العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

اطلالة

هالة كمال الدين

halakamal99@hotmail.com

التعفن السريري

في‭ ‬جلسة‭ ‬جمعتني‭ ‬مؤخرا‭ ‬بعدد‭ ‬من‭ ‬الصديقات‭ ‬المقربات،‭ ‬تحدثت‭ ‬إحداهن‭ ‬عن‭ ‬ضيقها‭ ‬بل‭ ‬وتذمرها‭ ‬الشديد‭ ‬من‭ ‬انعزال‭ ‬ابنها‭ ‬المراهق‭ ‬بصفة‭ ‬دائمة‭ ‬عن‭ ‬أي‭ ‬تجمع‭ ‬عائلي،‭ ‬وعزوفه‭ ‬عن‭ ‬القيام‭ ‬بأي‭ ‬نشاط،‭ ‬وتفضيله‭ ‬الدائم‭ ‬والغريب‭ ‬للجلوس‭ ‬بمفرده‭ ‬داخل‭ ‬غرفته،‭ ‬مستلقياً‭ ‬على‭ ‬السرير،‭ ‬تحت‭ ‬طبقات‭ ‬من‭ ‬الأغطية،‭ ‬ولساعات‭ ‬طوال،‭ ‬دون‭ ‬كلل‭ ‬أو‭ ‬ملل،‭ ‬مبحلقا‭ ‬في‭ ‬شاشة‭ ‬التلفاز‭ ‬أو‭ ‬التليفون‭.‬

المفاجأة‭ (‬بالنسبة‭ ‬لي‭ ‬على‭ ‬الأقل‭) ‬كانت‭ ‬تعليق‭ ‬إحدى‭ ‬الأمهات‭ ‬على‭ ‬حالة‭ ‬هذا‭ ‬الشاب‭ ‬قائلة‭ ‬بأنها‭ ‬تمثل‭ ‬اليوم‭ ‬ظاهرة،‭ ‬يعاني‭ ‬منها‭ ‬المراهقون‭ ‬بصفة‭ ‬خاصة،‭ ‬وكذلك‭ ‬غيرهم‭ ‬من‭ ‬مختلف‭ ‬الأعمار،‭ ‬ويطلق‭ ‬عليه‭ ‬‮«‬التعفن‭ ‬في‭ ‬السرير‮»‬‭!‬

شخصيا‭ ‬لم‭ ‬أكن‭ ‬قد‭ ‬سمعت‭ ‬عن‭ ‬تلك‭ ‬الظاهرة‭ ‬المنفرة‭ ‬حتى‭ ‬من‭ ‬اسمها‭ ‬المقزز،‭ ‬فرحت‭ ‬أبحث‭ ‬عنها،‭ ‬فوجدت‭ ‬أنها‭ ‬منتشرة‭ ‬بشدة‭ ‬على‭ ‬تطبيق‭ ‬‮«‬تيك‭ ‬توك‮»‬‭ ‬بل‭ ‬وتحولت‭ ‬إلى‭ ‬ترند،‭ ‬وهي‭ ‬تعني‭ ‬قضاء‭ ‬الأشخاص‭ ‬يوما‭ ‬كاملا‭ ‬في‭ ‬السرير‭ ‬بعيدا‭ ‬عن‭ ‬صخب‭ ‬الحياة،‭ ‬حيث‭ ‬يقضون‭ ‬وقتهم‭ ‬بمشاهدة‭ ‬التلفاز،‭ ‬والمشكلة‭ ‬أنها‭ ‬بدأت‭ ‬تجتاح‭ ‬مواقع‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬وتستقطب‭ ‬المزيد‭ ‬ممن‭ ‬يبحثون‭ ‬عن‭ ‬‮«‬تعفن‭ ‬السرير‮»‬‭  ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬استدعى‭ ‬تحذير‭ ‬الخبراء‭ ‬منها‭. ‬

تقول‭ ‬أستاذة‭ ‬الطب‭ ‬النفسي‭ ‬والمساعدة‭ ‬في‭ ‬كلية‭ ‬الطب‭ ‬بجامعة‭ ‬واشنطن‭ ‬في‭ ‬سانت‭ ‬لويس‭ ‬عن‭ ‬تلك‭ ‬الظاهرة‭ ‬بحسب‭ ‬ما‭ ‬نشر‭ ‬مؤخرا‭  ‬بأنها‭  ‬بعد‭ ‬العمل‭ ‬في‭ ‬دوام‭ ‬نهاية‭ ‬الأسبوع‭ ‬عادت‭ ‬منهكة‭ ‬الى‭ ‬منزلها‭ ‬واستسلمت‭ ‬لما‭ ‬أضحى‭ ‬يوصف‭ ‬بـ«التعفن‭ ‬في‭ ‬السرير‮»‬‭ ‬وهو‭ ‬مصطلح‭ ‬شائع‭ ‬اليوم‭ ‬يعبر‭ ‬عن‭ ‬حالة‭ ‬التثاقل‭ ‬التي‭ ‬تستوجب‭ ‬راحة‭ ‬طويلة‭.‬

إحدى‭ ‬الطبيبات‭ ‬حذرت‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬الخمول‭ ‬في‭ ‬السرير‭ ‬لأكثر‭ ‬من‭ ‬يومين‭ ‬أمر‭ ‬مقلق،‭ ‬ويمكن‭ ‬أن‭ ‬يشير‭ ‬إلى‭ ‬مشاكل‭ ‬عقلية‭ ‬مختلفة،‭ ‬لذلك‭ ‬نصحت‭ ‬بأنه‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬عدم‭ ‬الشعور‭ ‬بالرغبة‭ ‬في‭ ‬مغادرة‭ ‬المنزل‭ ‬فعلى‭ ‬الشخص‭ ‬محاولة‭ ‬قراءة‭ ‬كتاب‭ ‬أو‭ ‬مجلة‭ ‬بدلا‭ ‬من‭ ‬مشاهدة‭ ‬التليفزيون،‭ ‬وأوضحت‭ ‬بأنه‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬من‭ ‬المفيد‭ ‬التحدث‭ ‬إلى‭ ‬معالج،‭ ‬للمساعدة‭ ‬على‭ ‬تعلم‭ ‬مهارات‭ ‬جديدة،‭ ‬وعلى‭ ‬التعرف‭ ‬على‭ ‬سبب‭ ‬الرغبة‭ ‬الملحة‭ ‬للبقاء‭ ‬في‭ ‬السرير‭. ‬

في‭ ‬حين‭ ‬قالت‭ ‬كيلي‭ ‬غلازر‭ ‬بارون‭ ‬الأستاذة‭ ‬المساعدة‭ ‬في‭ ‬طب‭ ‬الأسرة‭ ‬والطب‭ ‬الوقائي‭ ‬في‭ ‬جامعة‭ ‬يوتا‭ ‬في‭ ‬سولت‭ ‬ليك‭ ‬سيتي‭ ‬بأن‭ ‬تعفن‭ ‬الفراش‭ ‬هو‭ ‬بالضبط‭ ‬عكس‭ ‬ما‭ ‬نريد‭ ‬أن‭ ‬يفعله‭ ‬الناس،‭ ‬مؤكدة‭ ‬وجوب‭ ‬استخدام‭ ‬السرير‭ ‬للنوم‭ ‬فقط،‭ ‬وليس‭ ‬لأنشطة‭ ‬مثل‭ ‬مشاهدة‭ ‬التليفزيون‭ ‬أو‭ ‬العمل‭ ‬أو‭ ‬تناول‭ ‬الطعام،‭ ‬وعلى‭ ‬أنه‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬هناك‭ ‬رغبة‭ ‬في‭ ‬الاسترخاء‭ ‬في‭ ‬مكان‭ ‬مريح،‭ ‬فيكون‭ ‬ذلك‭ ‬على‭ ‬أريكة‭ ‬أو‭ ‬كرسي‭ ‬مريحين‭.‬

في‭ ‬رأيي‭ ‬الشخصي‭ ‬المتواضع‭ ‬وبعيدا‭ ‬عن‭ ‬رأي‭ ‬الاختصاصيين،‭ ‬أرى‭ ‬أن‭ ‬ظاهرة‭ ‬‮«‬التعفن‭ ‬في‭ ‬السرير‮»‬‭ ‬إنما‭ ‬هي‭ ‬انعكاس‭ ‬لشعور‭ ‬من‭ ‬يعاني‭ ‬منها‭ ‬بنوع‭ ‬من‭ ‬القرف‭ ‬أو‭ ‬الملل،‭ ‬أو‭ ‬الاكتئاب‭ ‬الناتج‭ ‬عن‭ ‬غياب‭ ‬هدف‭ ‬محدد‭ ‬في‭ ‬الحياة‭.‬

إنه‭ ‬من‭ ‬المؤلم‭ ‬حقا‭ ‬أن‭ ‬تتحول‭ ‬شعلة‭ ‬الشغف‭ ‬في‭ ‬القلب‭ ‬إلى‭ ‬رماد‭ ‬من‭ ‬اليأس‭ ‬والإحباط‭ ‬ليطغى‭ ‬هنا‭ ‬شعور‭ ‬الاستسلام‭ ‬الثقيل‭ ‬على‭ ‬النفس،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬أشار‭ ‬إليه‭ ‬الناقد‭ ‬والمؤرخ‭ ‬الاسكتلندي‭ ‬توماس‭ ‬كارليل‭ ‬في‭ ‬مقولته‭ ‬الشهيرة‭:‬

‮«‬إنسان‭ ‬بدون‭ ‬هدف‭.. ‬كسفينة‭ ‬بدون‭ ‬دفة‭.. ‬كلاهما‭ ‬سوف‭ ‬ينتهي‭ ‬به‭ ‬الأمر‭ ‬على‭ ‬الصخور‮»‬‭!‬

نعم،‭ ‬الانسان‭ ‬بدون‭ ‬هدف،‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬مصيره‭ ‬التعفن‭ ‬السريري،‭ ‬وما‭ ‬هذه‭ ‬الظاهرة‭ ‬إلا‭ ‬انعكاس‭ ‬لحالة‭ ‬الخواء‭ ‬التي‭ ‬يعاني‭ ‬منها‭ ‬فارغو‭ ‬المحتوى‭ ‬،‭ ‬المخوخين‭ ‬من‭ ‬الداخل،‭ ‬مسلوبي‭ ‬الإرادة‭.‬

إقرأ أيضا لـ"هالة كمال الدين"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا