الكواليس
وفاء جناحي
waffajanahi@gmail.com
أين أبي في فرحي وحزني ومرضي؟
عندما تجلس أمام إنسان عاقل وراشد وتسمع معاناته تتعاطف معه، ولكن عندما تنظر في عين طفل صغير لا يتعدى عمره 12 سنة وهو يحاول أن يشرح آلامه وقهره تشعر بآلام غريبة وحزن ما بعده حزن.
سمعته يصرخ لأول مرة في وجه أمه ويقول: «لا تقولين أبوي! أنا ما عندي أبو» ويجري إلى غرفته الصغيرة، دخلت عليه الغرفة لألومه على صراخه وهو الولد الطيب الهادئ المتفوق دراسيا، لأفاجأ بأنه يضع وجهه في وسادته ليخفي دموعه الغزيرة، شعرت بألم وحزن لا أستطيع أن أوصفه فسألته (اشفيك حبيبي ليش زعلان وأول مرة تصارخ على أمك؟!)، فقال لأنها رغم كل ما يفعله أبوي فيها وفينا، ورغم تركه لنا وهجرنا وعدم صرفه علينا لأكثر من سنتين إلا أنها مازالت تحثنا على حبه واحترامه وتقول في الأخير هو أبوكم!!
أضاف منهارا خالتي أبوكم بالاسم فقط ولكن أين هو؟ نحن نعاني نفسيا وماديا منذ شهور طويلة، وعندما يتعطف علينا ليأخذنا معه إلى بيت جدتي يكون مشغولا عنا في غرامياته ومغازلاته وحياته الخاصة، حتى عندما نشتهي أنا وإخوتي الصغار أي أكل ونطلبه منه يصرخ فينا ويقول إننا قليلين أدب (وما شايفين خير) لأننا نطلب أكل؟؟ مع أننا نطلب الأكل من والدنا وليس من أي أحد غريب! ثم نظر إلى الأرض وقال: نعم نحن ما شايفين عطفا وحنانا وحبا وخيرا من أبونا، لذلك أصبحنا كالمتسولين نتسول رأفته وعطفه وخيره وهذا ذنبه وليس ذنبنا.
تصوروا عندما يتحدث طفل في الثانية عشرة هكذا كلام؟ أصابني كلامه وطريقة محاولته بشرح معاناته بكلماته البسيطة بالبكم (وعيوني بققة) من الصدمة بصراحة لم أعرف ماذا أجيبه لثوانٍ، ولكنني حاولت أن أخفف من معاناته وأقول له إن الخير والبركة في أمهم، ولكنني شعرت بأنني أخطأت أو أصبت جرحا غزيرا في الطفل لأنه فتح في البكاء الشديد وقال: حبيبتي أمي ما قصرت ولا تقصر معانا تربينا أحسن تربية في قلبها حب وحنان يكفي العالم كله، كما أنها تحاول ما تخلينا نحتاج أي شيء من أحد ولكنها وحيدة ليس لديها أهل وراتبها التقاعدي لا يكفي ثلاثة أطفال في مراحل متعددة من الدراسة، وبالرغم من كل ذلك لا تشتكي ولا تطريه بالسوء والمصيبة إنها لا ترضى أن نقول أي حرف سيئ عنه وهذا الذي يخنقني!
طفل أو ولد في الثانية عشرة من عمره مخنوق لأنه يعاني من عقوق وظلم والده المراهق، أم تعاني من الظلم والقهر وضيق المشاعر واليد، وعليها أن تتعايش مع معاناة أطفالها، ولكن التربية والعادات والتقاليد تجبرها أن تكتم قهرها ومعاناتها عن أطفالها بل تحثهم على حب واحترام الأب الظالم!
أي نوع من البشر هذا الذي يرضى أن يذل فلذات كبده ويتركهم بلا نفقة ولا حب ولا رعاية؟
أي عقل وأي دين وأي قانون وأي عادات وتقاليد يرضى أن نفرض حب إنسان ظالم مجرد من الإنسانية والمشاعر الأبوية على أطفال صغار يعانون القهر والذل والمهانة، كيف نستطيع أن نقول في النهاية هو أبوكم وعيب تغلطون عليه! وهو لا يمثل ولا نصف في المائة من صفة الأبوة؟ أين كان أبوهم هذا في أكثر أوقات احتياجهم إليه؟ في فرحهم أو مرضهم أو جوعهم أو أو...؟ كيف أستطيع فرض احترام وحب إنسان لا أعرفه إلا بالاسم؟
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك