اطلالة
هالة كمال الدين
halakamal99@hotmail.com
التعفن السريري
في جلسة جمعتني مؤخرا بعدد من الصديقات المقربات، تحدثت إحداهن عن ضيقها بل وتذمرها الشديد من انعزال ابنها المراهق بصفة دائمة عن أي تجمع عائلي، وعزوفه عن القيام بأي نشاط، وتفضيله الدائم والغريب للجلوس بمفرده داخل غرفته، مستلقياً على السرير، تحت طبقات من الأغطية، ولساعات طوال، دون كلل أو ملل، مبحلقا في شاشة التلفاز أو التليفون.
المفاجأة (بالنسبة لي على الأقل) كانت تعليق إحدى الأمهات على حالة هذا الشاب قائلة بأنها تمثل اليوم ظاهرة، يعاني منها المراهقون بصفة خاصة، وكذلك غيرهم من مختلف الأعمار، ويطلق عليه «التعفن في السرير»!
شخصيا لم أكن قد سمعت عن تلك الظاهرة المنفرة حتى من اسمها المقزز، فرحت أبحث عنها، فوجدت أنها منتشرة بشدة على تطبيق «تيك توك» بل وتحولت إلى ترند، وهي تعني قضاء الأشخاص يوما كاملا في السرير بعيدا عن صخب الحياة، حيث يقضون وقتهم بمشاهدة التلفاز، والمشكلة أنها بدأت تجتاح مواقع التواصل الاجتماعي، وتستقطب المزيد ممن يبحثون عن «تعفن السرير» الأمر الذي استدعى تحذير الخبراء منها.
تقول أستاذة الطب النفسي والمساعدة في كلية الطب بجامعة واشنطن في سانت لويس عن تلك الظاهرة بحسب ما نشر مؤخرا بأنها بعد العمل في دوام نهاية الأسبوع عادت منهكة الى منزلها واستسلمت لما أضحى يوصف بـ«التعفن في السرير» وهو مصطلح شائع اليوم يعبر عن حالة التثاقل التي تستوجب راحة طويلة.
إحدى الطبيبات حذرت من أن الخمول في السرير لأكثر من يومين أمر مقلق، ويمكن أن يشير إلى مشاكل عقلية مختلفة، لذلك نصحت بأنه في حالة عدم الشعور بالرغبة في مغادرة المنزل فعلى الشخص محاولة قراءة كتاب أو مجلة بدلا من مشاهدة التليفزيون، وأوضحت بأنه قد يكون من المفيد التحدث إلى معالج، للمساعدة على تعلم مهارات جديدة، وعلى التعرف على سبب الرغبة الملحة للبقاء في السرير.
في حين قالت كيلي غلازر بارون الأستاذة المساعدة في طب الأسرة والطب الوقائي في جامعة يوتا في سولت ليك سيتي بأن تعفن الفراش هو بالضبط عكس ما نريد أن يفعله الناس، مؤكدة وجوب استخدام السرير للنوم فقط، وليس لأنشطة مثل مشاهدة التليفزيون أو العمل أو تناول الطعام، وعلى أنه إذا كانت هناك رغبة في الاسترخاء في مكان مريح، فيكون ذلك على أريكة أو كرسي مريحين.
في رأيي الشخصي المتواضع وبعيدا عن رأي الاختصاصيين، أرى أن ظاهرة «التعفن في السرير» إنما هي انعكاس لشعور من يعاني منها بنوع من القرف أو الملل، أو الاكتئاب الناتج عن غياب هدف محدد في الحياة.
إنه من المؤلم حقا أن تتحول شعلة الشغف في القلب إلى رماد من اليأس والإحباط ليطغى هنا شعور الاستسلام الثقيل على النفس، وهو ما أشار إليه الناقد والمؤرخ الاسكتلندي توماس كارليل في مقولته الشهيرة:
«إنسان بدون هدف.. كسفينة بدون دفة.. كلاهما سوف ينتهي به الأمر على الصخور»!
نعم، الانسان بدون هدف، قد يكون مصيره التعفن السريري، وما هذه الظاهرة إلا انعكاس لحالة الخواء التي يعاني منها فارغو المحتوى ، المخوخين من الداخل، مسلوبي الإرادة.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك