لماذا قالت إدارة الجرائم الإلكترونية للصحافة: عذرا لا يمكننا حمايتكم؟
بعض الحسابات أشبه بدكاكين تبيع الأخبار المسروقة
يعرّف معجم المعاني (السرقة الأدبية) بأنها «أنْ يَأْخُذَ شَاعِرٌ أوْ كَاتِبٌ شِعْرًا أو نَصًّا لِغَيْرِهِ وَيَنْسُبَهُ لِنَفْسِهِ». كما أنها استخدام أو إعادة نشر مطبوعات محفوظة الحقوق أو الموادّ المسجّلة البراءة على نحو غير مصرّح به.
اصطلاحا.. تعرّف السرقة الأدبية بأنها «نسخ شخص ما عملا آخر دون تقديم اقتباس مناسب أو ائتمان، ويحاول بدلا من ذلك تمرير العمل على أنه عمل خاص به».
وتعرف موسوعة «ويكيبيديا» السرقة الأدبية بأنها «ادعاء شخص صراحة أو ضمنيا كتابة ما كتبه آخر أو النقل مما كتبه آخرون كلياً أو جزئياً بدون عذر أو اعتراف مناسب، بمعنى إعطاء الانطباع بأنك كتبت ما كتبه غيرك، ويعد هذا من أعمال النصب والاحتيال».
وتعرفها جامعة الإمارات العربية المتحدة على انها «جريمة يتعمّد فيها الشخص تقديم عمل شخص آخر على أنه له، دون الاعتراف بذلك».
وهناك من يعرّفها بأنها تملك غير شرعي وسرقة ونشر للغة أو أفكار أو عبارات مؤلف آخر، وادعاء أنها هي عمله الأصلي.
وربما يعتقد البعض أن هذه الجريمة حديثة، وأن هؤلاء السُّراق انتشروا بانتشار وسائل التواصل الاجتماعي. لكن يؤكد التاريخ ان مثل هذه النماذج موجودة منذ القدم. فمثلا كانت السرقة الأدبيّة إحدى المشاكل التي عانى منها الشِّعر العربيّ والشعراء الفطاحل.
دكاكين
نسوق هذه المقدمة لنطرح مشكلة باتت تعاني منها الصحافة المحلية في السنوات الأخيرة وهي قيام مجموعة من (السراق) بسرقة النتاج الأدبي والفكري والصحفي لمواد تُنشر في هذه الصحف، ثم يعيدون نشرها من دون إشارة إلى المصدر، ومن دون أدنى احترام للأخلاقيات المهنية أو مواثيق الشرف الصحفية، على الرغم من أن بعض أصحاب هذه الحسابات هم صحفيون أساسا طالما طالبوا بحماية الحقوق!
وللأسف باتت هذه الحسابات أشبه بدكاكين تباع فيها البضاعة المسروقة.
والأغرب هنا أنهم يتكسبون من إعادة النشر هذه، إذ يعمد البعض الى إعادة نشر تحقيق أو تقرير أو خبر (أو أجزاء منها) برعاية جهة معنية، ويحصل على مكاسب مالية مقابل ذلك؛ في حين أن حقوق الصحفي الذي اجتهد وتعب للحصول على المعلومة تذهب أدراج الرياح.
وعلى الرغم من المبادرات الودودة التي حاولتها الصحف المحلية وجمعية الصحفيين، وعلى الرغم من مخاطبات الصحفيين أنفسهم لأصحاب تلك الحسابات وتنبيههم بضرورة الالتزام بالحقوق الأدبية، فإن الكثير من هؤلاء الأخيرين تجاهلوا ذلك تماما وأخذتهم العزة بالإثم، غير عابئين بأخلاقيات صحفية ولا زمالة مهنية ولا قوانين حامية، بل قاطعوا حتى بعض الاجتماعات التي سعت للوصول إلى توافقات بهذا الشأن.. وتهكموا عليها!
والسؤال هنا.. هل هناك من يحمي الصحافة المحلية والصحفيين؟
القانون
في إحدى الحالات التي تعرضنا فيها لسرقة من أحد الحسابات المعروفة بهذا السلوك تواصلنا مع وزارة الإعلام لتقديم شكوى بهذا الشأن، فأبلغونا أن الجهة المعنية بالأمر هي «إدارة مكافحة الجرائم الإلكترونية» باعتبارها الإدارة المختصة بمكافحة جميع جرائم الإنترنت.
وبالفعل تواصلنا مع المعنيين بالإدارة، ومع المتابعة على مدى يومين تم ابلاغنا أنه للأسف لا يمكن لهم ان يفعلوا شيئا، وأن قانون المطبوعات والنشر نفسه لا يحمي الصحفيين، فكيف يمكن لهم ان يحمونا؟ وخاصة أن اغلب هذه الحسابات مسجلة بأسماء شخصية وليس كحسابات إخبارية.
كان الرد محبطا ومقلقا، ومثيرا للكثير من التساؤلات. فهل يعقل ألا يوجد غطاء قانوني يحمي الملكية الفكرية والأدبية للصحفيين وللصحف المحلية التي تتكبد الكثير من العناء والتكاليف من اجل الحصول على المواد الإخبارية والصحفية وتقديمها للقارئ، ثم يأتي هؤلاء (السراق) ويحصلون عليها لقمة سائغة ويعيدون نشرها والتكسب منها؟!
كيف تعجز الجهات المعنية عن حماية الصحفيين، في الوقت الذي ينص فيه قانون حق المؤلف والحقوق المجاورة رقم (22) لسنة 2006 صراحة على أنه «تتمتع بالحماية المصنفات الأدبية والفنية والعلمية بمجرد ابتكارها دون حاجة إلى أي إجراء شكلي أيا كانت قيمة هذه المصنفات أو نوعها أو غرضها أو طريقة أو شكل التعبير عنها، وتشمل الحماية بوجه خاص المقالات والنشرات وغيرها من المصنفات المكتوبة والمصنفات السمعية البصرية».
عند إعداد هذا الموضوع حاولنا الحصول على رأي «إدارة مكافحة الجرائم الإلكترونية»، وقدمنا تساؤلات من خلال إدارة الاعلام الأمني، ولكننا للأسف لم نحصل على أي رد على الرغم من محاولاتنا واتصالاتنا بهم على مدى ثلاثة أسابيع، وقد أبلغنا أحد المسؤولين في الإدارة أنه يرحب بنشر الموضوع من دون رد من الإدارة!
جمعية الصحفيين
ما هي أبعاد المشكلة؟ وإلى أي مدى تتضرر منها الصحف المحلية؟
سؤال طرحناه على رئيس مجلس إدارة جمعية الصحفيين البحرينية الأستاذ عيسى الشايجي.
يجيبنا رئيس الجمعية قائلا: في الواقع باتت الصحف تعاني معاناة شديدة جراء السرقات التي تقوم بها بعض المواقع والأفراد على وسائل التواصل الاجتماعي للمحتوى الذي تنشره الصحف. وهذا ليس بشيء جديد لكنه استفحل في الآونة الاخيرة بصورة فاحشة ومن دون اي حياء أو وضع اي اعتبار لحقوق الصحف والصحفيين، وبشكل يتنافى تماما ليس فقط مع الاخلاق الصحفية وإنما مع الاخلاق عامة التي يجب ان يتحلى بها الناس في مقدمتها الصدق والأمانة، وهي المبادئ التي يبدو أن لا مكان لها لدى هؤلاء، وإلا لما أقدموا على هذا الفعل الشنيع. والمؤسف ان هذا الفعل أصبح يُمارس بشكل يومي، بل وصل إلى الحد الذي استشرى فيه اليوم بصورة سيئة جدا، ولا بد من اتخاذ الاجراءات اللازمة من أجل وضع حد لذلك بما يحفظ حقوق المؤسسات الصحفية والصحفيين.
وبسؤاله عن الأضرار التي تلحق بالمؤسسات الصحفية جرّاء استشراء مثل هذه الظاهرة أجاب الشايجي: هذه الأفعال تعتبر سرقة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، ولا يمكن اعتبارها اقتباسا مثلا. وهنا من الطبيعي ان تنتج عن السرقة اضرار مؤلمة تلحق بصاحب الحق الأصلي وهو الصحيفة او المؤسسة الصحفية التي تعرضت للسطو على حقوقها وملكيتها، وخاصة ان مؤسساتنا الصحفية تتحلى بالأخلاق المهنية والمصداقية والثقة.
أضف إلى ذلك أن الصحفي يبذل جهودا كبيرة ومضنية من أجل صناعة المحتوى المتميز، ثم يرى أن جهوده هذه ذهبت أدراج الرياح في لحظة من قبل شخص لم يعمل شيئا سوى تحريك لوحة المفاتيح في هاتفه أو كمبيوتره ليصادر حقوق الصحفي دون وازع من ضمير! هنا يكون الصحفي هو المتضرر الأول كونه هو من حقق هذا السبق الصحفي أو ذاك، وهو من فقد حقا من حقوقه. ثم إن المؤسسات الصحفية تسعى جاهدة من أجل التميز وسط منافسة شريفة بين الصحف، ومن أجل ذلك توفر إمكانات مادية ومهنية وبيئة عمل مناسبة للصحفيين من أجل الإبداع والتميز لتعزيز مكانة المؤسسة ومكانة الصحفي. وعندما يأتي شخص ويصادر كل ذلك بضغطة زر لا بد أن يتسبب لها بالضرر المادي والمعنوي.
ونحن في جمعية الصحفيين تؤرقنا هذه المشكلة أو بالأحرى هذه السرقات المتكررة. وسبق أن بحثنا في مرات عديدة سبل التصدي لها ووضع حد لهذه الأمور التي تعصف بجهود الصحف والصحفيين. ومن أول واجباتنا حماية حقوق الصحفيين ونشر الوعي بأخلاقيات المهنة وضرورة التحلي بالمصداقية والأمانة. ونقدر كثيرا جهود الصحف من أجل التميز وما تتحلى به المؤسسات الصحفية من روح شريفة في المنافسة وفي الابتكار والإبداع وما تبذله من جهود من أجل الحصول على المعلومات الصحيحة من أجل نشر الوعي بين المواطنين وخلق رأي عام إيجابي وبناء إزاء ما تشهده بلادنا العزيزة من تطور وتقدم مذهل على شتى الاصعدة. فنحن شركاء جميعا كجهات رسمية ومؤسسات صحفية ومهنية في التصدي لهذه المسألة التي تنتهك بصورة علانية حقوقنا، ونحن نشكر لسعادة الدكتور رمزان بن عبدالله النعيمي وزير الإعلام اهتمامه بهذه المسألة، ونقدر جدا جهوده في احتواء هذا الامر وخاصة انه رجل يمتلك خلفية قانونية كبيرة، ونرجو أن تتكلل جهوده بالنجاح.
ولا بد أن نشير هنا الى اننا في الجمعية سبق ان تلقينا بعض الملاحظات الشفوية حول ما يحدث من سرقات هنا أو هناك، وقد قامت الجمعية بالتحرك بالتنسيق والتشاور مع المؤسسة الصحفية صاحبة الحق وفق الصيغة التي تناسبها.
* ألا يمكن أن يكون للجمعية دور قانوني إزاء هذه المشكلة؟
** من الناحية القانونية لسنا في جمعية الصحفيين أصحاب الحق، بل تعتبر المؤسسة الصحفية هي صاحبة الحق. لذلك نحن في الجمعية نتحرك بناء على خطاب رسمي مكتوب من قبل المؤسسة الصحفية المعنية ونحاول رد الاعتبار للمؤسسة وحفظ حقوقها وديا. أما اتخاذ اجراءات التقاضي فهو خيار متروك للمؤسسة ذاتها، ودورنا في الجمعية يكون داعما ومساندا.
وهنا لا بد من الاشارة الى حقيقة مهمة هي ان مؤسساتنا الصحفية تمتلك اريحية كبيرة وصدرا واسعا في التعامل مع هذه الأمور. لكنها ان كانت تتعامل وفق هذا النهج مع المشكلات التي تواجهها، الا ان هذا لا يعني انها ستتغاضى عن حقوقها بعد ان استفحل الامر وكثرت الاعتداءات السافرة على حقوقها وحقوق صحفييها.
ظاهرة مستشرية
من جانبه يحدثنا سكرتير التحرير رئيس قسم الشؤون المحلية والمحتوى الالكتروني بصحيفة البلاد الصحفي راشد الغائب حول هذه المشكلة، مشيرا إلى ان سرقة المحتوى الخاص للصحف من قبل بعض المنصات الإخبارية الربحية بات ظاهرة مستشرية لكل من يريد الحصول على ربح مادي سريع من خلال الاقتباس دون أخذ إذن مصدر المعلومات أو موافقة الصحيفة حتى لو تمت الإشارة إليهما. وأصحاب بعض الحسابات يبررون فعلتهم عندما يواجههم الصحفيون باقتباسهم محتوى خاصا كتبه المحرر بأنهم يساعدون الأخير في انتشار مادته عندما يبثون المحتوى المسروق في حساباتهم، ويزعمون أن لا أحد يقرأ محتوى الصحف الورقية وأن المستقبل لوسائل التواصل الاجتماعي، ولكنهم أول وأكثر من يحرص على قراءة مواقع الصحف ومنصاتها الرقمية وتفعيل اشعارات تسلم أحدث ما تنشره لسرقته فورا.
ويضيف الغائب: الحقيقة أن الرهان اليوم لدى المؤسسات الصحفية هو في تقديم المحتوى الرصين والمميز بغض النظر عن وسيلة البث؛ فقد يكون بالصحيفة الورقية أو بالموقع الالكتروني أو بإحدى وسائل التواصل الاجتماعي أو باليوتيوب، ومن حق المؤسسة أن تُسوِّق لمحتواها الخاص بما تراه مناسبا دون حاجة إلى تطفل المنصة الإخبارية الربحية أو (مِنتها) على المؤسسة باقتباسها غير الأخلاقي وغير القانوني للمحتوى. ويتعين التفريق بين أمرين عند تناول موضوع سرقة المحتوى؛ وهو ما يتعمد بعض أصحاب المنصات الإخبارية الربحية التضليل بشأنه، فانتقاد الصحفيين لهم على سرقة المحتوى الخاص مثل المقابلة الخاصة بالصحيفة أو الخبر الخاص بها أو الصورة الخاصة بها أو الكاريكاتير أو غيره من محتوى تنفرد به الصحيفة دون غيرها، وليس المقصود بالمحتوى الموضوعات الرسمية المنشورة في وكالة الأنباء الرسمية أو أخبار الوزارات والجهات الرسمية والخاصة والأهلية أو غيرها من الموضوعات الجارية التي يجري نشرها بشكل عام وتنشر لدى الجميع.
* ولكن ما الذي يضير الصحيفة أو الصحفي إذا ما أعيد نشر موضوعه؟
** حتى نعرف كلفة سرقة المحتوى الخاص للصحف وضررها علينا أن نقارن بين مؤسسة صحفية بحرينية لديها كادر من العناصر الوطنية في جميع دوائر الإنتاج (صحفيون، ومدققون، ومصورون، وفنيون، ومبرمجون، وموارد بشرية، وحسابات، وسكرتارية، ومسوقون وغيرهم)، ورزق هؤلاء جميعا من مزاولة هذه المهنة وتلتزم ادارتهم بسداد مصروفات عديدة ومكلفة أبرزها الرواتب والفواتير والايجارات ونفقات إدارية أخرى، وفي المقابل فإن صاحب المنصة الإخبارية الربحية يجلس على كرسي مكتبه في عمله الصباحي أو على أريكة منزله ويشرع في القص واللصق (الكوبي بيست) من مواقع الصحف الإلكترونية والرقمية ويبثها في منصته الربحية ثم يتقاضى رسوما على بعض الإعلانات المرافقة للمحتوى المسروق أو يُسوِّق منصته خبريا لاستقبال الطلبات الاعلانية. هذه المقارنة تلخص حجم الضرر الذي لا يستوعبه أصحاب بعض المنصات الإخبارية الربحية أو من يدعمهم ويناصرهم فيما يقترفونه من ذنب.
* وكيف تتعاملون مع هذه الحالات؟
** في بعض الحالات قمنا بنشر حالات الاقتباس بالمنصات الرقمية للصحيفة وتواصل بعض أصحاب الحسابات معتذرين وأزالوا المحتوى المسروق من حسابهم.
بشكل عام يمكن القول اننا في صحيفة البلاد نتعامل مع هذا الموضوع بشكل مؤسسي ووفق ما يرسمه القانون، فلجأ الصحفيون إلى جمعية الصحفيين، التي تفاعلت معهم وأصدرت بيانا في 23 سبتمبر 2019 بشأن هذا الموضوع. كما نظمت الجمعية لقاء في أكتوبر 2019. وحرصت «البلاد» على حضوره وتأكيد أن نقل أو اقتباس محتوى الصحف سواء بالعدد المطبوع أو الموقع الالكتروني أو المنصات الرقمية يعتبر تعديا غير مقبول، والمحتوى مشمول بحق حماية الملكية الفكرية، ووضعت الصحيفة خطة مرحلية للتعامل مع هذا الموضوع من خلال التواصل المباشر بين المحرر وصاحب الحساب ثم نشر تنبيه بحساب واتساب الصحيفة عن الحسابات التي تقتبس مواد من دون نشر اسم الصحيفة كمصدر للمعلومة مع نشر صورة من الخبر المنقول، ووضع علامة مائية على جميع الصور الخاصة بالصحيفة، والتواصل مع الإدارة المعنية بوزارة الاعلام والجهاز القانوني بالصحيفة لبلورة الموقف، ووضع فقرة تنبيهية بالموقع الالكتروني موجهة إلى المنصات الإخبارية الربحية تنص على عدم قانونية الاقتباس حتى لو تم ذكر المصدر، وتقديم شكوى لجمعية الصحفيين لاتخاذ اللازم. وقد لاحظ فريق المحتوى الالكتروني ارتفاع مؤشرات قراءة الموضوعات الخاصة بالصحيفة بعد هذه الإجراءات، وخاصة أن بعض المنصات تتعمد اسقاط نشر اسم الصحيفة كمصدر للمعلومة أو تقوم بتورية الاسم.
بحاجة إلى تنظيم
وحول هذه المشكلة يقول نائب مدير تحرير صحيفة الأيام الصحفي على مجيد: للأسف هناك العديد من الحسابات على وسائل التواصل الاجتماعي تنشر أخبارا وتقارير نشرت أساسا في الصحافة المحلية من دون ذكر المصدر، وهذا ما يمكن اعتباره عيبا أخلاقيا؛ لأن فيه تعديا على حقوق الصحفيين الزملاء، الامر الذي يتطلب وجود ثقافة ووعي عند القائمين على هذه الحسابات بضرورة الالتزام بأخلاقيات المهنة وعدم التعدي على حقوق الزملاء الصحفيين في الصحف المحلية الذين بذلوا جهدا كبيرا في الحصول على المعلومة ومتابعة الخبر من المصادر الموثوقة، حتى يصل إلى القارئ. لذلك من غير اللائق ان يعاد نشر الخبر أو المعلومة من دون ذكر المصدر أو ذكر اسم الصحفي الذي تعب في توفير هذه المعلومة.
وللأسف ان بعض أصحاب هذه الحسابات صحفيون، وهنا يكون العتب أكبر عليهم لأنهم أولى من غيرهم في الالتزام بمواثيق الشرف الصحفية والأخلاقيات المهنية.
* وهل هناك أضرار مادية أو فكرية أو حتى معنوية تتكبدها الصحف من إعادة نشر موادها؟
** من حيث المبدأ لا توجد مشكلة في إعادة النشر في وسائل التواصل الاجتماعي، ولكن كما ذكر المشكلة في تجاهل حقوق المصدر. وهنا يجب التنويه إلى أن ذكر المصدر يعطي أولا ثقة ومصداقية أكبر لصحة الخبر؛ فوسائل التواصل الاجتماعي تعج بالكثير من الاخبار غير الصحيحة. وذكر المصدر كونه من صحفي أو صحف محلية يعطيه قوة وثقة لدى المتلقي.
من جانب آخر ذكر المصدر يحفظ حق من تعب في الحصول على الخبر. وهنا المشكلة هي التعدي الأدبي والأخلاقي على حقوق الصحفيين وحقوق المؤسسات الإعلامية التي تدفع رواتب وتتحمل كلفة كبيرة من أجل نشر الاخبار الدقيقة والموثوقة التي تتحلى بقدر كبير من المصداقية. وليس من الانصاف أو اللياقة الأدبية والأخلاقية استغلال هذه المعلومات من دون اعتبار لحقوق المصدر.
نحن لا ندعو إلى وضع عراقيل على إيصال المعلومة ولكن نحتاج إلى تنظيم وتقنين يضمن حقوق زملاء المهنة ويعرف الاخرين بواجباتهم وحقوقهم عند نشر الخبر.
وما نحتاج إليه في هذه المرحلة هو التشريع ووجود قانون عصري متطور يتطلع إليه الجسم الصحفي ويغطي جميع هذه الجوانب. ويكون القانون متفقا عليه وينظم كل هذه الجوانب ويضمن الحقوق، وبنفس الوقت يمثل رادعا للتصرفات التي تتضمن تجاوزا للأخلاقيات المهنية. لذلك نأمل من السلطة التشريعية ان تسارع في إقرار هذا القانون في أقرب وقت.
* هل أفهم من ذلك أن الصحفي في الوقت الحالي لا يمتلك غطاء قانونيا يحميه ويردع المخالفين؟
** المشكلة أن هذه الحسابات التي تنشر الاخبار بهذا الشكل، هي حسابات بأسماء اشخاص وليست حسابات إخبارية موثقة. وهذا ما قد يعني صعوبة في إلزامهم قانونيا من دون وجود قانون يقاضيهم.
ولكن هذا لا يعني عدم وجود حالات تم من خلالها المتابعة بشكل قانوني من قبل بعض الزملاء الصحفيين المتضررين مع بعض أصحاب الحسابات. ولكن ما نحتاج إليه هو أن يكون هناك تنظيم وتعاون وتنسيق من قبل جميع الأطراف.
منافسة غير عادلة
من واقع خبرته وتجاربه الشخصية يحدثنا القائم بأعمال رئيس قسم المحليات في صحيفة الوطن الصحفي حسن الستري، مؤكدا ان نقل المحتوى الإخباري للصحف من قبل الحسابات الخاصة أصبح للأسف ظاهرة منشرة، والقليل من أصحاب هذه الحسابات يشير إلى المصدر، وبالطبع هذا يتنافى مع الأخلاقيات العامة، فضلا عن أخلاقيات مهنة الصحافة.
ويتابع الستري: للأسف رصدنا العديد من الاخبار الخاصة لي ولزملائي بالصحيفة على مواقع السوشيال ميديا، من دون الاشارة إلى المصدر، ومن دون وضع صورة المحرر وهو يقابل الضيف. ولا شك ان تزايد هذه الحالات تسبب بالضرر سواء على المؤسسة الصحفية أو الصحفي نفسه؛ فالأخبار والمقابلات والتقارير الخاصة تكلف الصحف مبالغ طائلة، عبارة عن رواتب تدفعها لجميع العاملين بها، اضافة إلى الخدمات الاخرى من مكاتب وأجهزة وفواتير كهرباء وتكاليف الطباعة وغيرها، اضافة أيضا إلى أن الخبر الصحفي يشارك في إعداده مجموعة من الموظفين، بدءا من الصحفي الذي أعد الخبر، والمصور الذي رافق الصحفي خلال التغطية، ومحرر «الديسك»، ورئيس القسم والمدقق اللغوي وإدارة التحرير، والمنفذ الذي ينفذ الصفحات والمحرر بقسم (الأونلاين) الذي بث المادة على المنصات الاخبارية، ثم يأتي حساب على السوشيال ميديا ويأخذ الخبر مجانا ويضعه على حسابه! ولأنه ليس عليه التكاليف الموجودة على الصحف، فإنه يسوقه ويحصل على الرعاية بأسعار أقل بكثير من اسعار الصحف، الامر الذي ألحق الضرر بالصحف عبر هذه المنافسة غير العادلة.
* هل تعتقد أنه يمكن اللجوء إلى القنوات القانونية لمقاضاة مثل هذه الحالات؟
** شخصيا لست ملما بهذه النقطة، ولكنني لم أسمع عن صحيفة اتخذت إجراء قانونيا مع صاحب حساب بالسوشيال ميديا على الرغم من أن الصحف متضررة من ذلك.
قانون الصحافة
مما سبق، يتضح أن الامر يتعلق بشكل مباشر بثلاثة جوانب أساسية، الأول هو الاخلاقيات المهنية والعامة، والثاني هو الجانب القانوني، والثالث هو حقوق الملكية الفكرية. وهذا ما دفعنا إلى التوجه إلى الجمعية البحرينية للملكية الفكرية، لنسأل عضو مجلس ادارتها المحامية ريان الصافي عما إذا كانت إعادة نشر المحتوى من دون الاستئذان ولا ذكر المصدر تعتبر انتهاكا للحقوق الفكرية؟
وهذا ما اجابت عنه بقولها: نعم يكون ذلك انتهاكا لحقوق الملكية الفكرية وغير قانوني إذا تم استخدامه تجاريًا، حيث تكون مملوكة للشخص الذي كتبها كالمؤلف أو الرسام أو المصور. فالمصنفات الأدبية والفنية والعلمية تتمتع بالحماية المقررة بموجب أحكام قانون حماية حقوق المؤلف والحقوق المجاورة وذلك بمجرد ابتكارها دون الحاجة إلى أي إجراء شكلي أيا كانت قيمة هذه المصنفات أو نوعها أو غرضها أو طريقة أو شكل التعبير عنها. وتشمل الحماية على سبيل المثال بوجه خاص الكتب والكتيبات والمقالات والنشرات وغيرها من المصنفات المكتوبة التي تلقى شفاهه. علما ان الأفكار وأخبار الاحداث تتمتع بالحماية إذا كانت مبتكرة من حيث اختيار أو ترتيب محتوياتها.
نعم في بعض الحالات قد يجوز إعادة النشر دون اذن المؤلف ودون أداء تعويض في الحالات التي لا يكون فيها حق التصريح بالاستنساخ أو النقل للجمهور بالوسائل السلكية محفوظًا بشكل صريح لصاحب الحق، ولكن بشرط ذكر المصدر واسم المؤلف. فالحق الادبي أو المعنوي هو حق لصيق بشخصية المؤلف حيث يتمتع بحقوق أدبية أبدية غير قابلة للتقادم أو التصرف كالحق في منع أي تحريف، أو تشويه، أو أي تعديل لمصنفه، أو أي مساس يكون من شأنه الإضرار بشرف المؤلف أو بسمعته، والحق في نسبة المصنف إليه، وبوجه خاص حقه في وضع اسمه على جميع نسخ المصنف عندما يكون ذلك ممكنا بالطريقة المألوفة.
* من خلال متابعتكم في الجمعية.. ما هو الضرر الذي يقع على المجتمع وعلى الصحف عندما تكثر مثل هذه الحالات من دون رادع؟
** بالتأكيد عندما تكثر مثل هذه الحالات من دون رادع سيحدث الضرر المتمثل في انتشار الاخبار من دون التأكد من مصدرها، ومن ثم يولد لدى المتلقي عدم الثقة في اخبار الصحافة لكثرة تداولها من دون ذكر مصدر الخبر. لذلك يجب على الجميع استقاء الخبر والمعلومة من مصدرها الرسمي وذلك لتعزيز الأمن المعلوماتي ونشر التوعية المجتمعية بأن لا يعيد المتلقي وأصحاب الحسابات الإخبارية في مواقع التواصل الاجتماعي نشر الاخبار الا بعد الحصول على إذن من الصحفي، وذكر مصدر الخبر حتى لا يتم نشر اخبار مجهولة المصدر التي من الممكن ان تولد الهلع في المجتمع. فيجب على جميع من يستعمل وسائل التواصل الاجتماعي ان يتعامل بجدية عند إعادة نشر أي محتوى؛ فالمسؤولية لا تقع فقط على الصحف والصحفيين بل على المتلقين أيضا، فيجب ان لا يتم إعادة نشر أي محتوى دون ذكر المصدر وعلى الجميع احترام حقوق المؤلفين.
* ولكن هناك من يؤكد أنه لا يوجد حتى الآن غطاء قانوني.. عندما حاول بعض الصحفيين المتضررين من هذه الحسابات تقديم شكاوى ضد هذه الحسابات كانت المفاجئة بالرد أنه لا يوجد نصوص قانونية تجرم هذه الحسابات. أين المشكلة في رأيكم؟
** كفل الدستور البحريني حرية الرأي والتعبير وحرية الصحافة وفقًا لما نص عليه في المادة 24 من الدستور بالإضافة إلى المرسوم بقانون رقم (47) لسنة 2002 بشأن تنظيم الصحافة والطباعة والنشر، ومن ثم حرية الرأي والتعبير حق كفله الدستور والقانون والمواثيق والعهود الدولية.
ولكن على الرغم من ذلك فإن قانون الصحافة البحريني لم يواكب تطور التكنولوجيا في وسائل التواصل وتراجع تداول الصحف الورقية. فالحاجة إلى قانون صحافة عصري يواكب تنظيم الصحافة والطباعة والنشر في الفضاء الالكتروني وتشريع خاص ينظم الإعلام الالكتروني حاجة ضرورية؛ فالانتهاكات الصحفية التي ترتكب في مواقع التواصل الاجتماعي من خلال إعادة النشر باتت أكثر من تلك التي نص عليها قانون الصحافة، وذلك في إطار الضوابط الأخلاقية والمهنية بما يحقق المصلحة للجميع. فقد أصبحت مهنة الصحافة مهنة متاحة للجميع في مواقع التواصل الاجتماعي، لذلك لا بد من وضع ضوابط وأطر قانونية لتنظيم عمل الصحف والصحفيين والحفاظ على مكانة المهنة في ظل التحول الرقمي.
* وكيف يمكن للجمعية البحرينية للملكية الفكرية أن تلعب دورا في هذا الجانب؟
** تسعى الجمعية قدر الإمكان الى نشر الوعي بأهمية حقوق الملكية الفكرية قانونيًا ودستوريًا وحمايتها والدفاع عنها والنهوض بها وذلك من خلال تنمية الوعي المجتمعي والفردي بحقوق الملكية الفكرية، بالإضافة إلى قيام الجمعية بتقديم الاستشارات في جميع فروع الملكية الفكرية وذلك لخلق جيل واعد وواع ومبدع.
القانون
يتبقى امامنا الشق والمبحث القانوني في القضية، ومعرفة كيف تناولت المواد القانونية هذه المشكلة. وهذا ما يحدثنا المحامي محمود ربيع بشأنه، موضحا ان حقوق الملكية الفكرية تشمل نوعين؛ الأول هو الملكية الصناعية التي تغطي العلامات التجارية وبراءات الاختراع والمؤشرات الجغرافية والأصناف النباتية والأسرار التجارية وتصاميم الدوائر المتكاملة. النوع الثاني هو حقوق المؤلف وهي الابداع الفكري للشخص بشكل مباشر مثل الروايات والقصص والشعر.
ويضيف المحامي محمود ربيع: هنا نجد ان للمؤلف حقين، الأول هو الحق المالي الذي يتمثل في الاستفادة من العوائد المالية للمصنف، ولا يجوز لأي شخص غيره الاستفادة منه. والثاني هو الحق الأدبي، وهو حق مرتبط بشخصية المؤلف لا يجوز للغير ممارسته دون أذن. بل هو حق دائم لا يتقادم ولا يجوز التصرف فيه. كما أن هذا الحق له مظاهر كنسبة المصنف إلى المؤلف ونشره وتعديله وتحويره وسحبه من التداول في الوقت الذي يشاء.
وقد اهتمت الاتفاقيات الدولية والقوانيين الوطنية في مجال حق المؤلف بالعمل الصحفي وقررت الحماية للأعمال المنشورة في الصحف والمجلات إذا توافرت فيها شروط الحماية وأهمها شرط الابتكار؛ حيث إن صياغة فكرة الخبر ووضعه في قالب معين والمهارة في ترتيب تسلسل الفكرة هو ما يستحق الحماية القانونية.
وبما أن الصحف والمجلات تتضمن مقالات وتحقيقات ورسومات كاريكاتورية تتميز بجهد ذهني وشكلاً محدداً وأسلوباً خاصاً، لذلك تحظى بالحماية من السطو عليها مادامت تنطوي على الإبداع. ولا يشذ الخبر الصحفي الذي تنتجه الصحف عن هذا المبدأ؛ لأن أساس الحماية تقوم على الابتكار وصياغة الاخبار الذي تتم بطريقة صحفية تظهر فيها شخصية الصحفي وأسلوبه الخاص ومجهوده الذهني بحيث يكون جديرا بالحماية القانونية إذا كانت مبتكرة من حيث اختيار أو ترتيب محتوياتها، ولا يجوز أن تُترك للسلب والسرقة من قبل مواقع التواصل الاجتماعي ذات الطابع الاخباري التجاري التي تجني أرباحا من نقل تلك الاخبار والتحقيقات دون أن تُكلف نفسها حتى ذكر المصدر واسم المؤلف.
هذه الحماية عبر عنها المشرع البحريني بوضوح في قانون حق المؤلف والحقوق المجاورة رقم (22) لسنة 2006 حين نص في مادته الثانية على أنه تتمتع بالحماية المصنفات الأدبية والفنية والعلمية بمجرد ابتكارها دون حاجة الى أي إجراء شكلي أيا كانت قيمة هذه المصنفات أو نوعها أو غرضها أو طريقة أو شكل التعبير عنها، وتشمل الحماية بوجه خاص المقالات والنشرات وغيرها من المصنفات المكتوبة والمصنفات السمعية البصرية.
كما منح قانون حق المؤلف في مادته (63) لصاحب الحق في اتخاذ إجراءات تحفظية لمواجهة التعدي أو لتوقي تعدّ وشيك على أي من الحقوق المقررة له.
كان قانون حق المؤلف في مادته (64) قد أجاز لصاحب الحق كتدبير مدني الحكم له بالتعويض عن الأضرار المادية والأدبية إذا ما لحقه ضرر مباشر ناشئ عن التعدي على أي من الحقوق المقررة.
وحرص المشرع كذلك على توفير الحماية الجنائية لحق المؤلف رغبةً في توفير أقصى حماية ممكنة لذلك أورد قانون حق المؤلف عقاباً على من يتعدى على هذا الحق مقرراً عقوبة الحبس مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر ولا تزيد على سنة واحدة وبغرامة لا تقل عن خمسمائة دينار ولا تجاوز أربعة آلاف دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين على كل من تعدي عمداً وبقدر ملموس على أي من حقوق المؤلف، حتى إن لم يستهدف بصورة مباشرة أو غير مباشرة تحقيق كسب مادي أو تعدى عمداً بغرض تحقيق منفعة تجارية أو كسب مادي خاص.
إلا انه قبل اللجوء إلى المحاكم والقضاء لتحقيق الردع الخاص والعام ثمة حاجة إلى زيادة التوعية القانونية بالمواضيع المتعلقة بحقوق الملكية الفكرية وإشاعة ثقافة احترام حق المؤلف وإدراك قيمة هذه الحقوق الذهنية، والمسؤولية المشتركة في حماية هذه الحقوق والمحافظة عليها حتى تستقيم الحياة وتسودها روح الإنصاف والعدالة.
***
ويبقى السؤال مطروحا.. طالما أن جميع القوانين ومواثيق الشرف تنص على مخالفة هذه السلوكيات، فلماذا تبقى الصحافة من دون حماية؟ ومن هي الجهة المسؤولة عن حماية الصحافة المحلية.. والصحفيين؟
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك