العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

كيف يشجع الغرب إيران كي تواصل سياساتها العدوانية؟

بقلم: فاروق يوسف

الاثنين ٢٩ مايو ٢٠٢٣ - 02:00

يظن‭ ‬البعض‭ ‬أن‭ ‬السياسيين‭ ‬الإيرانيين‭ ‬يتمتعون‭ ‬بذكاء‭ ‬يحول‭ ‬دون‭ ‬وقوع‭ ‬إيران‭ ‬في‭ ‬صدام‭ ‬مباشر‭ ‬مع‭ ‬الأقوياء‭ ‬من‭ ‬خصومها‭. ‬وهو‭ ‬ظن‭ ‬يتستر‭ ‬على‭ ‬حقيقة‭ ‬أن‭ ‬أولئك‭ ‬الخصوم‭ ‬قد‭ ‬غضوا‭ ‬الطرف‭ ‬عن‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأفعال‭ ‬المجنونة‭ ‬التي‭ ‬قام‭ ‬بها‭ ‬النظام‭ ‬الإيراني‭ ‬في‭ ‬أوقات‭ ‬سابقة،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬ألحق‭ ‬أضرارا‭ ‬هائلة‭ ‬بدول‭ ‬المنطقة‭. ‬فليست‭ ‬التدخلات‭ ‬الإيرانية‭ ‬في‭ ‬الشؤون‭ ‬الداخلية‭ ‬للعراق‭ ‬ولبنان‭ ‬واليمن‭ ‬وسوريا‭ ‬خافية‭ ‬على‭ ‬العقل‭ ‬السياسي‭ ‬الغربي‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يعنيه‭ ‬في‭ ‬شيء‭ ‬لو‭ ‬قيل‭ ‬إنه‭ ‬يكيل‭ ‬بمكيالين‭.‬

لذلك‭ ‬فإن‭ ‬الصمت‭ ‬الغربي‭ ‬عما‭ ‬تفعله‭ ‬إيران‭ ‬لا‭ ‬علاقة‭ ‬له‭ ‬بمستوى‭ ‬الذكاء‭ ‬لدى‭ ‬سياسييها‭ ‬الذين‭ ‬يشيعون‭ ‬كذبة‭ ‬ذكائهم‭ ‬ويروجها‭ ‬أتباعهم‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬يصدقوها‭. ‬وليس‭ ‬خافيا‭ ‬على‭ ‬سياسيي‭ ‬الغرب‭ ‬الذين‭ ‬تفاوضوا‭ ‬في‭ ‬فيينا‭ ‬بحثا‭ ‬عن‭ ‬سبيل‭ ‬للوصول‭ ‬إلى‭ ‬اتفاق‭ ‬نووي‭ ‬جديد‭ ‬كم‭ ‬كان‭ ‬الوفد‭ ‬الإيراني‭ ‬يكذب‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تأخير‭ ‬التوقيع‭ ‬على‭ ‬اتفاق‭ ‬قد‭ ‬يلزمهم‭ ‬بأشياء‭ ‬لا‭ ‬يرغبون‭ ‬في‭ ‬الالتزام‭ ‬بها‭ ‬في‭ ‬المدى‭ ‬المستقبلي‭.‬

ولأن‭ ‬إيران‭ ‬تعرف‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تجاربها‭ ‬السابقة‭ ‬أن‭ ‬ردود‭ ‬الأفعال‭ ‬الغربية‭ ‬المباشرة‭ ‬لا‭ ‬تمت‭ ‬بصلة‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬يقوله‭ ‬الإعلام‭ ‬فإنها‭ ‬لم‭ ‬تتراجع‭ ‬عن‭ ‬سياساتها‭ ‬العدوانية‭ ‬القائمة‭ ‬أصلا‭ ‬على‭ ‬مبدأ‭ ‬تصدير‭ ‬الثورة‭ ‬الذي‭ ‬هو‭ ‬غطاء‭ ‬طائفي‭ ‬لتمدد‭ ‬استعماري‭ ‬من‭ ‬نوع‭ ‬جديد‭.‬

تلك‭ ‬صورة‭ ‬العراق‭ ‬الذي‭ ‬حُرم‭ ‬من‭ ‬سيادته‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬صارت‭ ‬السلطة‭ ‬فيه‭ ‬حكرا‭ ‬على‭ ‬طبقة‭ ‬سياسية‭ ‬فاسدة‭ ‬لا‭ ‬يهمها‭ ‬سوى‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬مصالح‭ ‬إيران‭. ‬دولة‭ ‬فاشلة‭ ‬صنعتها‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬لتتركها‭ ‬في‭ ‬عهدة‭ ‬إيران‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬وكلائها‭. ‬تلك‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬إنجازات‭ ‬الغرب‭ ‬الذي‭ ‬يردد‭ ‬إعلامه‭ ‬أن‭ ‬إيران‭ ‬أكثر‭ ‬خطرا‭ ‬من‭ ‬كوريا‭ ‬الشمالية‭ ‬على‭ ‬الأمن‭ ‬العالمي‭.‬

ليس‭ ‬هناك‭ ‬أي‭ ‬قدر‭ ‬من‭ ‬الغباء‭ ‬في‭ ‬السلوك‭ ‬الغربي‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬إيران‭. ‬لسنوات‭ ‬طويلة‭ ‬سعت‭ ‬أوروبا‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬تمد‭ ‬إلى‭ ‬إيران‭ ‬حبل‭ ‬الخلاص‭ ‬من‭ ‬العقوبات‭ ‬الأمريكية‭. ‬ما‭ ‬الذي‭ ‬فعلته‭ ‬إيران‭ ‬ردا‭ ‬لذلك‭ ‬الجميل؟‭ ‬أسقطت‭ ‬مضاداتها‭ ‬الجوية‭ ‬الطائرة‭ ‬المدنية‭ ‬الأوكرانية‭ ‬ولم‭ ‬يحدث‭ ‬ذلك‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬الخطأ‭. ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬قرار‭ ‬بإسقاط‭ ‬الطائرة‭. ‬أما‭ ‬حين‭ ‬قصفت‭ ‬إيران‭ ‬منشآت‭ ‬شركة‭ ‬أرامكو‭ ‬السعودية‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬ذلك‭ ‬تهديدا‭ ‬حقيقيا‭ ‬لإمدادات‭ ‬النفط‭ ‬العالمية‭. ‬هل‭ ‬حدث‭ ‬ذلك‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬الخطأ؟‭ ‬كانت‭ ‬ردود‭ ‬الفعل‭ ‬باردة‭. ‬لقد‭ ‬تُركت‭ ‬المملكة‭ ‬العربية‭ ‬السعودية‭ ‬لتواجه‭ ‬هذا‭ ‬الاعتداء‭ ‬بمفردها‭. ‬كان‭ ‬ذلك‭ ‬درسا‭ ‬قاسيا‭.‬

هل‭ ‬كان‭ ‬الإيرانيون‭ ‬أذكياء‭ ‬حين‭ ‬أسقطوا‭ ‬الطائرة‭ ‬الأوكرانية‭ ‬وحين‭ ‬قصفوا‭ ‬منشآت‭ ‬النفط‭ ‬السعودية؟‭ ‬أم‭ ‬لأن‭ ‬إيران‭ ‬لم‭ ‬تُعاقب‭ ‬فذلك‭ ‬شأن‭ ‬آخر‭. ‬شأن‭ ‬يتعلق‭ ‬بسياسة‭ ‬الكيل‭ ‬بمكيالين‭. ‬وعلينا‭ ‬هنا‭ ‬أن‭ ‬نتذكر‭ ‬الأسباب‭ ‬التي‭ ‬طرحها‭ ‬الأمريكان‭ ‬لغزوهم‭ ‬العراق‭ ‬والتي‭ ‬تبين‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬أنها‭ ‬كانت‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الأكاذيب‭ ‬التي‭ ‬لُفقت‭ ‬كما‭ ‬اعترف‭ ‬وزير‭ ‬الخارجية‭ ‬الأمريكي‭ ‬في‭ ‬حينها‭ ‬كولن‭ ‬باول‭. ‬لم‭ ‬يفعل‭ ‬العراق‭ ‬عشر‭ ‬ما‭ ‬تفعله‭ ‬إيران‭ ‬لكي‭ ‬يستحق‭ ‬العقاب‭ ‬الذي‭ ‬أزاحه‭ ‬من‭ ‬التاريخ‭ ‬وألحقه‭ ‬بإيران‭.‬

تزعم‭ ‬إيران‭ ‬أنها‭ ‬ساعدت‭ ‬الأمريكان‭ ‬في‭ ‬احتلال‭ ‬العراق‭ ‬وأنهم‭ ‬لولاها‭ ‬لما‭ ‬تمكنوا‭ ‬من‭ ‬تدميره‭. ‬ولكن‭ ‬قرار‭ ‬الغزو‭ ‬كان‭ ‬أمريكيا‭ ‬والقوة‭ ‬العسكرية‭ ‬الجبارة‭ ‬كانت‭ ‬أمريكية‭ ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬لإيران‭ ‬دور‭ ‬سوى‭ ‬في‭ ‬السماح‭ ‬لمليشياتها‭ ‬باجتياح‭ ‬الأراضي‭ ‬العراقية‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬فتح‭ ‬الأمريكان‭ ‬الحدود‭ ‬لها‭.‬

وهو‭ ‬ما‭ ‬يتعارض‭ ‬مع‭ ‬القوانين‭ ‬الدولية‭ ‬التي‭ ‬تفرض‭ ‬على‭ ‬المحتل‭ ‬مهمة‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬سلامة‭ ‬الأراضي‭ ‬التي‭ ‬يحتلها‭. ‬لقد‭ ‬خرقت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬خططت‭ ‬لإيران‭ ‬دورها‭ ‬في‭ ‬أداء‭ ‬المهمات‭ ‬القذرة‭ ‬في‭ ‬العراق‭.‬

والآن‭ ‬يظن‭ ‬المراهنون‭ ‬على‭ ‬الذكاء‭ ‬الإيراني‭ ‬أن‭ ‬الاتفاق‭ ‬الصيني‭ ‬مع‭ ‬المملكة‭ ‬العربية‭ ‬السعودية‭ ‬سيكون‭ ‬نافذة‭ ‬إيران‭ ‬التي‭ ‬ستخرج‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬إلى‭ ‬العالم‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬أغلقت‭ ‬في‭ ‬وجهها‭ ‬كل‭ ‬الأبواب‭. ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يشبه‭ ‬الأمنية‭. ‬فما‭ ‬لم‭ ‬تتخل‭ ‬إيران‭ ‬عن‭ ‬سياساتها‭ ‬العدوانية‭ ‬فإنها‭ ‬ستظل‭ ‬تدور‭ ‬في‭ ‬مكانها‭. ‬فهل‭ ‬ستطلق‭ ‬إيران‭ ‬مبادرة‭ ‬حسن‭ ‬نية‭ ‬في‭ ‬اليمن‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال؟‭. ‬ذلك‭ ‬ما‭ ‬تحتاجه،‭ ‬ولكن‭ ‬ذكاء‭ ‬سياسييها‭ ‬لا‭ ‬يصل‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬المستوى‭. ‬فهو‭ ‬ذكاء‭ ‬مرتبط‭ ‬بإرادة‭ ‬الولي‭ ‬الفقيه‭ ‬التي‭ ‬هي‭ ‬إرادة‭ ‬مغلقة‭ ‬على‭ ‬مسلمات‭ ‬وضعها‭ ‬زعيم‭ ‬الثورة‭ ‬الخميني‭ ‬وآمن‭ ‬بها‭ ‬الحرس‭ ‬الثوري‭ ‬الذي‭ ‬يرعى‭ ‬العقيدة‭.‬

إيران‭ ‬في‭ ‬حقيقتها‭ ‬دولة‭ ‬أسيرة‭ ‬نظامها‭ ‬العقائدي‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يؤمن‭ ‬بالقوانين‭ ‬الوضعية‭ ‬ولا‭ ‬يعترف‭ ‬بالقوانين‭ ‬الدولية‭ ‬وليس‭ ‬في‭ ‬دستوره‭ ‬ما‭ ‬يشير‭ ‬إلى‭ ‬الحدود‭ ‬المسموح‭ ‬له‭ ‬بالتحرك‭ ‬داخلها‭. ‬فجمهورية‭ ‬الملالي‭ ‬لا‭ ‬حدود‭ ‬لها‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬الخطر‭ ‬الإيراني‭ ‬سيكون‭ ‬ماثلا‭ ‬في‭ ‬أيّ‭ ‬لحظة‭. ‬فهل‭ ‬سيظل‭ ‬الغرب‭ ‬غافلا‭ ‬عن‭ ‬تلك‭ ‬الحقيقة؟

{‭ ‬كاتب‭ ‬عراقي

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا