‬يتم‭ ‬بها‭ ‬تصوير‭ ‬العرب‭ ‬في‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬وكيفية‭ ‬تدريس‭ ‬التاريخ‭ ‬والثقافة‭ ‬العربية‭. ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬هناك‭ ‬تحديات،‭ ‬لكن‭ ‬تقدمنا‭ ‬توج‭ ‬هذا‭ ‬العام‭ ‬بإصدار‭ ‬الرئيس‭ ‬أول‭ ‬إعلان‭ ‬رسمي‭ ‬على‭ ‬الإطلاق‭ ‬عن‭ ‬شهر‭ ‬التراث‭ ‬العربي‭ ‬الأمريكي‭.‬

سيتم‭ ‬الاحتفاء‭ ‬وتكريم‭ ‬ثمانين‭ ‬من‭ ‬العرب‭ ‬والأمريكيين‭ ‬الذين‭ ‬يعملون‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الإدارة‭ ‬الأمريكية‭ ‬كما‭ ‬ستقام‭ ‬أمسية‭ ‬للاحتفال‭ ‬بالثقافة‭ ‬العربية،‭ ‬ومنتدى‭ ‬سياسي‭ ‬يستضيفه‭ ‬البيت‭ ‬الأبيض‭ ‬مع‭ ‬القادة‭ ‬الأمريكيين‭ ‬العرب‭.‬

لن‭ ‬نبالغ‭ ‬إذا‭ ‬قلنا‭ ‬إن‭ ‬الطريق‭ ‬إلى‭ ‬التمكين‭ ‬السياسي‭ ‬للعرب‭ ‬الأمريكيين‭ ‬قد‭ ‬بدأ‭ ‬مع‭ ‬حملة‭ ‬القس‭ ‬جاكسون‭ ‬غير‭ ‬المحتملة‭ ‬ولكن‭ ‬المهمة‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1984،‭ ‬كانت‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬السنة‭ ‬تحت‭ ‬شعار‭: ‬‮«‬حان‭ ‬وقتنا‮»‬‭.‬

لقد‭ ‬فسر‭ ‬البعض‭ ‬ذلك‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬موجه‭ ‬في‭ ‬المقام‭ ‬الأول‭ ‬إلى‭ ‬الأمريكيين‭ ‬السود،‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬العرب‭ ‬الأمريكيين‭ ‬قد‭ ‬تبنوا‭ ‬التمكين‭ ‬السياسي‭. ‬بعد‭ ‬أربعة‭ ‬عقود‭ ‬نجد‭ ‬جيلا‭ ‬جديدا‭ ‬ينشط‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬أنحاء‭ ‬البلاد‭ ‬ويبني‭ ‬التقدم‭ ‬الذي‭ ‬تم‭ ‬إحرازه‭ ‬‭ ‬لا‭ ‬هذا‭ ‬الجيل‭ ‬الجديد‭ ‬ينمو‭ ‬ويزدهر‭ ‬ويوضح‭ ‬أن‭ ‬‮«‬وقتنا‭ ‬الآن‮»‬‭. ‬

 

{ رئيس‭ ‬المعهد‭ ‬العربي‭ ‬الأمريكي

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا