العدد : ١٦٩٨٩ - الجمعة ٢٧ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٦٩٨٩ - الجمعة ٢٧ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

مالنا وكرة القدم

مع‭ ‬أننا‭ ‬قوم‭ ‬بارعون‭ ‬في‭ ‬اكتشاف‭ ‬المؤامرات،‭ ‬إلا‭ ‬أنني‭ ‬لم‭ ‬أقرأ‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬تحليلاً‭ ‬عبقرياً‭ ‬يفيد‭ ‬بأن‭ ‬بطولة‭ ‬كرة‭ ‬القدم‭ ‬الأوروبية‭ ‬التي‭ ‬تدور‭ ‬رحاها‭ ‬حاليا،‭ ‬مؤامرة‭ ‬استعمارية‭ ‬أو‭ ‬صهيونية‭ ‬‮«‬لإلهاء‮»‬‭ ‬أمتنا‭ ‬عن‭ ‬قضاياها‭ ‬المصيرية،‭ ‬مع‭ ‬أنها‭ ‬بالفعل‭ ‬لهت‭ ‬الجميع‭ ‬عن‭ ‬حروب‭ ‬السودان‭ ‬وليبيا‭ ‬وسوريا‭ ‬واليمن،‭ ‬والزفت‭ ‬والهباب‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬أنحاء‭ ‬منطقتنا‭ ‬وأعمال‭ ‬الذبح‭ ‬والتفجير‭ ‬التي‭ ‬صارت‭ ‬وجبة‭ ‬يومية

ورغم‭ ‬أن‭ ‬ثقافتي‭ ‬الكروية‭ ‬مثل‭ ‬ثقافة‭ ‬شعبولا‭ ‬في‭ ‬الموسيقى‭ ‬والغناء،‭ (‬وذكرت‭ ‬هنا‭ ‬في‭ ‬أخبار‭ ‬الخليج‭ ‬مرارا‭ ‬أن‭ ‬علاقتي‭ ‬بالرياضة‭ ‬عموما‭ ‬ساءت‭ ‬وتدهورت،‭ ‬لأنني‭ ‬حسبت‭ ‬منذ‭ ‬الصبا‭ ‬الباكر‭ ‬ان‭ ‬لها‭ ‬علاقة‭ ‬بالرياضيات‭ ‬التي‭ ‬كنت‭ ‬أحسب‭ ‬ان‭ ‬وزارة‭ ‬التربية‭ ‬اخترعتها‭ ‬لإذلالي‭)‬،‭ ‬المهم‭ ‬أنني‭ ‬استرقت‭ ‬بضع‭ ‬لحظات‭ ‬لمشاهدة‭ ‬الفرحة‭ ‬في‭ ‬عيون‭ ‬العرب،‭ ‬وهم‭ ‬يقولون‭ ‬إن‭ ‬فلان‭ ‬الذي‭ ‬يلعب‭ ‬لنادي‭ ‬زفتدوريا‭ ‬الإيطالي‭ ‬جزائري،‭ ‬ولاعب‭ ‬خط‭ ‬الهجوم‭ ‬في‭ ‬برشمونا‭ ‬الإسباني‭ ‬مغربي،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬ممكنا‭ ‬التباهي‭ ‬بالفرنسي‭ ‬زين‭ ‬الدين‭ ‬زيدان،‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬محط‭ ‬فخر‭ ‬أمة‭ ‬أدمنت‭ ‬الخيبة‭ ‬والفشل‭ ‬والبكاء‭ ‬على‭ ‬الأطلال،‭ ‬وبأن‭ ‬زيدان‭ ‬هذا‭ ‬‮«‬أصلاً‮»‬‭ ‬جزائري،‭ ‬يعني‭ ‬بلدياتنا،‭ ‬ويذكرني‭ ‬هذا‭ ‬بفرح‭ ‬المسلمين‭ ‬في‭ ‬ستينات‭ ‬وسبعينات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬بنجاحات‭ ‬محمد‭ ‬علي‭ ‬كلاي‭ ‬في‭ ‬حلبات‭ ‬الملاكمة‭ ‬فقط‭ ‬لأنه‭ ‬مسلم،‭ ‬رغم‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬يخوض‭ ‬المنافسات‭ ‬كأمريكي،‭ ‬ورغم‭ ‬أن‭ ‬الملاكمة‭ ‬رياضة‭ ‬لا‭ ‬أعتقد‭ ‬أن‭ ‬صحيح‭ ‬الاسلام‭ ‬يقرها‭ ‬لأنها‭ ‬تقوم‭ ‬على‭ ‬إلحاق‭ ‬الأذى‭ ‬المتعمد‭ ‬بشخص‭ ‬آخر،‭ ‬لم‭ ‬يهاجمك‭ ‬في‭ ‬عرضك‭ ‬أو‭ ‬مالك‭.  ‬ثم‭ ‬تقاعد‭ ‬كلاي‭ ‬وظهر‭ ‬البرنس‭ ‬حميد‭ ‬وهو‭ ‬بريطاني‭ (‬نعم‭ ‬بريطاني‭) ‬من‭ ‬شفيلد‭ ‬بإنجلترا،‭ ‬وصال‭ ‬وجال‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الملاكمة،‭ ‬وياما‭ ‬صرع‭ ‬شباباً‭ ‬أقوياء‭ ‬بقبضته‭ ‬سريعة‭ ‬الطلقات،‭ ‬فعمّ‭ ‬البشر‭ ‬والسرور‭ ‬أرجاء‭ ‬العالم‭ ‬العربي؟‭  ‬لماذا؟‭  ‬لأنه‭ ‬‮«‬أصلاً‮»‬‭ ‬يمني‭!  ‬ثم‭ ‬انهزم‭ ‬في‭ ‬ذات‭ ‬مباراة‭ ‬فعم‭ ‬الحداد‭ ‬أرجاء‭ ‬الحظيرة‭ ‬العربية‭ ‬ودخل‭ ‬اليمنيون‭ ‬في‭ ‬إضراب‭ ‬غير‭ ‬معلن‭ ‬عن‭ ‬العمل‭ ‬فأغلقت‭ ‬المتاجر‭ ‬أبوابها‭ ‬وأحجم‭ ‬الطلاب‭ ‬عن‭ ‬الذهاب‭ ‬إلى‭ ‬المدارس،‭ ‬وجف‭ ‬الحليب‭ ‬في‭ ‬ضروع‭ ‬الماعز‭! ‬فقام‭ ‬الحوثيون‭ ‬مشكورين‭ ‬بنصب‭ ‬حلبات‭ ‬الملاكمة‭ ‬بالأسلحة‭ ‬الثقيلة‭ ‬والخفيفة‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬أرجاء‭ ‬اليمن‭.‬

كم‭ ‬نحن‭ ‬مساكين،‭.. ‬أنفقنا‭ ‬على‭ ‬الرياضة‭ ‬مليارات‭ ‬لو‭ ‬فرشناها‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬لشكلت‭ ‬بساطاً‭ ‬من‭ ‬الورق‭ ‬على‭ ‬طول‭ ‬المسافة‭ ‬من‭ ‬بكين‭ ‬إلى‭ ‬الدار‭ ‬البيضاء،‭ ‬وعندنا‭ ‬هوس‭ ‬عجيب‭ ‬بكرة‭ ‬القدم‭ ‬بالذات،‭ ‬يصل‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬أن‭ ‬يطرد‭ ‬الأب‭ ‬ابنه‭ ‬من‭ ‬البيت‭ ‬لأنه‭ ‬أهلاوي‭ ‬‮«‬مثلاً‮»‬،‭ ‬أو‭ ‬يقاطع‭ ‬الابن‭ ‬بيت‭ ‬العائلة‭ ‬لأن‭ ‬فريقه‭ ‬انهزم‭ ‬ويخشى‭ ‬أن‭ ‬يعايره‭ ‬بقية‭ ‬أفراد‭ ‬العائلة‭ ‬بالهزيمة،‭ ‬وتشاهد‭ ‬لعب‭ ‬تلك‭ ‬الفرق‭ ‬التي‭ ‬بسببها‭ ‬يتشاجر‭ ‬الناس‭ ‬ويدخلون‭ ‬المخافر‭ ‬والسجون،‭ ‬فتعجب‭ ‬كيف‭ ‬يسمح‭ ‬أعضاء‭ ‬الفريق‭ ‬لأنفسهم‭ ‬أن‭ ‬يرتدوا‭ ‬ملابس‭ ‬رياضة‭ ‬لا‭ ‬يعرفون‭ ‬أبجدياتها‭.‬

من‭ ‬الواضح‭ ‬من‭ ‬الكلام‭ ‬أعلاه‭ ‬أنني‭ ‬لا‭ ‬أحب‭ ‬كرة‭ ‬القدم،‭ ‬وحقيقة‭ ‬الأمر‭ ‬هي‭ ‬أنني‭ ‬استمتع‭ ‬بكرة‭ ‬القدم‭ ‬الحقيقية،‭ ‬ولكن‭ ‬لا‭ ‬يعجبني‭ ‬الهوس‭ ‬بكرة‭ ‬القدم‭ ‬بين‭ ‬قوم‭ ‬لا‭ ‬يحسنون‭ ‬ممارسة‭ ‬اللعبة‭. ‬يمكنني‭ ‬أن‭ ‬أتقبل‭ ‬أن‭ ‬يتعصب‭ ‬انسان‭ ‬لفريق‭ ‬كرة‭ ‬قدم‭ ‬مثل‭ ‬مانشستر‭ ‬يونايتد‭ ‬أو‭ ‬يوفنتوس،‭ ‬ولكنني‭ ‬لا‭ ‬أفهم‭ ‬كيف‭ ‬يدفع‭ ‬إنسان‭ ‬آلافاً‭ ‬مؤلفة‭ ‬ليسافر‭ ‬على‭ ‬نفقته‭ ‬إلى‭ ‬بلد‭ ‬بعيد‭ ‬تخوض‭ ‬فيه‭ ‬فرقة‭ ‬الدراويش‭ ‬التي‭ ‬يشجعها‭ ‬مباراة،‭ ‬ليعودوا‭ ‬وهم‭ ‬يقولون‭ ‬‮«‬خسرنا‭ ‬بشرف‮»‬،‭ ‬أو‭ ‬‮«‬هزمنا‭ ‬التحكيم‭ ‬الجائر‮»‬‭  ‬ومع‭ ‬هذا‭ ‬فقد‭ ‬شجعت‭ ‬أصغر‭ ‬عيالي‭ ‬على‭ ‬لعب‭ ‬كرة‭ ‬القدم،‭ ‬على‭ ‬أمل‭ ‬أن‭ ‬يصبح‭ ‬لاعباً‭ ‬ولو‭ ‬‮«‬‭ ‬نُص‭ ‬كُم‮»‬‭ ‬فيشتريه‭ ‬أحد‭ ‬الأندية‭ ‬ببضع‭ ‬ملايين،‭ ‬وما‭ ‬زلت‭ ‬أعتقد‭ ‬أنه‭ ‬لن‭ ‬يخيب‭ ‬أملي‭ ‬فيه،‭ ‬فقد‭ ‬اختار‭ ‬حراسة‭ ‬المرمى‭ ‬وخاض‭ ‬مباراة‭ ‬العام‭ ‬الماضي‭ ‬كحارس‭ ‬مرمى‭ ‬لفريق‭ ‬الحي‭ ‬ودخل‭ ‬مرماه‭ ‬12‭ ‬هدفاً‭ ‬فقط‭!!!  ‬لا‭ ‬تتهكم‭ ‬عليه،‭ ‬فقد‭ ‬أحرز‭ ‬فريقه‭ ‬18‭ ‬هدفاً‭ ‬في‭ ‬مرمى‭ ‬الفريق‭ ‬الآخر،‭ ‬وحدثت‭ ‬قفزة‭ ‬في‭ ‬مستواه‭.  ‬فعند‭ ‬نهاية‭ ‬الفصل‭ ‬الدراسي‭ ‬العاشر‭ ‬قبل‭ ‬سنوات‭ ‬قليلة،‭ ‬خاض‭ ‬مباراة‭ ‬ضد‭ ‬فريق‭ ‬آخر‭ ‬ودخل‭ ‬مرماه‭ ‬عشرة‭ ‬أهداف‭..  ‬ودخل‭ ‬نفس‭ ‬العدد‭ ‬من‭ ‬الأهداف‭ ‬مرمى‭ ‬الخصم،‭ ‬وما‭ ‬يبشر‭ ‬بأن‭ ‬مستقبله‭ ‬الكروي‭ ‬مضمون‭ ‬أنه‭ ‬عاد‭ ‬إلى‭ ‬البيت‭ ‬في‭ ‬المرتين‭ ‬سعيداً‭. ‬دخل‭ ‬مرماه‭ ‬22‭ ‬هدفاً‭ ‬في‭ ‬مباراتين‭ ‬ويعتبر‭ ‬ذلك‭ ‬إنجازاً‭!!  ‬معنى‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬جيناته‭ ‬الكروية‭ ‬عربية‭..  ‬وجلده‭ ‬سميك‭..  ‬لا‭ ‬يحس‭..  ‬والنصر‭ ‬والهزيمة‭ ‬سيم‭ ‬سيم،‭ ‬طالما‭ ‬‮«‬العداد‭ ‬شغال‮»‬‭..‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا