العدد : ١٧٠٤٦ - السبت ٢٣ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢١ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٦ - السبت ٢٣ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢١ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

الورطة الأوروبية في الحرب الأوكرانية!

بقلم: فاروق يوسف {

السبت ١٣ مايو ٢٠٢٣ - 02:00

فيما‭ ‬تجري‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬لاهثة‭ ‬وراء‭ ‬الصين‭ ‬لاستعادة‭ ‬المبادرة‭ ‬في‭ ‬أجزاء‭ ‬كثيرة‭ ‬من‭ ‬العالم،‭ ‬تبدو‭ ‬أوروبا‭ ‬عاجزة‭ ‬عن‭ ‬استعادة‭ ‬الدور‭ ‬الذي‭ ‬كانت‭ ‬قد‭ ‬وعدت‭ ‬به‭ ‬نفسها‭ ‬يوم‭ ‬ظهر‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬قوة‭ ‬فتية‭ ‬تأمل‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬تعيد‭ ‬إلى‭ ‬العالم‭ ‬توازنه‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬حرب‭ ‬باردة‭ ‬بين‭ ‬قوتين‭ ‬متناحرتين‭ ‬تتنافسان‭ ‬على‭ ‬الريادة‭ ‬في‭ ‬المجال‭ ‬العسكري‭ ‬بكل‭ ‬تشعباته‭.‬

لم‭ ‬يكن‭ ‬أحد‭ ‬يتوقع‭ ‬أن‭ ‬تغطس‭ ‬أوروبا‭ ‬في‭ ‬أوحال،‭ ‬هي‭ ‬ليست‭ ‬من‭ ‬صنعها‭. ‬مناطق‭ ‬كان‭ ‬العالم‭ ‬المعاصر‭ ‬قد‭ ‬غادرها‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تفكك‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفيتي‭ ‬وغاب‭ ‬الخطر‭ ‬الشيوعي‭ ‬وصعدت‭ ‬الصين‭ ‬اقتصاديا‭ ‬إلى‭ ‬القمة‭ ‬فيما‭ ‬ظلت‭ ‬شيوعيتها‭ ‬شأنا‭ ‬داخليا‭ ‬ليس‭ ‬في‭ ‬إمكان‭ ‬أحد‭ ‬أن‭ ‬يلهو‭ ‬به‭ ‬أو‭ ‬يقترب‭ ‬من‭ ‬خطوطه‭ ‬الحمراء،‭ ‬فالصين‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬مجرد‭ ‬قوة‭ ‬صاعدة‭ ‬اقتصاديا‭ ‬لا‭ ‬تقبل‭ ‬المزاح‭.‬

على‭ ‬العكس‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬تحولت‭ ‬أوروبا‭ ‬إلى‭ ‬آلة‭ ‬حرب‭ ‬تتحكم‭ ‬بها‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وتحركها‭ ‬عن‭ ‬بعد‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬ألقى‭ ‬بظلال‭ ‬كئيبة‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬العيش‭ ‬فيها‭.‬

فالحرب‭ ‬التي‭ ‬يقف‭ ‬حلف‭ ‬الناتو‭ ‬وراء‭ ‬إشعالها‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا‭ ‬هي‭ ‬حرب‭ ‬أمريكية‭ ‬مئة‭ ‬بالمئة‭ ‬لا‭ ‬مصلحة‭ ‬لروسيا‭ ‬في‭ ‬نشوبها‭ ‬أو‭ ‬استمرارها‭. ‬وهي‭ ‬أيضا‭ ‬ليست‭ ‬حرب‭ ‬أوروبا‭ ‬التي‭ ‬انزلقت‭ ‬إليها‭ ‬تدريجيا‭ ‬كما‭ ‬لو‭ ‬أنها‭ ‬تدافع‭ ‬عن‭ ‬نفسها‭ ‬وهو‭ ‬أمر‭ ‬ليس‭ ‬حقيقيا‭.‬

ذلك‭ ‬لأن‭ ‬روسيا‭ ‬لا‭ ‬تملك‭ ‬مشروعا‭ ‬لاستفزاز‭ ‬أوروبا‭. ‬العكس‭ ‬هو‭ ‬الصحيح‭. ‬روسيا‭ ‬لا‭ ‬تجد‭ ‬في‭ ‬قيام‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬وتماسكه‭ ‬وقوته‭ ‬ما‭ ‬يهددها‭ ‬إذا‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬تابعا‭ ‬للولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬في‭ ‬سياساتها‭ ‬المعادية‭ ‬التي‭ ‬تهدف‭ ‬إلى‭ ‬استضعاف‭ ‬روسيا‭.‬

في‭ ‬المقابل‭ ‬فإن‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬لا‭ ‬ترغب‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬قويا‭ ‬ومتماسكا‭ ‬بدليل‭ ‬أنها‭ ‬الدولة‭ ‬الكبرى‭ ‬الوحيدة‭ ‬التي‭ ‬شجعت‭ ‬بريطانيا‭ ‬على‭ ‬الانفصال‭ ‬عنه‭.‬

الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬لا‭ ‬ترتاح‭ ‬إلى‭ ‬تعدد‭ ‬الأقطاب‭ ‬الدولية‭ ‬وهي‭ ‬في‭ ‬قمة‭ ‬انزعاجها‭ ‬لأنها‭ ‬مضطرة‭ ‬إلى‭ ‬الدخول‭ ‬في‭ ‬حرب‭ ‬من‭ ‬نوع‭ ‬جديد‭ ‬مع‭ ‬الصين‭. ‬حرب‭ ‬ليس‭ ‬للعقائد‭ ‬مكان‭ ‬فيها‭ ‬ولا‭ ‬يديرها‭ ‬العسكر،‭ ‬بل‭ ‬رجال‭ ‬الأعمال‭ ‬وأصحاب‭ ‬الشركات‭ ‬الكبرى‭. ‬وهي‭ ‬حرب‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬تكون‭ ‬مؤهلة‭ ‬للانتصار‭ ‬فيها‭.‬

وإذا‭ ‬ما‭ ‬كانت‭ ‬الصين‭ ‬قد‭ ‬اتخذت‭ ‬من‭ ‬تفوقها‭ ‬الاقتصادي‭ ‬غطاء‭ ‬لتمددها‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬مشاريع‭ ‬سلمية‭ ‬تدخل‭ ‬في‭ ‬نطاق‭ ‬الأمن‭ ‬العالمي‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬الحال‭ ‬في‭ ‬الاتفاق‭ ‬السعودي‭ ‬‭ ‬الإيران‭ ‬الذي‭ ‬يمكن‭ ‬اعتباره‭ ‬جزءا‭ ‬من‭ ‬طريق‭ ‬الحرير‭ ‬فإن‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬عاجزة‭ ‬عن‭ ‬الوصول‭ ‬بحلفائها‭ ‬الأوروبيين‭ ‬إلى‭ ‬لحظة‭ ‬سلام،‭ ‬يلتفتون‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬إلى‭ ‬مشاريع‭ ‬التنمية‭ ‬البشرية‭ ‬والاقتصادية‭. ‬ما‭ ‬فعلته‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬أنها‭ ‬دفعت‭ ‬بالأمن‭ ‬في‭ ‬أوروبا‭ ‬إلى‭ ‬منزلق‭ ‬خطير،‭ ‬بات‭ ‬يهدد‭ ‬سلامة‭ ‬اتحادها‭ ‬وتماسكه‭ ‬وسبل‭ ‬العيش‭ ‬فيه‭.‬

ليست‭ ‬أوروبا‭ ‬في‭ ‬وضع‭ ‬سليم‭. ‬ليس‭ ‬لأن‭ ‬بعض‭ ‬الدول‭ ‬مدت‭ ‬أصابعها‭ ‬إلى‭ ‬نار‭ ‬أوكرانيا‭ ‬وحسب،‭ ‬بل‭ ‬وأيضا‭ ‬لأنها‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬تفكر‭ ‬بطريقة‭ ‬علانية‭ ‬تضمن‭ ‬لها‭ ‬سلاما‭ ‬داخليا‭ ‬مستداما‭.‬

فضريبة‭ ‬المشاركة‭ ‬في‭ ‬الحرب‭ ‬الأوكرانية،‭ ‬التي‭ ‬هي‭ ‬حرب‭ ‬عبثية‭ ‬عالية‭ ‬جدا،‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬يستمر‭ ‬الأوروبيون‭ ‬في‭ ‬التزام‭ ‬جانب‭ ‬الصمت‭ ‬عليها‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬حقيقة‭ ‬تلك‭ ‬الحرب‭ ‬التي‭ ‬يدرك‭ ‬الكثير‭ ‬منهم‭ ‬أنها‭ ‬تصب‭ ‬في‭ ‬مصلحة‭ ‬الشعب‭ ‬الأمريكي‭ ‬وتضر‭ ‬بالمصالح‭ ‬الأوروبية‭ ‬قد‭ ‬تؤدي‭ ‬إلى‭ ‬ألا‭ ‬يثق‭ ‬الأوروبيون‭ ‬بضرورة‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬لاتحادهم‭ ‬وجود‭. ‬لقد‭ ‬صار‭ ‬مجرد‭ ‬منصة‭ ‬أمريكية‭ ‬يتم‭ ‬الجدل‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬مع‭ ‬روسيا‭.‬

أوروبا‭ ‬الموحدة‭ ‬هي‭ ‬اقتصاد‭ ‬كبير‭ ‬وحيوية‭ ‬خلق‭ ‬وإبداع‭ ‬وابتكار‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬المجالات‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬على‭ ‬سياسييها‭ ‬أن‭ ‬ينظروا‭ ‬إليه‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يؤكدوا‭ ‬ارتباطهم‭ ‬بسياسة‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬التعهد‭ ‬باستعادة‭ ‬زمن‭ ‬الحرب‭ ‬الباردة‭ ‬تعويضا‭ ‬عن‭ ‬فشل‭ ‬مواجهة‭ ‬الصين‭. ‬

وإذا‭ ‬نجح‭ ‬ذلك‭ ‬الرهان‭ ‬أو‭ ‬فشل‭ ‬فإن‭ ‬أوروبا‭ ‬ستخرج‭ ‬منه‭ ‬خاسرة‭. ‬فما‭ ‬الذي‭ ‬تستفيده‭ ‬أوروبا‭ ‬من‭ ‬إنهاك‭ ‬روسيا‭ ‬ودفعها‭ ‬إلى‭ ‬التفكير‭ ‬بلحظة‭ ‬الصفر‭ ‬التي‭ ‬هي‭ ‬بداية‭ ‬للدمار‭ ‬الشامل‭ ‬الذي‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬مجازيا؟

استضعاف‭ ‬روسيا‭ ‬يتم‭ ‬الآن‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬استضعاف‭ ‬أوروبا‭. ‬ولأن‭ ‬أوروبا‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬العالم‭ ‬تمثل‭ ‬الجوهر‭ ‬الأخلاقي‭ ‬فإن‭ ‬سقوطها‭ ‬في‭ ‬وحل‭ ‬السياسة‭ ‬الأمريكية‭ ‬إنما‭ ‬ينزع‭ ‬عنها‭ ‬طابعها‭ ‬الأخلاقي‭ ‬الذي‭ ‬هو‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬العالم‭ ‬منجم‭ ‬تصدر‭ ‬عنه‭ ‬كل‭ ‬القيم‭ ‬المعاصرة‭. ‬أوروبا‭ ‬هي‭ ‬عصرنا‭ ‬الحديث‭.‬

لا‭ ‬يمكن‭ ‬اختزال‭ ‬الأمر‭ ‬بدبابة‭ ‬ألمانية‭ ‬أو‭ ‬مدفع‭ ‬فرنسي‭ ‬أو‭ ‬طائرة‭ ‬مسيرة‭ ‬مجهولة‭ ‬الهوية‭. ‬لقد‭ ‬فقدت‭ ‬أوروبا‭ ‬هويتها‭ ‬في‭ ‬الامتحان‭ ‬الأوكراني‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬قد‭ ‬يشكل‭ ‬عنصرَ‭ ‬تهديد‭ ‬لبقاء‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬وهو‭ ‬أكثر‭ ‬خطرا‭ ‬من‭ ‬انفصال‭ ‬بريطانيا‭ ‬عنه‭.‬

لذلك‭ ‬يمكن‭ ‬القول‭ ‬إن‭ ‬أوروبا‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬استمرت‭ ‬بطريقتها‭ ‬في‭ ‬إدارة‭ ‬حرب‭ ‬أوكرانيا‭ ‬فستفقد‭ ‬أعز‭ ‬ما‭ ‬لديها‭ ‬وهو‭ ‬اتحادها‭.‬

{‭ ‬كاتب‭ ‬عراقي

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا