العدد : ١٦٩٨٩ - الجمعة ٢٧ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٦٩٨٩ - الجمعة ٢٧ سبتمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٤ ربيع الأول ١٤٤٦هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

حكاية تيس آخر

هذه‭ ‬الزاوية‭ ‬الغائمة‭ ‬المتواضعة‭ ‬أصبحت‭ ‬بعبعا‭ ‬يخيف‭ ‬الدجالين‭ ‬والمحتالين‭ ‬والفاسدين‭ ‬والمفسدين‭. ‬هل‭ ‬تذكرون‭ ‬ذلك‭ ‬التيس‭ ‬في‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية‭ ‬الذي‭ ‬حدّثتكم‭ ‬عنه‭ ‬قبل‭ ‬سنوات‭ ‬قليلة؟‭ ‬أعني‭ ‬ذلك‭ ‬التيس‭ ‬الذي‭ ‬بدأ‭ ‬يدر‭ ‬حليباً،‭ ‬وزعم‭ ‬صاحبه‭ ‬أن‭ ‬حليبه‭ ‬يزيل‭ ‬العقم‭ ‬فتكالبت‭ ‬الجماهير‭ ‬لتنهل‭ ‬من‭ ‬بركاته؟‭ ‬حسنا،‭ ‬ظهر‭ ‬تيس‭ ‬مشابه‭ ‬في‭ ‬الشام‭ ‬ولكن‭ ‬الأفاق،‭ ‬المخادع،‭ ‬الحيوان‭ ‬ابن‭ ‬الحيوان‭ ‬لقي‭ ‬حتفه‭. ‬صاحب‭ ‬التيس‭ ‬زعم‭ ‬أن‭ ‬منظمة‭ ‬إرهابية‭ ‬خطفته‭ ‬وقامت‭ ‬بتصفيته‭ ‬جسدياً‭. ‬وتقول‭ ‬بعض‭ ‬المصادر‭ ‬أن‭ ‬بعض‭ ‬‮«‬المريدين‮»‬‭ ‬أرادوا‭ ‬لأنفسهم‭ ‬جرعات‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬‮«‬البركة‮»‬‭ ‬فقاموا‭ ‬بذبح‭ ‬التيس‭ ‬والتهام‭ ‬لحمه،‭ ‬على‭ ‬طريقة‭ ‬صاحبنا‭ ‬الذي‭ ‬كانت‭ ‬لديه‭ ‬دجاجة‭ ‬تبيض‭ ‬بيضة‭ ‬ذهبية‭ ‬كل‭ ‬يوم،‭ ‬فأراد‭ ‬أن‭ ‬يضع‭ ‬يده‭ ‬على‭ ‬الكنز‭ ‬الذي‭ ‬في‭ ‬جوف‭ ‬الدجاجة‭ ‬فذبحها‭ ‬فطارت‭ ‬الدجاجة‭ ‬وطار‭ ‬معها‭ ‬البيض‭ ‬الذهبي‭. ‬وقالت‭ ‬بعض‭ ‬المصادر‭ ‬إن‭ ‬التيس‭ ‬انتحر‭ ‬احتجاجاً‭ ‬على‭ ‬وصفي‭ ‬أخاه‭ ‬الفلسطيني‭ ‬بـ‮«‬الاستهبال‮»‬،‭ ‬وأنه‭ ‬كتب‭ ‬رسالة‭ ‬قبل‭ ‬انتحاره‭ ‬يناشد‭ ‬فيها‭ ‬مريديه‭ ‬الثأر‭ ‬لكرامته،‭ ‬وقد‭ ‬وصلتني‭ ‬بالفعل‭ ‬بعض‭ ‬رسائل‭ ‬التهديد،‭ ‬وجميعها‭ ‬تقول‭ ‬ما‭ ‬معناه‭: ‬إن‭ ‬أي‭ ‬مساس‭ ‬بكرامة‭ ‬‮«‬الشهيد‮»‬‭ ‬يعتبر‭ ‬عبثاً‭ ‬بالمقدسات‭ ‬والثوابت،‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬السكوت‭ ‬عليه،‭ ‬وجاء‭ ‬في‭ ‬إحدى‭ ‬الرسائل‭: ‬لئن‭ ‬مات‭ ‬التيس‭ ‬فكلنا‭ ‬تيوس،‭ ‬وعلى‭ ‬دربه‭ ‬نصول‭ ‬ونجوس‭.‬

أيتها‭ ‬الجماهير‭ ‬الباسلة‭ ‬الوفية،‭ ‬أنا‭ ‬أعرف‭ ‬أن‭ ‬مصابكم‭ ‬عظيم،‭ ‬ولست‭ ‬من‭ ‬الذين‭ ‬يشمتون‭ ‬بالموتى،‭ ‬بل‭ ‬وأنني‭ ‬على‭ ‬استعداد‭ ‬للاعتذار‭ ‬لكم‭ ‬بنشر‭ ‬نعي‭ ‬لصاحبكم‭ ‬في‭ ‬الصحف‭ ‬السيارة،‭ ‬رغم‭ ‬اني‭ ‬لا‭ ‬أعرف‭ ‬الفرق‭ ‬بين‭ ‬الصحف‭ ‬السيارة‭ ‬والصحف‭ ‬الطائرة،‭ ‬ربما‭ ‬كانت‭ ‬الصحف‭ ‬السيارة‭ ‬هي‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬تصدر‭ ‬عندنا،‭ ‬و«تسير‭ ‬على‭ ‬العجين‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تترك‭ ‬أثراً‭ ‬عليه‮»‬‭. ‬وبالمقابل،‭ ‬تكون‭ ‬الصحف‭ ‬غير‭ ‬السيارة،‭ ‬أو‭ ‬‮«‬الطائرة‮»‬‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬طار‭ ‬بها‭ ‬أصحابها‭ ‬إلى‭ ‬المهاجر‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬أعياهم‭ ‬السير‭ ‬على‭ ‬العجين‭.‬

على‭ ‬كل‭ ‬حال‭ ‬أكرر‭ ‬اعتذاري‭ ‬لمريدي‭ ‬الراحل‭ ‬المقيم،‭ ‬وعزاؤنا‭ ‬جميعاً‭ ‬أن‭ ‬أمتنا‭ ‬ليست‭ ‬عاقراً،‭ ‬ولا‭ ‬شك‭ ‬في‭ ‬أننا‭ ‬سنجد‭ ‬عوضاً‭ ‬عن‭ ‬‮«‬الفقيد‮»‬،‭ ‬فهناك‭ ‬آلاف‭ ‬التيوس‭ ‬المغمورة‭ ‬القادرة‭ ‬على‭ ‬ملء‭ ‬الفراغ،‭ ‬ولا‭ ‬يخامرني‭ ‬شك‭ ‬في‭ ‬أننا‭ ‬سنجد‭ ‬تيساً‭ ‬بديلاً‭ ‬ينتج‭ ‬جبناً‭ ‬ولبنة‭ ‬وزبادي‭ ‬وروباً‭ ‬مبستراً،‭ ‬وإذا‭ ‬تعهدنا‭ ‬أمثال‭ ‬تلك‭ ‬التيوس‭ ‬بالرعاية‭ ‬فإنها‭ ‬ستنتج‭ ‬الحليب‭ ‬بكميات‭ ‬تجارية‭ ‬تمكننا‭ ‬من‭ ‬تجفيفه‭ ‬وتصديره‭ ‬إلى‭ ‬الدول‭ ‬الأوروبية‭ ‬التي‭ ‬تعاني‭ ‬من‭ ‬انخفاض‭ ‬عدد‭ ‬المواليد،‭ ‬وبعد‭ ‬أن‭ ‬تعم‭ ‬الخصوبة‭ ‬أوروبا‭ ‬ببركات‭ ‬تيوسنا‭ ‬المعطاة‭ ‬فسيحدث‭ ‬انفجار‭ ‬سكاني‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭ ‬كافة،‭ ‬ويعقب‭ ‬ذلك‭ ‬تفشي‭ ‬البطالة‭ ‬والاضطرابات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والسياسية‭ ‬فتتدهور‭ ‬أوضاعهم،‭ ‬وتصبح‭ ‬تلك‭ ‬الدول‭ ‬ضمن‭ ‬مجموعة‭ ‬العالم‭ ‬الثالث‭ ‬فنتمكن‭ ‬نحن‭ ‬من‭ ‬القفز‭ ‬من‭ ‬العالم‭ ‬السفلي‭ ‬إلى‭ ‬العالم‭ ‬الخامس،‭ ‬فيصبح‭ ‬الفارق‭ ‬بيننا‭ ‬وبينهم‭ ‬ضئيلاً،‭ ‬ومن‭ ‬المؤكد‭ ‬أن‭ ‬ذلك‭ ‬الفارق‭ ‬سيزول‭ ‬تماماً‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تسري‭ ‬جينات‭ ‬التيوسة‭ ‬في‭ ‬التكوين‭ ‬الفسيولوجي‭ ‬للسلالات‭ ‬الأوروبية‭ ‬فيصبحون‭ ‬مثلنا،‭ ‬بمعنى‭ ‬أن‭ ‬عطاءهم‭ ‬سينحصر‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬التناسل‭ ‬والتكاثر‭. ‬

والشاهد‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬لدينا‭ ‬إمكانيات‭ ‬هائلة‭ ‬ولكنها‭ ‬غير‭ ‬مستغلة،‭ ‬وامكانياتنا‭ ‬بلا‭ ‬حدود‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬‮«‬البركات‮»‬‭ ‬والكائنات‭ ‬‮«‬المباركة‮»‬‭. ‬في‭ ‬جميع‭ ‬مدننا‭ ‬ترتفع‭ ‬الرايات‭ ‬والبيارق‭ ‬فوق‭ ‬آلاف‭ ‬الأبنية‭ ‬للتدليل‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬بداخلها‭ ‬من‭ ‬الأحياء‭ ‬والأموات،‭ ‬من‭ ‬أصحاب‭ ‬الحظوة‭ ‬والبركة،‭ ‬حتى‭ ‬الأجناس‭ ‬الأخرى‭ ‬التي‭ ‬تحتك‭ ‬بنا‭ ‬تصيبها‭ ‬بركاتنا‭.‬

في‭ ‬السبعينيات‭ ‬كان‭ ‬فريق‭ ‬من‭ ‬المهندسين‭ ‬الصينيين‭ ‬يقوم‭ ‬بتشييد‭ ‬جسر‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬‮«‬الجزيرة‮»‬‭ ‬بوسط‭ ‬السودان،‭ ‬عندما‭ ‬غرق‭ ‬أحدهم‭ ‬في‭ ‬النهر‭ ‬وقرر‭ ‬زملاؤه‭ ‬أن‭ ‬يظل‭ ‬النهر‭ ‬قبره،‭ ‬ولكن‭ ‬سكان‭ ‬القرى‭ ‬المجاورة‭ ‬بحثوا‭ ‬عن‭ ‬الجثة‭ ‬ليل‭ ‬نهار‭ ‬حتى‭ ‬عثروا‭ ‬عليها،‭ ‬وتم‭ ‬دفنه‭ ‬بالقرب‭ ‬من‭ ‬الجسر‭ ‬فبنى‭ ‬له‭ ‬رفاقه‭ ‬مقبرة‭ ‬جميلة‭ ‬نقشوا‭ ‬عليها‭ ‬مقتطفات‭ ‬من‭ ‬أقوال‭ ‬الزعيم‭ ‬ماو‭ ‬تسي‭ ‬دونغ،‭ ‬وبعد‭ ‬حين‭ ‬من‭ ‬الدهر‭ ‬ارتفعت‭ ‬الرايات‭ ‬فوق‭ ‬قبر‭ ‬‮«‬الشيخ‮»‬‭ ‬الصيني‭ (‬يسميه‭ ‬أهل‭ ‬المنطقة‭ ‬الفكي‭ ‬الصيني‭) ‬وأصبح‭ ‬قبره‭ ‬مزارا‭ ‬تذبح‭ ‬حوله‭ ‬الذبائح‭ ‬طلباً‭ ‬للبركة‭ ‬والدعاء‭ ‬المستجاب،‭ ‬ولو‭ ‬لم‭ ‬يأت‭ ‬إلينا‭ ‬ذلك‭ ‬الصيني‭ ‬لما‭ ‬اكتشف‭ ‬هو‭ ‬أو‭ ‬ذووه‭ ‬إنه‭ ‬من‭ ‬‮«‬الصالحين‮»‬‭.‬

المهم‭ ‬أن‭ ‬نفكر‭ ‬في‭ ‬طريقة‭ ‬نستثمر‭ ‬بها‭ ‬طاقاتنا‭ ‬الهائلة‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الاستخدام‭ ‬السلمي‭ ‬للبركات‭ ‬النابعة‭ ‬من‭ ‬مختلف‭ ‬المصادر،‭ ‬سواء‭ ‬أكانت‭ ‬أبنية‭ ‬مزركشة‭ ‬أو‭ ‬حيوانات‭ ‬أليفة‭.‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا