تصوير: محمود بابا
لطالما اشتقنا إلى تلك الأعمال الفنية التلفزيونية والدرامية التي شهدتها حقبة التسعينيات، ولطالما تساءل جمهور الوطن العربي عنها وعن تلك الوجوه التي أسست وأسهمت بنشر الوعي من خلال أعمال درامية دخلت بيوتنا جميعًا لترسم على وجوهنا تعابير مختلفة بين الحزن والفرح وهي تناقش قضايا مجتمعية يكاد لا يخلو منها بيت آنذاك.
شهدت حقبة التسعينيات تحديدًا مولد عدد من الممثلين والممثلات الذين أسهموا في مجدها وتألقها وانتشارها، منهم من لا يزال مستمراً في المهنة، بينما قرر آخرون الابتعاد لظروف خاصة.
بين الماضي والحاضر يحاصرنا الحنين لاستعادة تلك المشاهد التي حملتنا لنعيش معها في بيت سعدون ونيران والكثير من الأعمال الفنية وسط جيل فني متكامل.. عالم الشهرة كان لها هذا اللقاء الحصري مع الفنان البحريني أحمد مجلي فكان هذا الحوار:
الفنان البحريني أحمد مجلي، بداية نحتاج منك نبذة مبسطة عنك..
- بداية أشكركم على هذه الدعوة، انا أحمد مجلي ممثل بحريني وتعبت لأكون ممثلا وأتميز بين الجيل الذي كنت بينهم وخصوصًا أن بداية ظهوري كانت بين جيل صعب وكل من به تتلمذ على أيدي كبار الأساتذة، هذا هو تعريفي لنفسي باختصار.
بداياتك جاءت مع الفنان الراحل علي الغرير.. حدثنا عن تلك المرحلة..
- أنا والمرحوم علي الغرير كنا جيران وزملاء وكانت حياتنا مشتركة بكل شيء، عندما كنا بالمرحلة الثانوية كان لدى علي أحد الأصدقاء يدعى ياسر النفيعي كان يعمل بالتمثيل وكنت دائما أحضر معه «بروفات» التمثيل، وفي إحدى المرات بينما كنت معه حدث نقص في الفريق وتمت الاستعانة بي لأداء ذلك الدور من قِبل الأستاذ سامي القوز، ودخلت مجال التمثيل دون أن أعلم كيف حدث أن اشتركنا حتى بالعمل في مجال التمثيل حتى أن وصلنا إلى نادي مدينة عيسى الذي أعتبره بداية تأسيسي على يد الأستاذ جمال الصقر وكبار الأساتذة حتى أن وصلنا إلى مسرح أوال على يد الأستاذ المرحوم جاسم شريدة الذي أثرانا كثيرًا بنصائحه والأستاذ القدير خليفة العريفي والأستاذ علي الشيراوي ومحمد عواد الذين كانوا يحرصون على مناقشة الكثير خلال وجودنا معهم لنكتسب منهم ومن خبراتهم.
من وجهة نظرك ما سر التعلق بمسلسلاتكم القديمة حتى الآن؟
- طبيعة الإنسان أنه يحب تراث بلده، ولأن مسلسلاتنا الأولى تتميز بالطابع التراثي فهناك أجيال تحب أن تستعيد ذاكرة وتراث أجدادهم، فالكثير من الآباء والأمهات يحرصون على تعليم أبنائهم على ذلك التراث للمحافظة على استمراره وترسيخه في أذهانهم من خلال حرصهم على مشاهدة تلك الأعمال التلفزيونية، ولأن تراثنا ثري جدًا؛ فعلى سبيل المثال نستطيع أن نقوم بعمل مسلسلات حتى عن الألعاب الشعبية كما أن مسلسلاتنا سابقًا كانت تتميز بالمبادئ التي تبرز القيمة الحقيقية للرجل والمرأة فكان المشاهد ولا يزال يشعر بالمتعة الحقيقية أثناء المشاهدة، عكس ما نراه في الكثير من الأعمال الحالية التي تركز على قصص الحب والميراث والصراعات المتشابهة.
هناك من يرى أن تركيز بعض المنتجين والمخرجين بات يرتكز على الشكل والمظهر لإنجاح العمل فما هو تعليقك على ذلك؟
- مع الأسف، ذلك الشيء موجود ولكن ليس لدى الجميع، فهناك بعض المخرجين يتميزون بالقصة والحدث وهناك بعض المخرجين يتميزون بحب إظهار وإبراز الموهبة الحقيقية والقصة والحدث، أنا كممثل أميل إلى القصة والحدث.
بين الدراما والمسرح والإخراج، أين وجدت نفسك؟
في بداياتي قد أكون تسرعت بالتفكير من خلال القيام بدور مساعد مخرج وكنت في بداياتي لا أمتلك الخبرة الكافية، أما الآن فقد اكتسبت الكثير من الخبرة التي تؤهلني لذلك من خلال خبراتي المتراكمة، ولديَّ خلفية كبيرة في المجال، وفي هذا الجانب أفضل أن أزاول مهنة الإخراج في المسرح الذي يُطلق عليه (المسرح التجاري)، الذي يتسم بالكوميديا لأن الناس بحاجة إلى مثل هذه المسارح.
وماذا عن المقارنة بين المسرح والدراما؟
- إذا لم تكن هناك دراما تلفزيونية فلن يكون هناك مسرح وطبيعة المشاهد في كل مكان يتعرّف على جودة أداء الممثل من خلال الدراما أولاً ثم الاتجاه نحو المسرح إذا كان يرى نفسه مؤهلاً لذلك، لأنه من الطبيعي أن الجمهور لن يذهب إلى المسرح لدفع تذاكر لممثل لا يكون قد عرفه مسبقًا من خلال الدراما.
ما هو أصعب موقف تمر فيه داخل «لوكيشن» التصوير؟
- هناك عدة نقاط من بينها لحظة وضع «الماكياج»؛ لأنني أعلم أن الكاميرا تخدع كثيرًا وذلك ما يقلقني منذ بداياتي حتى الآن، والأمر الثالث هو أنه مهما كان المشهد المُسند إلي بسيطًا إلا أنني أحرص على الوقت كثيرًا، وهذا ما يجعلني أفكر في كيفية أدائه طوال الليل وأحرص على الوجود بموقع التصوير بالوقت المحدد وكما بدأت أول مرة مازال الشعور ذاته ولا أحب التعامل مع من لا يحترم وقته.
من خلال تجربتك مع عدد المخرجين، صف لي تجاربك معهم..
- في بداية تعامل أي فنان مع المخرج تكون هناك صعوبة؛ فشخصيات المخرجين وأساليبهم تختلف من فرد إلى آخر، وعلى سبيل المثال الأستاذ المخرج أحمد المقلة لا أشعر بصعوبة في التعامل معه لكن هناك «رهبة» تصيبني عند التعامل معه لأنني أعلم أنه بفضل خبرته الكبيرة فهو أفضل مني بمليون مرة وهو يرى شيئا أنا لا أراه، ويعلم من خلال خبرته نقاط الضعف والقوة ويحاول تنميتها في الفنان الماثل أمامه، وشعور الرهبة طبيعي في بداية كل ممثل، ومع تكرار العمل مع مخرج معين نكون قد اكتسبنا خبرة في التعامل وفهم شخصياتهم المختلفة، فهناك البعض منهم لا يحبون «الافيهات» والخروج عن النص، وهناك البعض الآخر لا يعترض على «الافيهات» ولكنه يقوم بتقييم الإفيه إذا كان ملائما ولا يضر مصلحة العمل فيدرجه فيه، أما إذا رأى أنه لا يتناسب مع العمل فيقوم بحذفه، وهناك بعض المخرجين يرون أن «اللعثمة» شيء طبيعي في بداية كل عمل ما يعزز من ثقة الممثل بنفسه فيتناسى أمر «اللعثمة» ويقوم بالتركيز على الحوار. وخلال عملي مع الأستاذ أحمد المقلة فأنا لا أركز على الحفظ فقط لكنني أركز على كل شيء؛ الحفظ والحوار، وجاءت بدايتي من خلال العمل مع الأستاذ أحمد المقلة ولله الحمد فقد كنت عند حسن ظنه بي، وعملت مع الأستاذ محمد القفاص أيضًا ومحمد سلمان وجمعان الرويعي ويوسف الكوهجي ومن المخرجين غير البحرينيين عملت مع الأستاذ سعود بوعبيد من دولة الكويت الذي انتهيت منذ عام تقريبا من العمل معه من خلال عمل فني كوميدي تحت عنوان «بطن وظهر» مع الفنانة سعاد علي.
بعض الفنانين لديهم خبرة في التعامل مع المخرجين ولا يحتاجون إلى الكثير من الجهد والعناء وينهون أداورهم بكل سرعة وسهولة بسبب خبرتهم الكبيرة في التعامل مع المخرجين وفهم المطلوب خلال الدور جيدًا؛ كالفنان يوسف بوهلول وجمعان الرويعي اللذين يؤديان المطلوب من المرة الأولى دون الحاجة إلى الإعادة.
هل لك أن تحدثنا عن تجربتك في مسلسل بطن وظهر الذي حقق «التريند» منذ شهر تقريبًا؟
- حقيقة أنا لا أحب التحدث عن «بطن وظهر» لأنني خلال قيامي بهذا العمل فقدت أعز إنسان وهو «والدي»، وكنت حينها بدولة الكويت أحضّر لأداء الدور فتلقيت اتصالاً يخبرني أن والدي قد مات، وعلى الفور أخبرتهم أنني سأعود إلى البحرين وإذا كانوا يرغبون بمواصلة تمثيل المسلسل دون وجودي فلهم الحق بذلك وأخبرتهم أنني سوف أعيد مبلغ مقدّم تمثيل العمل لهم، ولكن المخرج سعود بوعبيد رفض استبدالي وأخبرني أنهم سوف ينتظرون عودتي وبعد عودتي إلى البحرين أتممت مراسم دفن والدي يوم الثلاثاء وعدت إلى الكويت يوم الأربعاء لعلمي أن هناك أربعة مشاهد يجب الانتهاء منها نهار الأربعاء لذلك لم أطل المكوث في البحرين.
وبعد أداء مشاهدي بقي مشهد واحد لم يسعفنا الوقت للانتهاء منه لأنه يجب أن يكون في النهار فتم تأجيل المشهد إلى اليوم التالي والذي خرجت فيه إلى سوق المباركية للتسوق قبل أن يحين موعد التصوير في الثانية ظهرًا وبعد الانتهاء من التسوق تلقيت اتصالاً من جديد أبلغوني من خلاله أن جدتي قد انتقلت إلى جوار ربها.
فذهبت إلى المخرج سعود بوعبيد وقلت له: «قبل أي شيء أرجوك خلصني اليوم لأن هذا المسلسل خلّص أهلي في البحرين». وللعلم فأنا أحب الكويت جدا ولا أتردد مطلقًا في حال تم عرض أي سفرة إلى الكويت فإنني ألبي الدعوة في الحال، لكن فقدي والدي وجدتي تسبب لي بحزن عميق، وكلما ذُكر اسم الكويت أذكر أنني فقدتهما وأنا بعيد هناك.
هل تعتقد أن الدراما في البحرين أخذت مساحتها التي تستحقها؟
- لا.. الدراما في البحرين تحتاج إلى أن يتم النظر فيها لإعادة إنعاشها من جديد لأننا لدينا المواهب ولدينا الكتّاب والمخرجون ولدينا مواهب تمتلك مقوّمات تؤهلهم للإبداع والتميز، لكننا مازلنا نحتاج إلى الالتفات إلى ذلك من خلال دعم رسمي.
إضافة إلى ذلك فنحن لدينا مواهب وطاقات شابة تميّزت بالتمثيل والتصوير والمونتاج، منها ما نراه عبر الشاشات الخليجية ومنها ما نراه من خلال الأفلام القصيرة التي باتت تخرج لنا مواهب تتميز بالإبداع، وأنا شخصيًا أحب مشاهدة مثل هذه الأعمال واستمتع بها من خلال «السوشيال ميديا». أتعتقد أن الصحافة المحلية مقصّرة في دعم الحركة الفنية في البحرين؟
- أنا لا ألوم الصحافة البحرينية في أي شيء لأنه لا توجد مواد فنية جديدة متاحة الآن ليتم دعمها من قِبل الصحافة، في السابق كان لدينا مهرجانان وكنا نشارك أيضًا بالمهرجانات الفنية بدول الخليج.
تعاملت مع الفنانة الكبيرة هدى حسين فما هو تعليقك على تجربة العمل معها في «كف ودفوف»؟
- الفنانة هدى حسين فنانة بكل معنى الكلمة، ومحترمة جدًا وتنتقي الأدوار بعناية شديدة، ومحبة للجميع، وحقيقة استمتعت بالعمل معها.
أحمد مجلي.. من هو الفنان الذي تمنيت الوقوف أمامه؟
- الحمد لله كانت لدي أمنية الوقوف أمام الفنان الراحل غانم الصالح وقد تحقق ذلك.
صف لي الفنان غانم الصالح بموقع التصوير..
- الفنان الراحل غانم الصالح أب بموقع التصوير.. وله احترامه الكبير ويحرص دائما على تقديم النصائح ويحب «لمّة الفريق» حوله ويتعامل بأبوة.
وماذا عن الأب أحمد مجلي؟ كيف يتعامل بالمنزل؟
- أنا ولله الحمد لدي ثلاثة أبناء ذكور وبنت واحدة، وقد ربّيت أبنائي الثلاثة الكبار بطريقة معينة بحسب قوانين واضحة معهم، لكنني قريب منهم جدًا، فأنا الأب الصديق الحنون لكني «شديد حزة الحزة» فقط، لكني لا أميل إلى التصلب والمشاكل مع أبنائي.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك