تقول الأستاذة بشرى الهندي المتخصصة في رفاهية المؤسسات: هناك فروقات واضحة بين الرفاهية الوظيفية والاحتراق الوظيفي، البعض يعتقد أن مفهوم الرفاهية في العمل عبارة عن برامج ترفيهية أو وجبات عمل جماعية أو زيادة مالية فقط، الا انه عكس ذلك تماماً ويتعلق بسلامة البيئة المادية وما يشعر به العمال حيال عملهم والمناخ في العمل وتنظيم العمل ويجب ان تبنى الرفاهية بحسب استراتيجيات واضحة داخل المؤسسات ومرتبطة باحتياجات المؤسسة والعاملين فيها، كما للرفاهية انعكاسات إيجابية كثيرة أولها ارتفاع هرمون السعادة الذي يقود الموظف نحو الإنتاجية العالية والتميز والعطاء اللامحدود.
كما تشير بشرى إلى المفهوم الدقيق للاحتراق الوظيفي ليس وليد العصر كما يدعي البعض، وإنما يعود تاريخه أول مرة إلى عام 1970 من قبل عالم النفس الأمريكي هربرت فرودنبرجر. واستخدمها ذلك الوقت لوصف عواقب الإجهاد الشديد الذي كان منتشرا لدى البعض مثل الأطباء والممرضات، على سبيل المثال الذين يضحون بأنفسهم من أجل الآخرين. أما اليوم فمنظمة الصحة العالمية تُعرف الاحتراق الوظيفي بأنه «إجهاد مزمن في مكان العمل إلى جانب بعض الأعراض المصاحبة له كاستنزاف الطاقة وتقليل الفاعلية المهنية، وزيادة المشاعر السلبية تجاه الوظيفة، ما يؤثر على السمات الشخصية للموظف وسلوكه مع الآخرين ولا سيما أنه سيصبح انعزاليا وفاقدا للرغبة في مواجهة الحياة». لذلك تؤكد بشرى أن غياب العدالة وبيئة العمل السامة وغياب الرضى الوظيفي والمكافآت غير المتكافئة مع العمل أحد الأسباب الرئيسة المسببة للاحتراق الوظيفي.
وحتى تتحقق النتائج الإيجابية للرفاهية تشير بشرى إلى أهمية رصد الأعراض التي تصيب الموظف عند تعرضه للاحتراق الوظيفي كالإرهاق والتعب والصداع وآلام في المعدة والظهر وارتفاع ضغط الدم، وهنالك أعراض نفسية مثل الشعور بالقلق والاكتئاب والشعور بنوبات الغضب، بالإضافة إلى الملل وتراجع الثقة بالنفس، وفقدان التركيز، وتراجع الشغف والابداعية والإنتاجية. وتقول بشرى إنه بالنسبة إلى التعامل مع الاحتراق الوظيفي ليس بالأمر الصعب، ولكن ليس بالسهل ايضاً حيث يتطلب من المؤسسات والمسؤولين والموظفين الوقاية الضرورية والتوعية حيث انه لا يوجد عمل يخلو من الضغوطات ولكن بالقدر المعقول، تشير احدى الدراسات الحديثة لكلية إدارة الاعمال في جامعة هارفارد التي نشرت مؤخراً إلى أن ما يقارب 322 مليار دولار حجم الأعمال والخسائر في الانتاجية على مستوى العالم بسبب الاحتراق الوظيفي. كما تقول بشرى ان أسرارا كثيرة حول العلاقة بين الاحتراق الوظيفي ورفاهية الموظفين تكمن في «دورة مُسيطر» التي تتحدث فيها عن استراتيجيات الوقاية من الاحتراق الوظيفي مركزة على الجوانب الصحيحة للرفاهية الوظيفية. اما بالنسبة إلى الوظائف الأكثر عرضه للاحتراق الوظيفي فتقول بشرى إن كل الوظائف يمكن أن تُعرض موظفيها لذلك، لكن ما كشفته الدراسات ان المهن التي ترتبط بتقديم خدمات إنسانية مباشرة الى الناس هي الاكثر عرضة مثل الكوادر الطبية والتعليمية وحتى الخدمات الاجتماعية.
من أهم النصائح التي تقدمها بشرى من منطلق خبرتها في مجال رفاهية المؤسسات والاحتراق الوظيفي لأصحاب المؤسسات بعمل تقييم داخلي الى نسبة الاحتراق الوظيفي داخل المؤسسات، وأخذ الأسباب بعين الاعتبار، ومن ثم بناء استراتيجية الرفاهية الوظيفية التي ستسهم في حماية الموظفين والمسؤولين والمؤسسات من تراجع الإنتاجية وكذلك ستحافظ على ميزتها التنافسية في سوق العمل. كما توجه كلمتها الأخيرة والمهمة لجميع العاملين من أعلى هرم في المؤسسة. ان التعرف على أعراض الاحتراق الوظيفي وعدم التهاون فيها والوعي من خلال الاطلاع على استراتيجيات الرفاهية الوظيفية التي تحمي وتطور المهارات التي ستحافظ من خلالها على المهنية العالية والإنتاجية وإنتاجيتك والتوزان المهني والنفسي.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك