العدد : ١٦٩٨٩ - الجمعة ٢٧ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٦٩٨٩ - الجمعة ٢٧ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

21 سنة في أخبار الخليج (3)

تحدثت‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬اليومين‭ ‬الفائتين،‭ ‬عن‭ ‬دهشتي‭ ‬عندما‭ ‬اكتشفت‭ ‬أنني‭ ‬ظللت‭ ‬أكتب‭ ‬مقالا‭ ‬يوميا‭ ‬في‭ ‬أخبار‭ ‬الخليج‭ ‬منذ‭ ‬21‭ ‬سنة،‭ ‬لأن‭ ‬السائد‭ ‬في‭ ‬علاقات‭ ‬الصحفيين‭ ‬والكتاب‭ ‬بالصحف‭ ‬تكون‭ ‬في‭ ‬غالب‭ ‬الأحوال‭ ‬ترانزيت،‭ ‬أي‭ ‬أن‭ ‬الواحد‭ ‬منهم،‭ ‬وكما‭ ‬لاعب‭ ‬كرة‭ ‬القدم‭ ‬يتوقف‭ ‬عند‭ ‬محطة‭ ‬معينة‭ ‬لسنوات‭ ‬معدودة‭ ‬ثم‭ ‬ينتقل‭ ‬إلى‭ ‬أخرى‭ ‬لسبب‭ ‬أو‭ ‬لآخر‭.‬

وقلت‭ ‬إن‭ ‬أخبار‭ ‬الخليج‭ ‬ظلت‭ ‬تفي‭ ‬بالتزاماتها‭ ‬المالية‭ ‬نحوي‭ ‬بانتظام‭ ‬يجعلني‭ ‬أشك‭ ‬في‭ ‬‮«‬عروبتها‮»‬،‭ ‬وإن‭ ‬إدارتها‭ ‬ظلت‭ ‬تعاملني‭ ‬وغيري‭ ‬من‭ ‬العاملين‭ ‬بها‭ ‬أو‭ ‬المتعاملين‭ ‬معها‭ ‬باحترام‭ ‬ومهنية‭ ‬عالية،‭ ‬فكان‭ ‬أن‭ ‬ظللت‭ ‬بدوري‭ ‬وفيّاً‭ ‬لها‭ ‬وسأظل‭ ‬كذلك‭ ‬بإذن‭ ‬الله‭ ‬ما‭ ‬دمت‭ ‬أحتفظ‭ ‬بشيء‭ ‬من‭ ‬قواي‭ ‬الجسدية‭ ‬والعقلية‭: ‬يعني‭ ‬هي‭ ‬تطالب‭ ‬بالخلع‭ ‬بكيفها‭ ‬وعلى‭ ‬كيفها‭ (‬واستبعد‭ ‬ذلك‭)‬،‭ ‬أما‭ ‬أن‭ ‬أطلقها‭ ‬أنا‭ ‬فلما‭ ‬‮«‬تشوف‭ ‬حلمة‭ ‬ودنها‮»‬‭ (‬لو‭ ‬قلت‭ ‬إن‭ ‬الذي‭ ‬بيننا‭ ‬زواج‭ ‬كاثوليكي‭ ‬لربما‭ ‬ساء‭ ‬ذلك‭ ‬البعض‭ ‬مع‭ ‬انها‭ ‬عبارة‭ ‬شائعة‭ ‬تعني‭ ‬عدم‭ ‬الطلاق‭ ‬نهائيا‭).  ‬

وثمة‭ ‬أمر‭ ‬آخر‭ ‬حببني‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الصحيفة‭ ‬وهم‭ ‬قراؤها،‭ ‬فقد‭ ‬كنت‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يظهر‭ ‬الواتساب‭ ‬ويفرق‭ ‬بين‭ ‬الأخ‭ ‬وأخيه‭ ‬وصاحبته‭ ‬وبنيه،‭ ‬أتلقى‭ ‬منهم‭/ ‬منهن‭ ‬رسائل‭ ‬تنضح‭ ‬تهذيبا‭ ‬وفهما‭ ‬لما‭ ‬بين‭ ‬سطور‭ ‬مقالاتي،‭ ‬فما‭ ‬من‭ ‬شيء‭ ‬يضايقني‭ ‬مثل‭ ‬وصفي‭ ‬بأنني‭ ‬كاتب‭ ‬‮«‬كوميدي‮»‬‭ ‬غايتي‭ ‬إضحاك‭ ‬الناس‭ ‬أو‭ ‬حملهم‭ ‬على‭ ‬الابتسام،‭ ‬واعترف‭ ‬بأنني‭ ‬كتبت‭ ‬مقالات‭ ‬خسارة‭ ‬فيها‭ ‬دقيقة‭ ‬قراءة‭ ‬واحدة،‭ ‬ولكنني‭ ‬وبوجه‭ ‬عام‭ ‬أحاول‭ ‬الخوض‭ ‬في‭ ‬قضايا‭ ‬عامة‭ ‬بأسلوبي‭ ‬الخاص‭ ‬مع‭ ‬ترك‭ ‬مساحة‭ ‬كبيرة‭ ‬لذكاء‭ ‬القارئ‭ ‬ليقرأ‭ ‬بين‭ ‬السطور‭ ‬ويدرك‭ ‬ما‭ ‬أرمي‭ ‬إليه،‭ ‬ولو‭ ‬حمله‭ ‬بعض‭ ‬ما‭ ‬أكتب‭ ‬على‭ ‬الابتسام‭ ‬والضحك‭ ‬ف«خير‭ ‬وبركة‮»‬

وثمة‭ ‬أمر‭ ‬ثالث‭ ‬وهو‭ ‬أن‭ ‬البحرين‭ ‬على‭ ‬بعضها‭ ‬ارتبطت‭ ‬في‭ ‬ذهني‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬جميل‭: ‬تضاريسها‭ ‬جميلة‭ ‬وقراها‭ ‬ومدنها‭ ‬جميلة،‭ ‬وأجمل‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬أهلها،‭ ‬فهم‭ ‬قوم‭ ‬على‭ ‬درجة‭ ‬عالية‭ ‬من‭ ‬التهذيب‭ ‬وحسن‭ ‬الأدب،‭ ‬وكتبت‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مرة‭ ‬عن‭ ‬أن‭ ‬الأقدار‭ ‬شاءت‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬البحرين‭ -‬وقبل‭ ‬أن‭ ‬أنتمي‭ ‬لأسرة‭ ‬هذه‭ ‬الصحيفة‭ - ‬نقطة‭ ‬تحول‭ ‬مهمة‭ ‬في‭ ‬مساري‭ ‬المهني،‭ ‬ففي‭ ‬أحد‭ ‬فنادقها‭ ‬وخلال‭ ‬أول‭ ‬زيارة‭ ‬لي‭ ‬لها‭ ‬تم‭ ‬اختباري‭ ‬ثم‭ ‬قبولي‭ ‬في‭ ‬قناة‭ ‬بي‭ ‬بي‭ ‬سي‭ ‬التلفزيونية،‭ ‬ورفع‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬قيمتي‭ ‬المهنية‭ ‬في‭ ‬سوق‭ ‬الإعلام‭.‬

خلال‭ ‬نفس‭ ‬تلك‭ ‬الزيارة‭ ‬استأجرت‭ ‬سيارة‭ ‬تاكسي‭ ‬لتطوف‭ ‬بي‭ ‬أرجاء‭ ‬المنامة،‭ ‬شريطة‭ ‬ألا‭ ‬تذهب‭ ‬بي‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬مول‮»‬،‭ ‬ثم‭ ‬استقللت‭ ‬سيارة‭ ‬ثانية‭ ‬طافت‭ ‬بي‭ ‬بعض‭ ‬المناطق‭ ‬الشاطئية،‭ ‬ثم‭ ‬ثالثة‭ ‬أخبرت‭ ‬سائقها‭ ‬أنني‭ ‬‮«‬غريب‮»‬‭ ‬عن‭ ‬البلاد‭ ‬وأريد‭ ‬رؤية‭ ‬بعض‭ ‬المناطق‭ ‬خارج‭ ‬المنامة،‭ ‬وليس‭ ‬من‭ ‬رجاحة‭ ‬العقل‭ ‬أن‭ ‬تعطي‭ ‬سائق‭ ‬سيارة‭ ‬تاكسي‭ ‬الانطباع‭ ‬بأنك‭ ‬‮«‬غريب‮»‬‭ ‬لأن‭ ‬المعتقد‭ ‬السائد‭ ‬هو‭ ‬أنه‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الحالة‭ ‬سيلف‭ ‬ويدور‭ ‬حتى‭ ‬ينشف‭ ‬جيبك‭.‬

عندما‭ ‬ركبت‭ ‬سيارة‭ ‬التاكسي‭ ‬الثالثة‭ ‬كانت‭ ‬الساعة‭ ‬تزحف‭ ‬نحو‭ ‬الثالثة،‭ ‬وبعد‭ ‬وصولنا‭ ‬أطراف‭ ‬المدينة‭ ‬توقفت‭ ‬السيارة‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬تضم‭ ‬متاجر‭ ‬متفرقة،‭ ‬وقال‭ ‬السائق‭: ‬الحين‭ ‬موعد‭ ‬الغداء،‭ ‬وهنا‭ ‬مطعم‭ ‬مشهور‭ ‬في‭ ‬إعداد‭ ‬الأسماك،‭ ‬فقلت‭ ‬له‭: ‬تفضل‭ ‬تناول‭ ‬غداءك‭ ‬وسأتجول‭ ‬قليلا‭ ‬إلى‭ ‬حين‭ ‬عودتك،‭ ‬فإذا‭ ‬به‭ ‬يصيح‭ ‬بما‭ ‬معناه‭: ‬يا‭ ‬زول‭ ‬أنا‭ ‬أدعوك‭ ‬للغداء‭ ‬بوصفك‭ ‬ضيفا‭ ‬عليّ‭ ‬وعلى‭ ‬بلدي‭.. ‬أي‭ ‬والله‭ ‬العظيم،‭ ‬أصر‭ ‬الرجل‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬أتناول‭ ‬الغداء‭ ‬على‭ ‬نفقته،‭ ‬ثم‭ ‬طاف‭ ‬بي‭ ‬في‭ ‬الرفاع‭ ‬ومناطق‭ ‬أخرى‭ ‬وأعادني‭ ‬الى‭ ‬الفندق،‭ ‬وما‭ ‬إن‭ ‬نزلت‭ ‬من‭ ‬السيارة‭ ‬وشرعت‭ ‬في‭ ‬إدخال‭ ‬يدي‭ ‬في‭ ‬جيبي‭ ‬لأدفع‭ ‬له‭ ‬أجرة‭ ‬الجولة‭ ‬حتى‭ ‬انطلق‭ ‬ملوحا‭ ‬لي‭ ‬بيده‭. ‬ركضت‭ ‬خلف‭ ‬السيارة‭ ‬لبضع‭ ‬ثوان‭ ‬ولكنه‭ ‬واصل‭ ‬التلويح‭ ‬بيده‭ ‬بإشارة‭ ‬الوداع،‭ ‬وكان‭ ‬ذلك‭ ‬الرجل‭ ‬أول‭ ‬من‭ ‬فتح‭ ‬قلبي‭ ‬لأهل‭ ‬البحرين‭ ‬وأكدت‭ ‬زياراتي‭ ‬التالية‭ ‬للمملكة‭ ‬أن‭ ‬أمثاله‭ ‬كثيرون‭. ‬

وسبحان‭ ‬الله‭ ‬ففي‭ ‬البحرين‭ ‬جالية‭ ‬سودانية‭ ‬تملأ‭ ‬العين‭ ‬وترفع‭ ‬الرأس،‭ ‬سودانيون‭ ‬وسودانيات‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬الطبقات،‭ ‬يمتازون‭ ‬بالمهنية‭ ‬العالية‭ ‬ويشاركون‭ ‬بحماس‭ ‬صادق‭ ‬في‭ ‬الفعاليات‭ ‬الثقافية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬وتربطهم‭ ‬بأهل‭ ‬البحرين‭ ‬علاقات‭ ‬ود‭ ‬صادق،‭ ‬فلا‭ ‬تملك‭ ‬كسوداني‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬تحب‭ ‬تلك‭ ‬الجالية‭ ‬الجميلة‭ ‬وتزداد‭ ‬حبا‭ ‬للبلد‭ ‬الجميل‭ ‬طبيعة‭ ‬وشعبا‭ ‬الذي‭ ‬يقيمون‭ ‬فيه‭.‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا