كتاب كان حلما راودني منذ زمن بعيد، ثم أصبح حقيقة وثمرة جهود بدأتها طيلة أربعة عشر عاماً تقريباً، فمنذ الخامس عشر من يونيو 2008م بدأت في تنفيذه وأنجزته عام 2022م عندما كانت فكرة تراوح مكانها أتعثر بها الخطى والناس يتساءلون ويأملون ولادته حتى كادوا يفقدون الأمل في ولادة هذا الكيان بسبب الظروف المستعصية الصحية والاجتماعية التي مررنا بها جميعاً قبل أكثر من ثلاث سنين فخرج - أخيراً إلى النور بعد عسر ومشقة.
ويمكن القول إن هذا الكتاب أصعب محطات تجاربي في التوثيق من حيث البحث عن المادة التاريخية بسبب شح المعلومات وندرة مصادرها، ورحيل كبار السن وأصحاب الذاكرة من رجالات آل سرحان وغيرهم.
سعيت جاهداً طيلة هذه المدة متحملاً قبول الفكرة من البعض ورفضها من الآخر، لذلك بقيت بعض العوائل من شجرة آل سرحان مجهولة لا أعرف عنها شيئاً، ولم تتح لي الفرصة التعرف عليها تاركا البحث عنها إلى الآتين من الباحثين لتوثيق ما جهلناه.
وصلت إلى قناعة واكتفيت بما حصلت عليه من معلومات، وحين حصلت على ترخيص طباعة الكتاب من وزارة الإعلام سارعت بطباعته في مطبعة جريدة «أخبار الخليج» تلك المؤسسة العريقة التي اخترت طباعة كتابي فيها، ومعظم كتبي التي ألفتها لدرايتي بجودة طباعتها ومهارة كوادرها في فرز الألوان واختيار الورق الجيد المناسب، ولأني أحد العاملين في القسم الفني في الجريدة كنت على قرب من ورشات العمل في أقسام الجريدة.
توجت بحثي في الحصول على تسعة عشر مشجرة من نسب آل سرحان أصولا وفروعاً واكتفيت لرفد هذا البحث المهم بالكلمة والصورة وبالشرح والتفصيل، ليكون البداية الأولى الإصدار أول كتاب يؤرخ نسب العوائل في منطقتنا باعتباره مشروعاً تاريخيا ووثيقة تحفظ لأجيالنا تاريخ وتراث هذه العائلة.
ويهمني في ذلك القول ان في مملكة البحرين وجدت عائلة آل سرحان وبين عوائلها العربية الأصيلة في نسبها، عائلة سكنت قرية العكر البحرينية، وتعددت أسرها فكان بعضها في النويدرات والمعامير والديه وبعضها خارج الوطن كالمنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية وبندر لنجة، ومسقط في عمان ودبي بدولة الإمارات العربية المتحدة. وكثيرا ما نجد بعض كتابات الأقدمين من أبنائها مذيلة بعبارة مثلاً (العكري أصلا والنويدري مسكنا).
يحدو بي الشوق في الكتابة والبحث عن هذه العائلة، فمنذ سنة 2008م التي بدأت فيها البحث وحتى عام 2022م ترسخت عندي فكرة التقصي الجاد في البحث عن هذه العائلة، وكم كنت تواقاً والأمل يأخذني في أن أرى هذا الكتاب منجزاً يتصفحه الآباء والأبناء والأحفاد ليكون بعدنا وثيقة تاريخية تحتفظ بها الأجيال.
وبعد التقصي خلصت في بحثي إلى أن عائلة آل سرحان جاءت من قرية العكر ونشأت فيها وهو أمر لا إشكال فيه، وكل ما قيل أو كتب في مواقع التواصل أو جاء على ألسنة البعض من ليس له دراية من أن عائلة آل سرحان البحرينية كان موطنها الأصلي شبه الجزيرة العربية جاءت وانتشرت فروعها مباشرة في مملكة البحرين هو قول لا يستند إلى دليل ولا توجد قرينة دالة على ذلك.
كما أن من الواضح أن كل من سكن البحرين هم من قبيلة عبد القيس كما تؤكد المصادر التاريخية وأنها سكنت هذا الوطن وأن آل سرحان ضمن هذه العائلات، لكننا لا نملك الدليل على تحديد البلد التي جاءت منها أو اسم العشيرة التي تنتمي إليها مباشرة هذه العائلة.
وعلى أثر ذلك فإنّ ما وثقته من تاريخ هذه العائلة وما أوردته من مشجراتها المتنوعة للحصر كلها على أصولها العكراوية المتنوعة بحكم كثرة عددها فغلب على بعضها مسميات مختلفة، فاشتهرت بها كعائلة الونّي والعكري وحميدان وآل حسين مثلا.
وقد اشتهرت هذه العائلة بعطائها العلمي والثقافي والفني ويشهد بذلك تاريخها النقي بدءا بمعلميها في كتاتيب القرآن الكريم منذ القرنين الرابع عشر والخامس عشر الهجريين وصولا بكوادرها في الكثير من التخصصات العلمية والأدبية، ومنهم من لمع اسمه في علم المكتبات والمحاماة وفي الكتابة والتوثيق وفي الطب والاقتصاد وإدارة الأعمال والمحاسبة وفي الصيدلة والفن والتشكيل والخط العربي وأدبياته.
لذلك اختزنت هذه العائلة إرثا ملحوظاً مشهوداً لها بالأنشطة يعرفه كل من تعرف على تاريخ هذه العائلة وبخاصة الباحثون الذين تقلبت أنظارهم في بعض تراثهم، فصبت نهايات جهودها وخيراتها ونواتجها الفاعلة في خدمة المجتمع المدني الحي وأنتجت جهداً كبيرا من طاقات أبنائها في تحقيق إنجازات خدماتية مشهودة لهم من جموه الأهالي من ترتيب على ذلك - بلا شك - كتابة شيء من تاريخها الثقافية والفكري، وتدوين بعض إسهاماته في تحقيق الأهداف التي توخاها مجتمعهم المدني بظروفه الصعبة التي مر بها على امتداد سنوات القرون المتأخرة بخاصة القرنين الثالث عشر والرابع عشر الهجريين، فقد وفقني الله في الكتابة والتوثيق عن تاريخ هذه العائلة، وفي إنجاز هذا الكتاب أكون قد حققت أمنيتي طالما كانت تراودني منذ عهد ليس بالقصير.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك