حملات تفتيشية ورقابية وتوعوية برا وبحرا لخلق بيئة صيد آمنة
ما سر القوارب الخالية التي تضبطها الدوريات في مياه البحر؟
ضبط مخالفات لأنظمة الصيد وعمالة غير نظامية وإحالة المخالفين إلى النيابة
تصوير: محمد سرحان
كانت الانطلاقة من مرفأ المحرق للصيادين. كوادر إدارة مرافئ الصيد البحري وقفوا متأهبين للانطلاق في المهمة. استعداد تام، عزيمة وإصرار، تنظيم محكم، وخبرة لا يشق لها غبار. قاربان سريعان مجهزان للإبحار والقيام بالدور الوطني.
المهمة: مواصلة سلسلة الحملات التوعوية والتفتيشية في عرض البحر.
الهدف: حماية الثروة البحرية.. التوعية.. ورصد مخالفات الصيد ومحاسبة المخالفين.
«أخبار الخليج» عايشت الحدث منذ البداية، وشهدت فصول الحملات. تواجدنا مع هذا الفريق المتحمس المشتعل حيوية للقيام بدوره على أكمل وجه بالتنسيق مع قيادة خفر السواحل والجهات المعنية الأخرى، في مقدمتها هيئة تنظيم سوق العمل.
انطلقت الدوريات التي تعرف طريقها بين أمواج البحر كما يعرف الرحّال طريقه وسط الصحراء. وجميع من على ظهر القوارب يحملون صفة مأمورية الضبط القضائي وفقا لاختصاصهم، وعلى الرغم من محاولات بعض العمال او الصيادين التحايل على القانون، إلا ان الكوادر التي تخرج في هذه دوريات المراقبة والضبط تتميز بالتدريب العالي والخبرة الكافية والمهارة والإلمام بأساليب الصيد وطرق التحايل، ما يمكّنهم من رصد وضبط وإفشال هذه المحاولات.
تنقلت الدوريات بثقة من نقطة إلى أخرى، لتمارس دورها في التحقق من الالتزام بالأنظمة والقوانين ورصد المخالفات. تتوقف بين فينة وأخرى لتفحص قوارب الصيد، وتتأكد من سلامة أوراقها ورخصها وقانونية العمالة فيها، وكذلك قانونية وسائل الصيد المستخدمة.
واللافت ان الكثير من العمال الاسيويين بدوا وكأنهم على ألفة مع هذه الإجراءات التفتيشية، الأمر الذي يعكس استمرارية هذا الدور اللافت والدؤوب لإدارة مرافئ الصيد وقيادة خفر السواحل.
وكانت حصيلة هذه الدوريات على مدى الأيام القليلة الماضية ضبط عدد لا يستهان به من المخالفات مثل مخالفات الصيد غير القانوني والعمالة المخالفة لأنظمة الصيد البحري، وضبط كميات كبيرة من المواد الضارة بالبيئة كالمواد الصلبة المجهزة كمشدات بحرية صناعية مضرة بالبيئة البحرية.
فيما كان سحب الرخص وإحالة البعض الى النيابة العامة هو مصير عدد من هذه المخالفات.
ومن الأمور اللافتة أيضا ان جميع عمليات الفحص والتدقيق والرصد يتم تصويرها مباشرة بواسطة كاميرات متطورة توثق كافة الإجراءات.
رصد المخالفات
مدير إدارة مرافئ الصيد البحري بوزارة شؤون البلديات والزراعة خالد الشيراوي قاد الفريق في هذه الحملة التي عايشتها «أخبار الخليج». وفي حديثه حول هذه الحملات المتواصلة قال: قامت وكالة الزراعة والثروة البحرية بوزارة شؤون البلديات والزراعة بالتعاون والتنسيق مع جميع الجهات الرسمية والخاصة المعنية بشؤون الصيد، في مقدمتها وزارة الداخلية ممثلة في خفر السواحل، وهيئة تنظيم سوق العمل، والبلديات ووزارة الصناعة والتجارة، قامت بتدشين حملة تفتيشية وتوعوية وضبطية واسعة ومشتركة، بهدف توعية المواطنين والمقيمين والعاملين في هذا القطاع بأهمية حماية الثروة البحرية والبيئية.
كما تستهدف الحملة ضبط المخالفين والحد من استخدام العمالة غير النظامية في أعمال صيد الأسماك، أو استخدام الأساليب غير القانونية في الصيد والتي تؤثر على المخزون السمكي، إضافة إلى التأكد من استيفاء الشروط القانونية للعمل في مجال البحر وسلامة طريقة الصيد.
وأشاد الشيراوي بدور الصيادين أنفسهم في نجاح هذه الحملة وتعاونهم مع الإدارة خاصة من خلال خدمة (واتس أب الصياد) والتي تتيح إمكانية تصوير أي مخالفة في البحر من قبل أي صياد وإرسالها الى الإدارة التي تقوم بالتحقيق واتخاذ الإجراءات اللازمة إزاء المخالفة.
وأوضح ان أبرز المخالفات التي تم رصدها خلال الأسبوع الأول من انطلاق الحملة كانت استخدام وسائل الصيد غير القانونية، تليها مخالفات العمالة المخالفة، وذلك بالتنسيق مع باقي الجهات المشاركة في الحملة. ويتم في نفس الوقت اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة بشأنها.
وأكد الشيراوي ان هذه الحملات التفتيشية ستستمر، مشددا على أهمية تعاون جميع الصيادين والهواة مع هذه الحملة انطلاقا من المسؤولية الوطنية في الحفاظ على البيئة والثروة البحرية، وذلك من خلال الالتزام بالأنظمة والقوانين التي تنظم عملية الصيد البحري بما يضمن حماية البيئة البحرية، والإبلاغ عن اية مخالفات يتم رصدها.
استمرار الحملات
من جانبه أوضح مسؤول المرافئ البحرية وليد خالد المحميد ان هذه الحملة انطلقت مؤخراً بهدف خلق بيئة آمنة للصيادين والهواة مع توعيتهم بالجوانب القانونية والالتزامات الإدارية. وفي نفس الوقت التأكيد ان هناك رقابة على المباحر، وهناك إدارة تقوم بمتابعة ومحاسبة أي خروقات ومخالفات تتعلق بالصيد سواء كانت من عمالة أجنبية او استخدام وسائل صيد غير قانونية أو حتى تجاوزات من الهواة.
وأضاف: يمكن تصنيف من يمارسون الصيد الى صنفين، الأول من يملكون رخصا هي أشبه بالسجل التجاري، ولديهم عمالة. والصنف الاخر هم البحارة الهواة، وهؤلاء يسمح لهم بالحداق و(اللفاح) فقط، ولا يسمح لهم باستخدام باقي معدات الصيد مثل (القراقير) او الشباك او بتوظيف عمالة. وبالتالي لكل صنف أنظمة وقوانين يجب الالتزام بها، لأن الهدف الأساسي من هذه القوانين هو حماية مهنة الصيد وحماية الثروة البحرية وتحقيق الاستدامة في هذه الثروة.
وأشار المحميد إلى ان المادة 20 من المرسوم رقم (20) لسنة 2002 حددت طرق الصيد المخالفة التي تسهم في تدمير البيئة البحرية، وبالتالي حظرت حيازتها او استخدامها، من ذلك شباك الجر القاعي لصيد الأسماك بواسطة أي نوع من سفن الصيد لكونها تهدد القاع البحري، وشباك الجرف العائمة (الهيالي)، والبنادق البحرية لصيد الأحياء البحرية، وشباك الألياف الصناعية (النايلون) الأحادي والتي تعتبر من أخطر أنواع الغزل التي تهدد الهيرات والفشوت، والشباك المصنوعة من النايلون ذي الثلاث طبقات من الغزل، وشبكة صيد الروبيان أثناء فترة منع الصيد.
طرق التحايل
وتابع المحميد: للأسف هناك من يحاول ان يتحايل على القانون سواء من قبل الهواة او الصيادين المسجلين. ومثال ذلك ضبط هواة يستخدمون شباك صيد او قراقير أو يوظفون عمالة. او ان يدخل البعض بقوارب عادية وليس قوارب صيد على الرغم من امتلاكهم رخصة. وهناك تجاوزات من عمالة أجنبية للأسف أدخلت طرق صيد دخيلة على مجتمع الصيادين البحرينيين مثل بعض أنواع القراقير والشباك ومعدّات الصيد غير القانونية وبعض طرق الصيد التي يمنعها القانون.
ومن أكثر طرق التحايل على القانون عدم تنفيذ القرار المتعلق بتراخيص العمالة الأجنبية على ظهر السفن أو البانوش، حيث يسمح القرار بستة عمال على البانونش واثنين على القارب. هنا تجد البعض يتفنن في محاولات مخالفة القانون، كان يخرج من المرفأ بعدد عمال سليم وبإجراءات سليمة، وبعد تسجيل ذلك في قيادة خفر السواحل، يتجه الى عرض البحر في موقع محدد يكون فيه قارب آخر ينتظر وعليه عمال غالبا غير مرخصين. وهؤلاء يركبون في البانوش فيكون العدد الكلي أكثر من 6 بكثير. لذلك كثيرا ما نضبط قوارب خالية وسط البحر. وبعد التدقيق نجد ان العمال كانوا على سفينة أو بانوش بشكل مخالف. وفي كثير من الأحيان لا تحمل لوحة وتكون في مناطق بعيدة عن مرأى الدوريات، معتقدين ان الدوريات لن تصل إليهم. ولكن الحملات التي ننفذها تفشل محاولاتهم.
وفي بعض الأحيان يستخدمون قوارب مسطحة قادرة على الإبحار في مناطق ضحلة غير عميقة (الرق)، لأن قوارب الدوريات لا يمكنها ان تدخل تلك المواقع. ولكن حتى هذه المحاولات لم تعد تجدي نفعا لان إدارة مرافئ الصيد البحري دشنت قوارب مخصصة قادرة على الإبحار في هذه المناطق ورصد المخالفات.
ومن الحالات أيضا أن يخرج عمال غير مرخصين في قارب مع بحريني هاو وليس مرخصا، وبنفس الطريقة ينزلون في بانوش بعرض البحر، ويكون لهم نسبة مما يصيدونه يسلمونها للصياد الهاوي.
وهنا في حالة رصد أو الشك بأي مخالفة تبادر الدوريات المنتشرة الى فحص الطراد وإيقافه والتحقق من سلامة الأوراق ووسائل الصيد.
وعند التحقق من وجود تجاوز سواء من العمال او الهواة يتم اتخاذ الإجراءات القانونية الحازمة.
علما بأن هناك نوعين من الإجراءات. فإذا كانت المخالفة من قارب أو بانوش محترف يتم سحب الرخصة فورا وعمل محضر وإحالته للتحقيق. وفي حال ضبط عمالة مخالفة يتم تصوير المخالفة وسحبه من ظهر السفينة مع سحب ترخيص السفينة، ونبلغ قيادة خفر السواحل عن المخالفة بحيث لا يمكن الإبحار الا بعد التسوية والفصل من القضاء، حيث تحال التجاوزات الى القضاء بشكل مستمر، ويتم التحفظ على الرخصة حتى يتم الفصل في القضية.
أما بالنسبة لمخالفات معدات الصيد فيتم مصادرتها فورا مع سحب الرخصة ثم إحالتها الى النيابة العامة.
وبالنسبة للهواة، يتم التحفظ على القارب وإبلاغ خفر السواحل. وفي حالات يتم سحب القارب الى أقرب مرفأ حيث يتم تسليمه الى خفر السواحل، وبعدها يتم تدوين المحظر وترفع الى النيابة العامة.
ومن المهم هنا الإشارة الى ان الحملة شملت البر والبحر، إذ هناك دوريات الاسناد البري تابعة لخفر السواحل ترصد التجاوزات في السواحل العامة بما فيها تحميل عمالة مخالفة من السواحل والمشدات البحرية واستخدام إطارات النايلون المضرة بالبيئة، واستخدام أقفاص غير قانونية في صيد السمك مثل اقفاص طيور تحتوي مواد مضرة بالبيئة البحرية مثل الفايبر والاخشاب وغيرها. أضف الى ذلك استخدام هياكل سيارات كمشدات بحرية عند السواحل.
واختتم المحميد بقوله: منذ انطلاق الحملة، قمنا حتى الان بالعديد من العمليات التفتيشية، شهدت التفتيش على أكثر من 350 عاملا، ورصد العديد من المخالفات وضبط عمالة غير نظامية، وسحب عدد من رخص الصيد وإحالتها الى النيابة العامة.
كما رصدنا عددا من الشباك غير القانونية المجهولة الهوية وشباك الجرف القاعي وغيرها.
هيئة تنظيم سوق العمل
كان لهيئة تنظيم سوق العمل وجود لافت في الحملة، وذلك من خلال أخذ بصمات العمالة الأجنبية في البحر والتحقق من هوياتهم وسلامة أوراقهم والرخص التي يحملونها من خلال أجهزة ذكية ونظم متطورة.
وحول هذه المشاركة يقول محمد رضي حسن، أخصائي تفتيش أول بهيئة تنظيم سوق العمل: في الواقع نحن في هيئة تنظيم سوق العمل مستمرون في المشاركة بهذه الحملة المهمة الى جانب مختلف الهيئات والوزارات المعنية.
ويتلخص دورنا في فحص الأوراق الثبوتية والرخص الرسمية والتأكد من سلامة الوضع القانوني للعمال في القوارب وسفن الصيد، وذلك للحد من العمالة غير النظامية ورصد المخالفات المتعلقة بهذا الجانب سواء العمالة المخالفة لشروط وأنظمة تصاريح العمل او تلك العمالة التي تعمل من دون تصريح.
وقد تم بالفعل رصد عدد من هذه الحالات واتخاذ الإجراءات القانونية بشأنها.
الـحـمـلـة الوطـنـيـة.. والمسـؤولـيـة المشـتركـة
في الوقت الذي تقوم وزارة شؤون البلديات والزراعة والجهات الأخرى المعنية بتنظيم مثل هذه الحملة الوطنية المهمة، فإن أدوارا أخرى تبرز هنا ولا تقل أهمية عن المشاركة بهذه الحملة والمساهمة في تحقيق أهدافها، وهي أدوار المواطنين أنفسهم.
فهذه الحملة التي تستهدف بالمقام الأول حماية الثروة البحرية وردع المخالفين وخاصة من العمالة الأجنبية، على اعتبار أن اغلب الحالات التي تم ضبطها كانت من قبل عمالة أجنبية مخالفة للقوانين وتصاريح العمل، تتطلب هذه الحملة تكاتفا ومسؤولية مشتركة من قبل الجميع.
فالكثير من هؤلاء المخالفين يمارسون أدوارا كفيلة بالإضرار بالبقية الباقية من ثروتنا البحرية. وبالتالي تكون المسؤولية الوطنية على عاتق كل مواطن في حماية هذه الثروة وردع المخالفين. وأبسط دور يمكن للمواطن ان يلعبه في هذا الجانب هو مقاطعة الشراء من هؤلاء والإبلاغ عنهم. فليس من المعقول ولا المقبول ان تقوم هذه العمالة ببيع حصيلة مخالفاتها في الأسواق علانية.
الشراء منهم يعني أولا تشجيعهم ومساندتهم في الاستمرار في المخالفات. وثانيا دعمهم في منافسة البحريني في مصدر رزقه، وثالثا مساعدتهم في تدمير البيئة والثروة البحرية من خلال الصيد الجائر ووسائل الصيد غير القانونية.
الثروة البحرية للأسف باتت تئن وتعاني مما أصابها، ولم يتبق منها الا النزر اليسير. ومسؤولية حماية ما تبقى لا يقع على عاتق الجهات المسؤولة فقط، ولا على الصيادين الملتزمين فحسب، وانما يلعب كل مواطن ومقيم دوره المهم في دعم هذه الحملات والجهود من خلال التكاتف ليس على مستوى صيد السمك فحسب وإنما كل البضائع والسلع التي يقوم هؤلاء المخالفون بها.
فعلى مستوى البحرين، لا يوجد أي تصريح لا من هيئة تنظيم سوق العمل ولا من شؤون البلديات ولا أي جهة حكومية أخرى يسمح للأجنبي بممارسة مهنة البيع المتجول، فهي مهنة حصرية على المواطنين فقط وفقا للقرارات التي صدرت عن المجالس البلدية عام 2006 بشأن تنظيم عمل الباعة الجائلين.
اليوم يشتكي الصيادون البحرينيون من منافسة غير شريفة من قبل العمالة غير النظامية، وللأسف هناك صيادون بحرينيون يساهمون في مثل هذه المخالفات. ولكل في الأعم الاغلب، يبقى البحريني لديه الحس الوطني والمسؤولية في حماية الثروة البحرية. فيما لا يكون همّ الأجنبي سوى جني المال بأي ثمن وأي طريقة، وبالتالي لا يتوانى عن بيع حتى البضائع الفاسدة التي يجمعها من المخلفات. وهذا ما أثبتته الكثير من مقاطع الفيديو التي انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي في الفترات الأخيرة.
كلمتنا الأخيرة هي التأكيد أن المسؤولية مشتركة، ودعم هذه الحملة ومثيلاتها واجب وطني يجب ان تبادر به جميع الأطراف.
وكلمة الشكر نوجهها هنا إلى السواعد التي تقوم بمثل هذه الحملات في وزارة شؤون البلديات والزارعة وقيادة خفر السواحل، وهيئة تنظيم سوق العمل وجميع الجهات الأخرى والمواطنين الذي يسهمون في تحقيق هذه الأهداف الوطنية النبيلة.
المحرر
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك