العدد : ١٦٩٨٩ - الجمعة ٢٧ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٦٩٨٩ - الجمعة ٢٧ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

نفسي اتدلع

حدثتكم‭ ‬بالأمس‭ ‬عن‭ ‬حلمي‭ ‬بأن‭ ‬اصبح‭ ‬الرئيس‭ ‬المنتخب‭ ‬مدى‭ ‬الحياة‭     ‬لجمهورية‭ ‬حلايب،‭ ‬وحلايب‭ ‬هذه‭ ‬منطقة‭ ‬تقع‭ ‬شمال‭ ‬شرق‭ ‬السودان‭ ‬وجنوب‭ ‬غرب‭ ‬مصر‭ ‬وتدّعي‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬البلدين‭ ‬ملكيتها،‭ ‬وأحدثكم‭ ‬اليوم‭ ‬عن‭ ‬حلم‭ ‬جديد‭ ‬يتمثل‭ ‬في‭ ‬اختراع‭ ‬إيطالي‭ ‬مذهل‭ ‬ولكن‭ ‬قبل‭ ‬ذلك‭ ‬سأروي‭ ‬لكم‭ ‬حادثتين‭: ‬ففي‭ ‬الإسكندرية‭ ‬بمصر‭ ‬غرق‭ ‬شاب‭ ‬ونقله‭ ‬أصدقاؤه‭ ‬إلى‭ ‬المستشفى‭ ‬حيث‭ ‬تم‭ ‬حفظ‭ ‬جثمانه‭ ‬في‭ ‬ثلاجة‭ ‬توطئة‭ ‬لإصدار‭ ‬شهادة‭ ‬الوفاة‭ ‬ثم‭ ‬الدفن،‭ ‬ولكن‭ ‬المتوفى‭ ‬أحس‭ ‬بالبرد‭ ‬الشديد‭ ‬فقرر‭ ‬صاحبنا‭ ‬أن‭ ‬ينهض‭ ‬ليأتي‭ ‬بغطاء‭ ‬ثقيل،‭ ‬وفوجئ‭ ‬بالظلام‭ ‬الشديد‭ ‬من‭ ‬حوله،‭ ‬وبأن‭ ‬رأسه‭ ‬يرتطم‭ ‬بجسم‭ ‬معدني‭ ‬صلب‭ ‬كلما‭ ‬حاول‭ ‬النهوض‭.  ‬تسلل‭ ‬الرعب‭ ‬إلى‭ ‬قلبه‭ ‬فصاح‭ ‬منادياً‭ ‬على‭ ‬أمه‭ ‬‮«‬يمه‭ ‬الحقيني‮»‬‭ ‬وبدأ‭ ‬يرفس‭ ‬يمنة‭ ‬ويسرة،‭ ‬وسمع‭ ‬الجلبة‭ ‬العامل‭ ‬المكلف‭ ‬بحراسة‭ ‬المشرحة‭ ‬ففتح‭ ‬الصندوق‭ ‬مصدر‭ ‬الصوت‭ ‬فإذا‭ ‬بالمتوفى‭ ‬ينهض‭ ‬جالساً‭ ‬في‭ ‬استخفاف‭ ‬صريح‭ ‬بالشهادة‭ ‬الطبية‭ ‬التي‭ ‬تثبت‭ ‬عدم‭ ‬أحقيته‭ ‬للحياة‭.  ‬فاندفع‭ ‬عامل‭ ‬المشرحة‭ ‬خارجاً‭ ‬ولم‭ ‬يعد‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬

وحدث‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬في‭ ‬إحدى‭ ‬قرى‭ ‬المملكة‭ ‬العربية‭ ‬السعودية‭ ‬أن‭ ‬توفى‭ ‬رجل‭ ‬فغسله‭ ‬أهله‭ ‬وكفنوه‭ ‬وحملوه‭ ‬إلى‭ ‬المقبرة‭ ‬وأثناء‭ ‬حفر‭ ‬القبر‭ ‬تناثر‭ ‬بعض‭ ‬التراب‭ ‬فوق‭ ‬جثمان‭ ‬المتوفى‭ ‬فما‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬الأخير،‭ ‬أي‭ ‬المتوفى،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬عطس،‭ ‬ففر‭ ‬المشيعون‭ ‬من‭ ‬منطقة‭ ‬الدفن‭. ‬والمهم‭: ‬فرح‭ ‬أهل‭ ‬المتوفى‭ ‬وانقلب‭ ‬عويلهم‭ ‬إلى‭ ‬زغاريد‭ ‬وعاد‭ ‬الرجل‭ ‬إلى‭ ‬بيته‭ ‬ومحبيه‭.  ‬

الاختراع‭ ‬الإيطالي‭ ‬يهدف‭ ‬إلى‭ ‬استدراك‭ ‬الأخطاء‭ ‬التي‭ ‬تؤدي‭ ‬إلى‭ ‬تشخيص‭ ‬بعض‭ ‬حالات‭ ‬الغيبوبة‭ ‬على‭ ‬أنها‭ ‬موت‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬دفن‭ ‬الأحياء‭ ‬كما‭ ‬حدث‭ ‬مراراً‭ ‬في‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭.  ‬وقد‭ ‬صمم‭ ‬هذا‭ ‬الطلياني‭ ‬تابوتاً‭ ‬مزوداً‭ ‬بنظام‭ ‬لتكييف‭ ‬الهواء‭ ‬وبه‭ ‬جهاز‭ ‬لإنعاش‭ ‬القلب‭ ‬وهاتف‭. ‬وهكذا‭ ‬عزيزي‭ ‬القاري‭ ‬قد‭ ‬يتم‭ ‬دفنك‭ ‬قبل‭ ‬‮«‬يومك‮»‬‭ ‬فتستيقظ‭ ‬من‭ ‬غيبوبتك‭ ‬وتشفط‭ ‬قليلاً‭ ‬من‭ ‬الأوكسجين‭ ‬ثم‭ ‬تمسك‭ ‬بالهاتف‭ ‬وتتصل‭ ‬بزوجتك‭ ‬وتقول‭ ‬لها‭ ‬أنك‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬سيارة‭ ‬للعودة‭ ‬إلى‭ ‬البيت‭ ‬فتسألك‭: ‬من‭ ‬أنت؟‭  ‬فترد‭ ‬عليها‭ ‬بالعنجهية‭ ‬المعتادة‭: ‬خلاص‭ ‬نسيتين‭ ‬يا‭ ‬بنت‭ ‬ال‭...‬؟‭ ‬وهل‭ ‬هناك‭ ‬رجل‭ ‬غيري‭ ‬يتصل‭ ‬بك‭ ‬ويطلب‭ ‬سيارة‭ ‬لتوصيله‭ ‬إلى‭ ‬بيتك؟‭  ‬فتضطرب‭ ‬المسكينة‭ ‬أكثر‭ ‬وتتساءل‭ ‬مجدداً‭: ‬صوتك‭ ‬مألوف‭ ‬لدي‭ ‬ولكن‭ ‬من‭ ‬أنت؟‭  ‬فتزداد‭ ‬انفعالا‭: ‬خلاص‭ ‬ما‭ ‬صدقت‭ ‬دفنتيني؟‭  ‬سترين‭ ‬الويل‭ ‬عندما‭ ‬أعود‭ ‬إلى‭ ‬البيت‭!  ‬هنا‭ ‬يبدأ‭ ‬قلب‭ ‬الأرملة‭ ‬المفترضة‭ ‬في‭ ‬الخفقان‭ ‬بقوة‭ ‬200‭ ‬فولت‭ ‬وتبدأ‭ ‬في‭ ‬التلعثم‭: ‬أنت‭ ‬فلان‭ ‬زوجي؟‭  ‬نعم‭ ‬أنا‭ ‬فلان‭ ‬وستعرفين‭ ‬أنني‭ ‬زوجك‭ ‬عندما‭ ‬أسحبك‭ ‬معي‭ ‬إلى‭ ‬بيت‭ ‬الطاعة‭ ‬الذي‭ ‬حشرتموني‭ ‬فيه‭ ‬قبل‭ ‬ساعات‭ ‬قليلة‭. ‬وتسأله‭: ‬من‭ ‬أين‭ ‬تتكلم؟‭  ‬فيجيب‭: ‬من‭ ‬القبر‭ ‬طبعاً‭ ‬يا‭ ‬من‭ ‬لا‭ ‬تعرف‭ ‬العشرة‭.. ‬يا‭ ‬قليلة‭ ‬الحياء‭!  ‬عندئذ‭ ‬تسقط‭ ‬الزوجة‭ ‬ميتة‭ ‬ويصبح‭ ‬المتوفى‭ (‬سابقاً‭) ‬أرملا‭ ‬وينهض‭ ‬من‭ ‬قبره‭ ‬لتلقي‭ ‬العزاء‭ ‬في‭ ‬زوجته

يهمني‭ ‬أمر‭ ‬هذا‭ ‬الاختراع‭ ‬لأن‭ ‬هيئة‭ ‬الصحة‭ ‬العالمية‭ ‬قالت‭ ‬مؤخراً‭ ‬أن‭ ‬متوسط‭ ‬عمر‭ ‬الإنسان‭ ‬السوداني‭ ‬في‭ ‬انخفاض‭ ‬مستمر،‭ ‬ومعنى‭ ‬هذا‭ ‬أن‭ ‬الهيئة‭ ‬تعتقد‭ ‬أنني‭ ‬أعيش‭ ‬‮«‬أوانطة‮»‬‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬غيري،‭ ‬أي‭ ‬أن‭ ‬الوقت‭ ‬الأصلي‭ ‬لمباراتي‭ ‬مع‭ ‬الحياة‭ ‬انتهى،‭ ‬وبما‭ ‬أنني‭ ‬نجحت‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬في‭ ‬الصمود‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الإضافي‭ ‬فقد‭ ‬تسعى‭ ‬تلك‭ ‬الهيئة‭ ‬إلى‭ ‬إنهاء‭ ‬عقدي‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬الكرة‭ ‬الأرضية‭ ‬بضربات‭ ‬الجزاء‭ ‬الترجيحية‭. ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬فالحذر‭ ‬واجب‭ ‬ولا‭ ‬أملك‭ ‬سوى‭ ‬أن‭ ‬أناشد‭ ‬القراء‭ ‬أن‭ ‬يبعثوا‭ ‬لي‭ ‬بتبرعاتهم‭ ‬النقدية‭ ‬كي‭ ‬أشتري‭ ‬ذلك‭ ‬التابوت‭ ‬‮«‬المكندش‮»‬‭ ‬وطالما‭ ‬أن‭ ‬هيئة‭ ‬الصحة‭ ‬العالمية‭ ‬تتبع‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬فمعنى‭ ‬ذلك‭ ‬أنها‭ ‬تخضع‭ ‬لسيطرة‭ ‬الأمريكان،‭ ‬وهناك‭ ‬عداوة‭ ‬تاريخية‭ ‬بيني‭ ‬وبين‭ ‬البيت‭ ‬الأبيض‭ (‬ربما‭ ‬بسبب‭ ‬اختلاف‭ ‬‮«‬الألوان‮»‬‭)‬،‭ ‬وليس‭ ‬من‭ ‬المستبعد‭ ‬أن‭ ‬تسعى‭ ‬أمريكا‭ ‬للقضاء‭ ‬عليّ‭ ‬باعتبار‭ ‬ان‭ ‬بقائي‭ ‬على‭ ‬قيد‭ ‬الحياة،‭ ‬يهدد‭ ‬موارد‭ ‬ومخصصات‭ ‬الأجيال‭ ‬المقبلة،‭ ‬وباعتبار‭ ‬ان‭ ‬امريكا‭ ‬وصية‭ ‬على‭ ‬تلك‭ ‬الأجيال‭ ‬كما‭ ‬هي‭ ‬وصية‭ ‬على‭ ‬بني‭ ‬البشر‭ ‬جميعا‭ ‬حاليا،‭ ‬ولكن‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬أفلت‭ ‬من‭ ‬كيد‭ ‬واشنطن‭ ‬وهيئة‭ ‬الصحة‭ ‬العالمية‭ ‬ومت‭ ‬ميتة‭ ‬طبيعية،‭ ‬فإنني‭ ‬أود‭ ‬أن‭ ‬يصاحبني‭ ‬ذلك‭ ‬الاختراع‭ ‬الطلياني‭ ‬في‭ ‬قبري‭. ‬لماذا؟‭ ‬‮«‬نفسي‭ ‬أتدلع‭ ‬ولو‭ ‬ميتاً‮»‬‭.‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا