هوامش
عبدالله الأيوبي
ayoobi99@gmail.com
النخلة ضحية أعمال التجميل
لا تخطئ العين ما تشهده العديد من الشوارع والميادين والساحات في مختلف مناطق المملكة من عملية تشجير تسير بوتائر تختلف في سرعاتها عن الوتائر التي كانت عليها في الفترات البعيدة السابقة، وهي عملية لا تستهدف فقط إضفاء الطابع الجمالي الطبيعي على هذه الأماكن، سواء الشوارع منها أو الساحات والميادين، وإنما لها أهداف بعيدة المدى تتمثل في تحسين الوضع البيئي للمملكة من خلال زيادة الرقع الزراعية والاهتمام الجاد بما هو قائم منها، وفي هذا السياق لا بد من التنويه هنا بالدور الكبير والمهم الذي تلعبه المبادرة الوطنية لتنمية القطاع الزراعي وحملتها الوطنية للتشجير (دمت خضراء)، إلى جانب وزارة شؤون البلديات والزراعة، والمجلس الأعلى للبيئة، والمبادرات التطوعية التي تقوم بها جهات أهلية مختلفة.
عملية التشجير الواسعة التي تشهدها المملكة في الآونة الأخيرة، هي عملية مفيدة على المدى البعيد، صحيح أن نتائج هذه العملية لا يمكن لها ان تعوض ما فقدناه من مساحات خضراء كبيرة وواسعة متمثلة في البساتين و«غابات» النخيل، إن صح التعبير، مثل تلك التي كانت تحتضن عين عذاري التاريخية، رغم هذه الخسارة الكبيرة التي لا يمكن تعويضها بالكامل، تبقى عملية التشجير الواسعة التي تنفذ الآن تمثل شكلا من أشكال المعالجة وتعويض جزء من ذلك الذي فقدناه من ثرواتنا الزراعية.
يدرك المهتمون بالقطاع الزراعي وبمشاريع التنمية بشكل عام، أن هناك عوامل خارجية كثيرة وظروفا طبيعية قاهرة أسهمت في تقليص المساحات الخضراء في بلادنا، مثل شحة المياه وندرة الأمطار، أضف إلى ذلك، فإن الكثير من مشاريع التنمية والتوسع العمراني جاءت على حساب مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية، لكن ونحن نتحدث عن أهمية تعويض ولو جزء يسير من هذه الثروة الطبيعية، يجب علينا ألا نلقي اللوم كاملا على الظروف القاهرة ونخلي مسؤولية الإنسان تماما عن التدمير الذي تعرضت له هذه المساحات الخضراء.
ولكن وللإنصاف، يجب الإقرار بأن ما تقوم به المبادرة الوطنية لتنمية القطاع الزراعي وما تنفذه وزارة البلديات من أعمال تشجير وتجميل للشوارع والميادين، كلها أعمال سيكون لها مردود إيجابي على المدى البعيد، مع التأكيد مرة أخرى أن هذا العمل الإيجابي يجب ألا يغمض أعيننا أو يلهينا عن أهمية الحفاظ قدر المستطاع، وبقوة القانون على ما هو قائم من أشرطة زراعية في العديد من مناطق البحرين، لأن ذلك في حد ذاته دعم للمبادرة الوطنية لتنمية القطاع الزراعي، ودعم أيضا لعملية التشجير التي تستهدف الوصول بعدد الأشجار في المملكة إلى قرابة 3.6 ملايين شجرة بحلول عام 2035، وهو ما يتماشى تماما مع التزامات مملكة البحرين باتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ.
فهناك نتائج إيجابية ملموسة من وراء أعمال التشجير القائمة حاليا، وإن كانت مسؤولية تشجير وتجميل الطرقات والساحات العامة والإكثار من إنشاء الحدائق العامة في العديد من المناطق في جميع محافظات المملكة، هي أعمال تقع مهمتها ومسؤوليتها على عاتق الجهات الحكومية ذات الصلة، إلا أن ذلك لا يعفي القطاع الأهلي، مؤسسات وأفراد عن واجب المشاركة في هذه المهمة الوطنية، وهناك بالفعل العديد من المؤسسات الأهلية لا تكتفي فقط بدعم مشاريع وخطط المبادرة الوطنية لتنمية القطاع الزراعي، وإنما تقوم بإنشاء الرقع الزراعية والتشجير في حدود ملكياتها، إلى جانب مساهمتها في أعمال التشجير والتجميل أيضا.
ملاحظة في اعتقادي لا بد من الإشارة إليها فيما يتعلق بعملية التشجير، فإذا كان الهدف من التشجير هو أعمال تجميلية وبيئية، فإن هناك أنواعا كثيرة من الأشجار ذات الخصائص التجميلية والبيئية أيضا، هذا النوع من الأشجار هو الذي يجب تكثيف زراعته، سواء كان ذلك في الشوارع الرئيسية أم في الميادين والحدائق العامة أيضا، وهناك أشجار مثمرة لا يجب التضحية بقيمتها الغذائية في أعمال التجميل طالما هناك الكثير من البدائل وتعطي بعدا جماليا للأماكن التي تغرس فيها كالشوارع والحدائق العامة والميادين.
الأمر هنا تحديدا يتعلق بشجرة النخلة، فهذه الشجرة التي كانت في يوم من الأيام واحدة من أهم المصادر الرئيسية للغذاء لدى أهل البحرين ومصدرا دائما لسد الاحتياجات الأخرى حيث الاستفادة منها في البناء والتأثيث والطهي، وكل ما له علاقة باحتياجات الإنسان، لوحظ في الآونة الأخيرة أن هناك تكثيفا في زراعة هذه الشجرة في الشوارع العامة، مع أنها ليست شجرة تجميل بكثر ما هي من الأشجار المثمرة ذات القيمة الغذائية، وبالتالي فإنه في حالة زراعتها في الشوارع، فإنما نحن نقضي على هذه القيمة ذلك أن ثمرها عرضة للتلوث الكربوني الناجم عن عوادم السيارات وبالتالي فهو غير صالح للاستخدام الآدمي، فهذا العدد الكبير من أشجار النخيل التي تزين شوارع المملكة كان بالإمكان غرسها بأماكن بعيدة عن مصادر التلوث الكربوني وبالتالي الاستثمار فيها غذائيا وتجاريا أيضا.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك