العدد : ١٦٩٨٩ - الجمعة ٢٧ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٦٩٨٩ - الجمعة ٢٧ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

المنفعة متبادلة

عملت‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬العلاقات‭ ‬العامة‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬كبريات‭ ‬الشركات،‭ ‬وكان‭ ‬استدعتني‭ ‬بعض‭ ‬البنوك‭ ‬والشركات‭ ‬لمساعدتها‭ ‬في‭ ‬تأسيس‭ ‬او‭ ‬تنشيط‭ ‬إدارات‭ ‬العلاقات‭ ‬العامة‭ ‬التابعة‭ ‬لها،‭  ‬وأينما‭ ‬قمت‭ ‬بتلك‭ ‬المهمة‭ ‬حرصت‭ ‬على‭ ‬إقناع‭ ‬كبار‭ ‬المسؤولين‭ ‬بأن‭ ‬حاجة‭ ‬أي‭ ‬منشأة‭ ‬إلى‭ ‬الصحفيين‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬حاجة‭ ‬الصحفيين‭ ‬إليها،‭ ‬بمعنى‭ ‬أن‭ ‬الشركة‭ ‬او‭ ‬المؤسسة‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬للتواصل‭ ‬مع‭ ‬الجمهور،‭ ‬وتحسين‭ ‬سمعتها‭ ‬وشرح‭ ‬سياساتها‭ ‬والترويج‭ ‬لما‭ ‬عندها‭ ‬من‭ ‬خدمات‭ ‬أو‭ ‬سلع،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬أن‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬لن‭ ‬تفلس‭ ‬إذا‭ ‬قاطعت‭ ‬أخبار‭ ‬شركة‭ ‬ما‭ ‬أو‭ ‬أكثر‭.‬

نعم،‭ ‬هناك‭ ‬مصالح‭ ‬متبادلة‭ ‬بين‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬ومختلف‭ ‬المؤسسات‭ ‬والدوائر‭ ‬العامة‭ ‬والخاصة،‭ ‬ولكن‭ ‬كثيراً‭ ‬ما‭ ‬تتعامل‭ ‬بعض‭ ‬تلك‭ ‬الجهات‭ ‬بعجرفة‭ ‬وصلف‭ ‬مع‭ ‬الصحافة،‭ ‬بحسبان‭ ‬أن‭ ‬الصحف‭ ‬تستجدي‭ ‬الأخبار‭ ‬والتقارير‭ ‬والإعلانات،‭ ‬أو‭ ‬بسبب‭ ‬سوء‭ ‬الظن‭ ‬بالصحافة‭. ‬وهذا‭ ‬‮«‬فهم‮»‬‭ ‬قاصر‭ ‬وخاسر،‭ ‬يجعل‭ ‬إدارات‭ ‬العلاقات‭ ‬العامة‭ ‬في‭ ‬خندق‭ ‬معاد‭ ‬للصحافة،‭ ‬فكل‭ ‬ما‭ ‬تنشره‭ ‬الصحف‭ ‬‮«‬لا‭ ‬أساس‭ ‬له‭ ‬من‭ ‬الصحة،‭ ‬ولو‭ ‬اتصلوا‭ ‬بنا‭ ‬لتحري‭ ‬وتقصي‭ ‬الحقائق‭ ‬لما‭ ‬وقعوا‭ ‬في‭ ‬مثل‭ ‬ذلك‭ ‬الخطأ‭ ‬الشنيع‮»‬‭. ‬وهذه‭ ‬العبارة‭ ‬من‭ ‬‮«‬محفوظات‮»‬‭ ‬نشرات‭ ‬العلاقات‭ ‬العامة‭ ‬في‭ ‬كافة‭ ‬الدول‭ ‬العربية،‭ ‬لأن‭ ‬القائمين‭ ‬على‭ ‬الأمور‭ ‬الإدارية‭ ‬والتنفيذية‭ ‬يعتقدون‭ ‬أن‭ ‬مهمة‭ ‬العلاقات‭ ‬العامة‭ ‬هي‭ ‬الكذب‭ ‬والبكش‭ ‬والتضليل‭ ‬والقيام‭ ‬بدور‭ ‬الرقيب‭ ‬على‭ ‬الصحف،‭ ‬وكل‭ ‬صحفي‭ ‬يعمل‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الأخبار‭ ‬المحلية‭ ‬يعرف‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يجوز‭ ‬له‭ ‬كتابة‭ ‬سطر‭ ‬واحد‭ ‬عن‭ ‬أي‭ ‬وزارة‭ ‬دون‭ ‬الرجوع‭ ‬إلى‭ ‬جماعة‭ ‬العلاقات‭ ‬العامة‭ ‬فيها‭ ‬ليزودوه‭ ‬بمعلبات‭ ‬صلاحيتها‭ ‬منتهية‭ ‬معظمها‭ ‬عن‭ ‬إنجازات‭ ‬وهمية‭.‬

وقياساً‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬فإن‭ ‬حاجة‭ ‬أي‭ ‬بيت‭ ‬إلى‭ ‬خادمة‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬حاجة‭ ‬الخادمة‭ ‬للعمل‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬البيت‭! ‬وفي‭ ‬كل‭ ‬البيوت‭ ‬تقريباً‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬تكون‭ ‬الخادمة‭ ‬مطالبة‭ ‬بالعمل‭ ‬لنحو‭ ‬16‭ ‬ساعة‭ ‬يومياً‭: ‬الطبخ‭ ‬والكنس‭ ‬والغسل‭ ‬والكي‭ ‬و‭.... ‬التربية‭ (‬إذا‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬البيت‭ ‬أطفال‭) ‬وبعض‭ ‬ربات‭ ‬البيوت‭ ‬يكلفن‭ ‬الخادمات‭ ‬–‭ ‬فوق‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬–‭ ‬بالقيام‭ ‬بالمساج‭ (‬التمسيد‭/‬التدليك‭)‬،‭ ‬ومنهن‭ ‬من‭ ‬يكلفهن‭ ‬بمساعدة‭ ‬العيال‭ ‬على‭ ‬أداء‭ ‬الواجبات‭ ‬المدرسية‭ (‬هناك‭ ‬اعتقاد‭ ‬غبي‭ ‬بأن‭ ‬الفلبينيات‭ ‬يجدن‭ ‬الإنجليزية،‭ ‬فيتم‭ ‬تكليفهن‭ ‬بتدريس‭ ‬تلك‭ ‬اللغة‭ ‬للعيال‭ ‬فتكون‭ ‬النتيجة‭ ‬أن‭ ‬يقول‭ ‬الطفل‭ ‬‮«‬بلاي‮»‬‭ ‬بمعنى‭ ‬‮«‬يلعب‮»‬‭ ‬وهو‭ ‬يقصد‭ ‬‮«‬فلاي‮»‬‭ ‬بمعنى‭ ‬يطير‭ ‬لأن‭ ‬الفلبينيين‭ ‬يقلبون‭ ‬الفاء‭ ‬باء،‭ ‬وكل‭ ‬بنت‭ ‬فلبينية‭ ‬عملت‭ ‬في‭ ‬بيتنا‭ ‬كانت‭ ‬تعرفني‭ ‬بمستر‭ ‬جابر‭)‬،‭  ‬وبلاش‭ ‬نتكلم‭ ‬عن‭ ‬التحرش‭ ‬بهن‭.‬

ويحضرني‭ ‬هنا‭ ‬ما‭ ‬كتبه‭ ‬صحفي‭ ‬خليجي‭ ‬ضاع‭ ‬اسمه‭ ‬في‭ ‬تلافيف‭ ‬ذاكرتي‭ ‬التي‭ ‬تستعصي‭ ‬على‭ ‬التحديث‭ ‬عن‭ ‬شخص‭ ‬اتصل‭ ‬به‭ ‬ليقول‭ ‬له‭ ‬إنه‭ ‬لو‭ ‬خُيّر‭ ‬بين‭ ‬زوجته‭ ‬وخادمته‭ ‬لاختار‭ ‬الخادمة،‭ ‬لأنه‭ ‬انتبه‭ ‬إلى‭ ‬أنه‭ ‬كلما‭ ‬طلب‭ ‬شيئاً‭ ‬ما‭ ‬من‭ ‬زوجته،‭ ‬أحالته‭ ‬إلى‭ ‬الخادمة‭ ‬حتى‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬الخادمة‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬توجيهات‭ ‬الزوجة،‭ ‬وصارت‭ ‬توفر‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يحتاجه‭ ‬الزوج‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يطلب‭ ‬منها‭ ‬ذلك،‭ ‬فيعود‭ ‬إلى‭ ‬البيت‭ ‬ليجد‭ ‬الطعام‭ ‬ساخناً‭ ‬ويصحو‭ ‬في‭ ‬الصباح‭ ‬ليجد‭ ‬ملابسه‭ ‬مكوية‭ ‬ومرتبة،‭ ‬وسيارته‭ ‬نظيفة‭ ‬والشاي‭ ‬وكوب‭ ‬العصير‭ ‬مع‭ ‬إفطار‭ ‬خفيف‭.‬

وفي‭ ‬صحيفة‭ ‬كويتية‭ ‬قرأت‭ ‬ما‭ ‬كتب‭ ‬عن‭ ‬خادمة‭ ‬فلبينية‭ ‬اسمها‭ ‬ميران‭ ‬جوزا‭ ‬كانت‭ ‬مكلفة‭ ‬برعاية‭ ‬طفل‭ ‬صغير‭ ‬رعاية‭ ‬شاملة‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬النوم‭ ‬معه‭ ‬على‭ ‬سرير‭ ‬واحد‭.. ‬وذات‭ ‬يوم‭ ‬انتهبت‭ ‬أم‭ ‬الطفل‭ ‬إلى‭ ‬صرخاته‭ ‬العالية‭ ‬وفتحت‭ ‬باب‭ ‬الحمام‭ ‬ووجدت‭ ‬الطفل‭ ‬عارياً‭ ‬ومعه‭ ‬الخادمة‭ ‬عارية‭.. ‬كان‭ ‬جسم‭ ‬الطفل‭ ‬مدهوناً‭ ‬بمبيد‭ ‬حشري‭ ‬بينما‭ ‬كانت‭ ‬هناك‭ ‬صراصير‭ ‬وعناكب‭ ‬ونمل‭ ‬وبعوض‭ ‬وضب‭ ‬موزعة‭ ‬على‭ ‬جسمه‭.‬

لم‭ ‬تكن‭ ‬الخادمة‭ ‬تقصد‭ ‬إلحاق‭ ‬ضرر‭ ‬بالطفل،‭ ‬بالعكس‭:  ‬تقول‭ ‬الخرافات‭ ‬في‭ ‬بلدها‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬فعلته‭ ‬بالطفل‭ ‬كفيل‭ ‬بجعله‭ ‬يتعلق‭ ‬بها‭..  ‬كان‭ ‬الطفل‭ ‬كثير‭ ‬البكاء‭ ‬وخشيت‭ ‬المسكينة‭ ‬أن‭ ‬يتم‭ ‬طردها‭ ‬إذا‭ ‬لم‭ ‬تنجح‭ ‬في‭ ‬ترويض‭ ‬الطفل‭ ‬فلجأت‭ ‬إلى‭ ‬الخرافات‭ ‬والسحر‭ ‬الأسود‭..  ‬وتم‭ ‬تسليم‭ ‬الخادمة‭ ‬للشرطة‭.. ‬وعجبت‭ ‬لأن‭ ‬الصحيفة‭ ‬لم‭ ‬تقل‭ ‬شيئاً‭ ‬عن‭ ‬تقديم‭ ‬‮«‬الأم‮»‬‭ ‬للقضاء‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬كي‭ ‬يحبسوها‭ ‬إداريا‭ ‬لسبع‭ ‬سنوات‭ ‬دون‭ ‬استجواب‭!!‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا